لا تكتفي رواية الكاتب العراقي سلام عبود الجديدة "يمامة - في الالفة والألاف والندامة" باستلال موضوعها من التاريخ، متمثلاً بفترة مضطربة عاشتها مدينة قرطبة في العقد الثالث من القرن الحادي عشر الميلادي، بل انها ايضاً تقتبس نصها من كتب التراث العربي التي تعود لتلك الفترة. فينقل الكاتب عنها حرفياً عبارات وجملاً وفقرات ترك أمر "تعليمها او تمييزها عن النص القصصي، لكيلا تبدو جسماً غريباً يقطع سياق التلقي عند القارئ.."، كما يوضح في الصفحة الاولى. لذلك جاءت روايته شاهداً ملموساً على مبدأ التناص الذي يقضي بتبعية النصوص لبعضها، حتى وإن تباينت في الاسلوب وتعارضت في الدلالة، وبفهم الكتابة كإعادة كتابة مقصودة او عفوية، حتى وان ادعت انتماءها الى الابداع المحض. ومن بين الكتب التراثية العديدة التي تشكل مصادر رواية "يمامة"، كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، حيث تظهر المحاكاة جلية في العنوان الرئيسي: اليمامة والحمامة مترادفتان في المعنى، وفي العنوان الفرعي الذي حوّر عنوان ابن حزم الى: في الألفة والألاف والندامة. اما اذا دفع الفضول القارئ لتتبع اثر التناص على نحو اكثر تفصيلاً فسيجد، مثلاً، ان خيوط حبكة الرواية نسجت على منوال الفصل الخامس من "طوق الحمامة" المعنون "باب من أحب من نظرة واحدة" مع تغيير أسمي الشخصيتين والنهاية. من الحدود السائبة بين احداث التاريخ وتصعيدات المخيلة الادبية، وبين الكلام المنقول من بطون الكتب والسرد القصصي، يتشكل عالم سلام عبود في "يمامة"، بما لا يشبه عوالم رواياته الأربع السابقة. فهي اذ تستحضر بأمانة لحظة من زمن الأندلس "الجميل" كما يوحي بريقه الآتي من بعيد، تعرض، من دون إقحام او اسقاط، محنة المثقف ازاء بطش السلطات وتنكيلها، تضييق حرية التفكير، التهالك المدمر على السلطة لذاتها. فقبل ان يساق بطلها عبدالله بن يعيش الى مصيره المأسوي، يجد نفسه، هو العائد تواً من منفى قسري الى قرطبة المهددة بالفتن، مولهاً بعلاقة حب جمعته من النظرة الأولى بجارية اسمها يمامة. من بوابة ذلك الحب المباح، بفعل الطبيعة الانسانية والأعراف الحضارية، دخل ابن يعيش الى دهاليز العالم السفلي ليجابه جلاداً استلب منه نعمة البصر وخصب الرجولة وثبات المعتقد، وامرأة حنت عليه في ظلمة الزنزانة هي يماممة ذاتها التي رآها مرة واحدة فقط. على تلك الخلفية حصل اللقاء المنتظر بين العاشقين، وارتسمت النهاية الفاجعة لشخصية ايجابية نمطية في زمن موحش، لا يختلف كثيراً عما سبقه او تلاه.