الذهب يستقر عند 2296.17 دولار للأوقية    وزير التجارة يصدر قرارًا وزاريًا بإيقاع عقوبة مباشرة على كل من أخلّ بأداء واجبه في إيداع القوائم المالية    "التجارة" تضبط 374 مخالفة في المدينة    انحفاض الإنتاج الصناعي 6.1% في أبريل    إستخراج بطاقات إقامة ممن مضى على إقامتهم في مصر أكثر من 6 أشهر    طاقم تحكيم إماراتي لإدارة مباراة الأخضر والأردن    الطقس : حاراً إلى شديد الحرارة على الرياض والشرقية والقصيم    خادم الحرمين يأمر باستضافة 1000 حاجّ من غزة استثنائياً    تطوير مضاد حيوي يحتفظ بالبكتيريا النافعة    "ميتا" تزوّد "ماسنجر" بميزة المجتمعات    المنتخب السعودي للفيزياء يحصد 5 جوائز عالمية    بدء أعمال المنتدى الدولي "الإعلام والحق الفلسطيني"    "الرياض للبولو" يتوّج بطلاً لبطولة تشيسترز ان ذا بارك    400 مخالفة على الجهات المخالفة للوائح التعليم الإلكتروني    زوجة «سفاح التجمع» تظهر من لندن: نجوت من مصير الفتيات !    كيت ميدلتون.. قد لا تعود أبداً إلى ممارسة دورها الملكي    بعد ياسمين عبدالعزيز.. ليلى عبداللطيف: طلاق هنادي قريباً !    شريفة القطامي.. أول كويتية تخرج من بيتها للعمل بشركة النفط    «أرامكو»: 0.73 % من أسهم الشركة لمؤسسات دولية    شرائح «إنترنت واتصال» مجانية لضيوف خادم الحرمين    استقبال 460 حاجاً من ضيوف خادم الحرمين من 47 دولة    عبدالعزيز عبدالعال ل«عكاظ»: أنا مع رئيس الأهلي القادم    «الداخلية»: انطلاق الجلسات العلمية لمنتدى الخدمات الطبية    المجلس الصحي يشدد على مبادرة «الملف الموحد»    الداخلية تستعرض خططها لموسم الحج.. مدير الأمن العام: أمن الوطن والحجاج خط أحمر    أمير القصيم يشيد بجهود "طعامي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    «فتيان الكشافة» يعبرون عن فخرهم واعتزازهم بخدمة ضيوف الرحمن    قيادات تعليمية تشارك القحطاني حفل زواج إبنه    «التعاون الإسلامي»: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء    العطلة الصيفية واستغلالها مع العائلة    "السمكة المتوحشة" تغزو مواقع التواصل    11 مبادرة تنفيذية لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    وزارة الحج تعقد دورات لتطوير مهارات العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    إعادة تدوير الفشل    خلود السقوفي تدشن كتابها "بائعة الأحلام "    الحج عبادة وسلوك أخلاقي وحضاري    القيادة تهنئ ملك الأردن    الأمريكي" غورست" يتوج ببطولة العالم للبلياردو    رسالة جوال ترسم خارطة الحج لشيخ الدين    الأهلي يفاوض كيميتش والنصر يتخلى عن لابورت    شهد مرحلة من التبادل الثقافي والمعرفي.. "درب زبيدة".. تاريخ طويل من العطاء    "هيئة النقل" تدشن سيارة الرصد الآلي كأول تجربة لها في موسم الحج    استشاري:المصابون بحساسية الأنف مطالبون باستخدام الكمامة    الدكتورة عظمى ضمن أفضل 10 قيادات صحية    أمير الرياض يطلع على عرض لمركز صالح العسكر الحضاري بالخرج    رئيس جمهورية قيرغيزستان يمنح رئيس البنك الإسلامي للتنمية وسام الصداقة المرموق    وفد الشورى يطّلع على برامج وخطط هيئة تطوير المنطقة الشرقية    التخبيب يهدد الأمن المجتمعي    تغييرات الحياة تتطلب قوانين جديدة !    رئيس الأهلي!    الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!    فشل التجربة الهلالية    انطلاق معسكر أخضر ناشئي الطائرة .. استعداداً للعربية والآسيوية    أمير تبوك يواسي عامر الغرير في وفاة زوجته    نصيحة للشعاراتيين: حجوا ولا تتهوروا    نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي    توفير الأدوية واللقاحات والخدمات الوقائية اللازمة.. منظومة متكاملة لخدمة الحجاج في منفذ الوديعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجزرة قانا تربك بيريز وعملية "عناقيد الغضب" . حرب اسقاط الورقة اللبنانية

قبل ساعات من الاعلان عن قرب توجه وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر الى الشرق الاوسط ارتكب الجيش الاسرائيلي ، في 18 نيسان ابريل الحالي ، مجزرة رهيبة حين قصف بالمدفعية تجمعا لمدنيين من جنوب لبنان في بلدة قانا قضاء صور الواقعة ضمن نطاق الوحدة الفيدجية العاملة في قوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان . وأسفر القصف عن سقوط اكثر من مئة قتيل ، وسبقته جريمة مماثلة في بلدة النبطية أسفرت عن مقتل 9 مدنيين. وأدت المجزرة الى موجة سخط عارمة في عواصم العالم . وتوقع المراقبون ان تكون لها انعكاسات سلبية على صورة بيريز ورصيده وربما مصيره الانتخابي ، خصوصا ان الضعوط الدولية قد ترغمه على انهاء الحرب قبل تحقيق الاهداف التي سعى اليها. واضافوا : "بات من الصعب على الدول التي تعاطفت مع بيريز وسعت الى احباط اي ادانة دولية للحرب التي شنها في لبنان ان تستمر في اتخاذ الموقف نفسه".
منذ اندلاع عملية "عناقيد الغضب" في 11 نيسان ابريل الحالي بدا واضحاً ان اهداف العدوان الاسرائيلي الواسع تتخطى وبكثير مجرد الرد على صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها "حزب الله" على الجليل. وبعد مضي اسبوع على بدء العمليات العسكرية ظهر جلياً من خلال المواقف الاسرائيلية ان رئيس الوزراء شمعون بيريز يعيش هاجسين: الأول هو الفوز في الانتخابات العامة المقررة في 29 ايار مايو المقبل والثاني اسقاط "الورقة اللبنانية" من يد الفئات التي تستخدمها "اما للاعتراض على السلام أو لتحسين موقعها في التفاوض" على حد قول مصادر ديبلوماسية غربية.
وقالت المصادر: "اطلق "حزب الله" سلسلة من الكرات الملتهبة على المستوطنات في شمال اسرائيل. وحين وصلت عمليات القصف الى الحد الذي يهدد فرص بيريز في الفوز ويجعل مصيره ومصير عملية السلام تحت تهديد "حزب الله" قرر دفع هذه الكرات الملتهبة في اتجاه بيروت معتبراً ان الرسالة الجدية موجهة الى دمشق".
وأضافت: "ادركت الحكومة الاسرائيلية ان تعقب عناصر "حزب الله" مستحيل وان اقتلاعهم على غرار مقاتلي المقاومة الفلسطينية متعذر فاختارت ورقة ضغط مؤلمة وهي دفع مئات الآلاف من المهجرين من جنوب لبنان الى العاصمة بيروت وكأنها تضع دمشق امام الخيار: اما اسكات الكاتيوشا في الجنوب أو زعزعة السلام الذي تديره سورية في لبنان".
ولم يتردد بيريز ومنذ انطلاق الهجمات الاسرائيلية في الربط بين أمن بيروت وأمن الجليل محولاً المهجرين اللبنانيين ومعهم لبنان بأسره الى رهينة اشترط للافراج عنها فرض هدوء مضمون في جنوب لبنان.
وامام الهجمات الوحشية على جنوبه وعاصمته وجد لبنان نفسه مكشوفاً امام الآلة العسكرية الاسرائيلية. فالحكومة اللبنانية لا تستطيع انكار حق الجنوبيين خاصة واللبنانيين عامة في الاستمرار في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لجزء من أراضيهم. وهي غير قادرة على احتمال استمرار تدفق المهجرين الامر الذي ينذر بكارثة انسانية واجتماعية واقتصادية. وهي غير قادرة على القبول بتسوية في جنوب لبنان تؤدي الى نوع من التحييد للمسار اللبناني. من هنا لم تجد الحكومة اللبنانية امامها غير مطالبة العالم بالضغط لفرض اتفاق لوقف اطلاق النار وعلى قاعدة العودة الى تفاهم تموز يوليو 1993 والذي سمي تفاهم الكاتيوشا، وهو يلزم اسرائيل و"حزب الله" بعدم قصف الاهداف المدنية، اضافة الى تذكير العالم بأن الحل الفعلي يكون بتطبيق القرار 425.
في هذا السياق تحرك رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في جولته العربية الاوروبية التي ادت الى اطلاق مبادرة فرنسية تبعتها مبادرة اميركية. وبرغم الفروقات بين المبادرتين لجهة الاقتراب من تفاهم تموز يوليو 1993 والابتعاد عنه بدا واضحاً ان المبادرتين تتفقان في محاولة ارساء قواعد هدوء قابل للاستمرار في جنوب لبنان في ظل ضمانات اقليمية ودولية وآلية رقابة.
تضمن المشروع الاميركي النقاط التالية:
1- امتناع "حزب الله" عن مهاجمة شمال اسرائيل.
2- امتناع اسرائيل عن مهاجمة مناطق مدنية شمال "الشريط الحدودي".
3- امتناع "حزب الله" عن أي نشاط في المناطق المدنية شمال "الشريط".
4- وضع آلية دولية لضمان تطبيق الاتفاق والاشراف عليه.
5- امكان ان تشن اسرائيل عمليات على أهداف ل "حزب الله" في لبنان اذا هاجم الاخير بلدات في شمال اسرائيل.
6- امتناع "حزب الله" عن شن عمليات ضد الجنود الاسرائيليين في جنوب لبنان.
7- تعهد اسرائيل باجراء مفاوضات في شأن انسحابها من جنوب لبنان.
وتضمنت المبادرة الفرنسية النقاط التالية:
1- اعطاء صفة رسمية للتعهدات التي قطعت شفوياً في العام 1993 وجعلها تعهدات مكتوبة.
2- تمتنع الحكومة الاسرائيلية عن أي عمل من شأنه الاضرار بأمن السكان المدنيين وبحقهم في العيش في اماكن سكنهم العادية.
3- تتخذ الحكومة اللبنانية كل الاجراءات اللازمة لضمان أمن السكان المدنيين الاسرائيليين وتجنب كل عمل ضدهم انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.
4- يمتنع حزب الله وجميع الحركات المتمركزة في جنوب لبنان عن استخدام اسلحة هجومية ضد الأراضي الاسرائيلية.
5- تأخذ دول ثالثة ضامنة علماً بهذه التعهدات وهذه الدول هي الولايات المتحدة وفرنسا ودول اخرى اوروبية.
6- تحصل هذه الدول ايضاً على موافقة البلدان الاخرى المعنية في المنطقة وخصوصاً سورية.
7- تشكل لجنة أمنية تضم ممثلين للدول الضامنة ولاسرائيل ولبنان وتكلف بالسهر على حسن تطبيق الترتيبات. وتجتمع هذه اللجنة بمجرد تقدم أحد الاطراف بشكوى. ويجمد أي عمل انتقامي خلال النظر في الشكوى.
8- الاقتراع الفرنسي العاجل يهدف الى مواجهة الأزمة الحالية ولا يحل محل الحل النهائي الذي يأتي في اطار عملية السلام.
وكان من الطبيعي ان يبادر "حزب الله" الى رفض المبادرة الاميركية التي اعتبرها "انتحاراً" له وان تتخوف الحكومة اللبنانية من بعض بنود المبادرة الفرنسية خصوصاً لجهة آلية توحي بديمومة الهدنة مع احتمال بقاء الاحتلال. وبدا ان المخرج الوحيد الممكن هو التوصل الى نوع من التوافق بين المبادرتين الاميركية والفرنسية يحظى بتأييد دمشق وتالياً الحكومة اللبنانية. وقدرة دمشق على القبول مرهونة بمدى اقتراب الصيغة النهائية من تفاهم تموز يوليو 1993 ذلك ان اي نجاح لبيريز في تحييد المسار اللبناني سيضعف موقف المفاوض السوري في المفاوضات المقبلة. هذا مع العلم ان الدعم السوري للبنان هو الذي يحول دون اضطرار السلطة اللبنانية الى الرضوخ لشروط بيريز الذي حظي بدعم كامل من واشنطن التي حمّلت "حزب الله" مسؤولية دورة العنف الاخيرة ولوّحت باستخدام "الفيتو" في مجلس الأمن لاحباط أي مشروع قرار يدين الدولة العبرية.
وساهمت سلسلة تحركات مصرية وأردنية ومغربية في اتجاه اسرائيل في زيادة الشعور بالخطر الذي يرتبه استمرار العدوان على مصير عملية السلام برمتها. لكن واشنطن بدت متمسكة بتصور لوقف النار يقيد قدرة الاطراف العربية على استخدام الورقة اللبنانية.
ورأت مصادر ديبلوماسية ان المواجهة بين الكاتيوشا و"عناقيد الغضب" اطلقت في الواقع عملية ديبلوماسية قد تؤدي الى تحريك المفاوضات السورية - الاسرائيلية. وقالت ان "حزب الله" الذي اظهر مقدرة وتمرساً في المواجهة الاخيرة مرشح لأن يخسر حرية الحركة وان ايران ستواجه في النهاية تراجعاً لدورها. واعتبرت ان العمليات العسكرية الاسرائيلية في الجنوب وبيروت والبقاع كانت محملة بالرسائل على رغم تأكيد حكومة بيريز انها لا تستهدف القوات السورية أو الجيش اللبناني.
ويقول مصدر ديبلوماسي: "استخدمت الورقة اللبنانية للاحتجاج على التعنت الاسرائيلي وعلى نتائج قمة شرم الشيخ وشن بيريز حربه لاسقاط الورقة اللبنانية فهل ينجح وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر في مصادرة هذه الورقة لجعل مجرياتها منطلقاً لمفاوضات تعقب نجاح بيريز في الانتخابات".
بين تموز يوليو 1993 الذي شهد الاجتياح الجوي الاسرائيلي للبنان وانتهى بالتفاهم المعروف بپ"اتفاق الكاتيوشا" وبين الهجوم الجوي والمدفعي الأخير الذي بدأ في 11 نيسان ابريل الحالي تغيرت المنطقة كثيراً. فحين وافقت اسرائيل في تموز 1993 على "اتفاق الكاتيوشا" كانت تريد تهدئة جبهة جنوب لبنان للتفرغ لما هو اهم، اي للمفاوضات الجارية عبر قناة اوسلو. وبعد شهرين من ذلك التاريخ شهدت المنطقة توقيع اتفاق اوسلو في 13 ايلول سبتمبر وكان الحدث بمثابة الانقلاب الكبير في تاريخ النزاع العربي - الاسرائيلي. وبين تموز 1993 ونيسان 1996 تغيرت ملامح كثيرة بفعل معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية والاقتراحات الاسرائيلية في المغرب العربي والخليج. وبصورة أدق يمكن القول انه في تموز 1993 كان ياسر عرفات لا يزال في تونس وأبواب العواصم العربية باستثناء القاهرة مغلقة في وجه المسؤولين الاسرائيليين، وفي نيسان 1996 يقيم ياسر عرفات في غزة ويستطيع بيريز زيارة عواصم عربية عدة. تضاف الى ذلك تطورات اخرى فحين بدأت اسرائيل هجومها الاخير كانت المنطقة منشغلة بدراسة ابعاد الاتفاق الجوي التركي - الاسرائيلي وكانت الطائرات الاميركية قد وصلت الى الأردن للمشاركة في تطبيق الحظر المفروض على العراق، وكانت سورية قد قاطعت قمة شرم الشيخ التي وجه بيريز خلالها الى ايران تهمة رعاية الارهاب وتمويله وتحريضه على اسقاط عملية السلام.
وبين تموز 1993 ونيسان 1996 صمدت الاتفاقات الاسرائيلية - الفلسطينية على رغم العثرات والتهديدات وبدا السلام الأردني - الاسرائيلي راسخاً ويحظى بارادة مشتركة لتعميقه وبحماية دولية ضد اي محاولة لاسقاطه.
لكل هذه الأسباب بدا ان اسرائيل لم تعد راغبة في التمسك بتفاهم وقّع قبل كل النجاحات التي حققتها في السنوات الثلاث الماضية.
الانتخابات وعملية السلام
كيف بدت الصورة من اسرائيل ولماذا اطلق شمعون بيريز عملية عناقيد الغضب؟
للاجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة الى قمة شرم الشيخ. فبعد العمليات المدوية التي شنتها "حماس" و"الجهاد الاسلامي" جاء رد الفعل الدولي سريعاً ويختصر بالتالي: لا بد من الحفاظ على عملية السلام وبقاء شمعون بيريز من شروط المحافظة عليها. هكذا ظهر بقاء بيريز وكأنه حاجة دولية واقليمية في آن وتمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي للمرة الأولى من المشاركة في مؤتمر حضره عدد من الممثلين العرب لدول كانت ترفض حتى ذلك التاريخ اللقاء بمندوب اسرائيل حول طاولة واحدة. وأظهرت مداولات المؤتمر ومقرراته ان الولايات المتحدة ومعها دول اخرى، ترى ان الحفاظ على عملية السلام بات يتطلب الانتقال الى مرحلة ردع القوى التي تحاول اسقاطها. وكان الرئيس بيل كلينتون صريحاً في تصنيف "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله" في خانة الارهاب وأعداء السلام مطالباً دول المنطقة بعدم توفير الملجأ لهذه القوى وبالمساعدة في تجفيف مواردها المالية. وبدا من خلال القمة نفسها ان المشاركين ارادوا الاقتراع لمصلحة بيريز خوفاً من ان يؤدي وصول تكتل ليكود الى تجميد العملية على المسار الفلسطيني وضرب فرص التقدم على المسار السوري - الاسرائيلي. وبلغت الرغبة في الاقتراع لمصلحة بيريز حداً دفع الرئيس كلينتون الى تسجيل سابقة تمثلت بحضوره اجتماع الحكومة الاسرائيلية المصغرة.
في ضوء هذه المظلة الأولى من نوعها تحركت حكومة بيريز للرد على التفجيرات عبر سلسلة من الخطوات بينها اغلاق الأراضي وفرض حالة من الحصار وأبرزها اعتبار مكافحة "حماس" و"الجهاد الاسلامي" شرطاً لامتحان صدقية سلطات الحكم الذاتي وقدرتها على الوفاء بتعهداتها وبقيت مشكلة "حزب الله".
بعد انطلاق عملية "عناقيد الغضب" التقت معظم التحليلات على القول ان الاعتبارات الانتخابية هي التي دفعت بيريز الى اعطاء الضوء الاخضر للعسكريين. والواضح ان الحسابات الانتخابية حاضرة وبقوة وان كانت ليست السبب الوحيد خصوصاً بعد قيام نوع من التلازم بين انقاذ عملية السلام من الضربات التي تتعرض لها وانقاذ بيريز من التآكل الذي يصيب شعبيته بفعل العمليات الانتحارية.
"رسائل وتواقيع"
وقالت مصادر اسرائيلية ان حكومة بيريز نظرت الى صواريخ الكاتيوشا التي اطلقها "حزب الله" قبل اندلاع عملية عناقيد الغضب "بوصفها رسائل تحمل تواقيع كل من ايران وسورية و"حزب الله" وتستهدف بيريز وعملية السلام معاً وتشكل نوعاً من الرد على قمة شرم الشيخ".
وأضافت المصادر: "اضافة الى الحسابات المتعلقة بالانتخابات وعملية السلام تعرض بيريز لضغوط من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية التي اعتبرت ان امتلاك "حزب الله" المبادرة عن طريق فرض تفسيراته لاتفاق الكاتيوشا يشكل تطوراً لا يمكن للجيش الاسرائيلي قبوله".
وقالت: "اعطى بيريز نفسه فسحة من الوقت للرد على الهجمات. فقد ضمن أولاً غطاء اميركياً للعملية خصوصاً بعدما فشلت الاتصالات الاميركية في لجم "حزب الله". ووفر لهذه العملية نوعاً من الاجماع الداخلي اذ ان تكتل "ليكود" صعد مطالبته برد قوي واعتبر جناح الحمائم في "حزب العمل" ان بيريز مضطر للرد لانقاذ حظوظ الحزب الانتخابية".
وذكرت المصادر "منذ توليه رئاسة الحكومة خلفاً لاسحق رابين يشعر بيريز بنوع من التشكيك في قدرته على طمأنة الاسرائيليين ولم يتردد السياسيون في التحذير من مخاطر اسلوبه القائم على التردد والتأجيل. وساهمت رغبته في تبديد هذا الانطباع في دفعه الى الموافقة على اطلاق العملية العسكرية".
لبنان: الهامش الضيق
كيف تعاملت الحكومة اللبنانية مع العدوان الاسرائيلي الجديد؟ يصعب القول ان السلطة اللبنانية فوجئت بقيام اسرائيل بعمل عسكري رداً على هجمات "حزب الله". فاسرائيل اعلنت مرات عدة ان هذه الهجمات لن تمر دون رد. لكن الأوساط الرسمية والسياسية في لبنان كانت تعتقد ان الرد الاسرائيلي سيكون "نوعياً" بمعنى انه قد يرمي الى اغتيال احد مسؤولي "حزب الله" او خطفه. وحتى حين قال عدد من المسؤولين في مجالسهم الخاص ان تساقط الكاتيوشا على شمال اسرائيل سيدفع بيريز الى الرد اعتبروا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ليس في وارد القيام بعملية واسعة "يمكن ان تعرض عملية السلام برمتها للخطر". ولم تتحسب الحكومة اللبنانية لعملية تهجير واسعة على غرار ما حصل في 1993 والدليل ان المهجرين لم يجدوا بعد بدء العمليات الاغطية الكافية للنوم في المدارس والمساجد.
لم يكن سراً في الأسابيع الماضية ان العلاقات الاميركية - اللبنانية سجلت تراجعاً. والبيان الحاد الذي اصدرته السفارة الاميركية في بيروت اثر منع المحاكمة عن قتلة السفير الأميركي فرنسيس ميلوي كان مؤشراً صريحاً. وترى مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت ان "واشنطن فقدت ثقتها بقدرة الدولة اللبنانية على التعاطي مع اي من الملفات الساخنة المطروحة وان الامر عزز قناعة الادارة الاميركية بضرورة التحدث الى سورية قبل التحدث الى حكومة بيروت. لقد اجرت الادارة الاميركية اختبارات عدة للحكومة اللبنانية وعادت بانطباع قديم جديد مفاده ان القرار في ما يتعلق بمفاوضات السلام و"حزب الله" وغيره موجود في دمشق لا في بيروت".
"ملف اقليمي"
لماذا لم تحاول الحكومة اللبنانية الضغط على "حزب الله" لحرمان بيريز من العثور على ذريعة لشن العدوان؟ يصعب العثور في بيروت على رد رسمي علني على هذا السؤال. ربما لأن الحكومة اللبنانية اعتبرت منذ البداية ان ملف "حزب الله" هو ملف اقليمي لا قدرة لها على اغلاقه او اتخاذ قرار في شأنه. والواقع هو ان الحكومة اللبنانية، اعتبرت، ومنذ انطلاق عملية مدريد، ان خيارها الوحيد في مفاوضات السلام هو خيار التطابق مع سورية وانسحب الخيار نفسه على موضوع التعاطي مع ملف "حزب الله". وينطلق هذا الموقف من اعتبارات عدة اولها ان الحكومة اللبنانية لا تستطيع الوقوف ضد فريق لبناني يقاوم الاحتلال الاسرائيلي للأراضي اللبنانية ولهذا رفضت الحكومة اعطاء اي تعهد بوقف المقاومة قبل الانسحاب الاسرائيلي. اما الاعتبار الثاني فهو ان عمليات "حزب الله" في جنوب لبنان تشكل ورقة في يد المفاوض السوري الذي يخوض مفاوضات صعبة مع اسرائيل. والثالث ان لموضوع "حزب الله" علاقة بإيران وبالعلاقات السورية - الايرانية وهو ما لا قدرة للحكومة اللبنانية على التأثير فيه.
تحرك الحريري
لكل هذه الأسباب وفي ضوء تعثر محاولة الحكم اللبناني ارسال الجيش الى الجنوب في اعقاب عملية "تصفية الحساب" في 1993 لم تجد السلطة اللبنانية امامها غير باب التحرك الديبلوماسي. وهذا ما حصل فعلاً. فبعد بدء العدوان الاسرائيلي انطلق رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في تحرك سريع شمل سورية ومصر وفرنسا والمغرب والسعودية وبريطانيا. وكان تحرك الحريري وراء انطلاق المبادرة الفرنسية وجولة وزير الخارجية الفرنسي هيرفيه دو شاريت في العواصم المعنية. لكن بدا منذ اللحظة الأولى ان المفتاح هو في يد واشنطن لا باريس والدليل ان لبنان مني في مجلس الأمن بما يشبه الانتكاسة بسبب الموقف الاميركي.
في اي حال يبقى لبنان الخاسر الكبير من عملية "عناقيد الغضب". فاضافة الى المأساة الانسانية المتمثلة في تهجير مئات الآلاف من اللبنانيين والخسائر الاقتصادية الناجمة عن قصف محطات الكهرباء وأهداف اخرى هناك الضرر الذي لحق بصورة لبنان في العالم. فعلى مدى اعوام سعت حكومة الحريري الى اقناع العالم بأن لبنان بات مستقراً وان الاستثمار فيه لا يعني المجازفة واذ بالعدوان الاسرائيلي يقدم صورة عن لبنان كساحة لحرب مستمرة تحمل في طياتها خطر زعزعة الاستقرار. هذا اضافة الى ان ظهور "حزب الله" كقوة كبيرة تحتفظ لنفسها بقواعد في بيروت ليس من النوع الذي يشجع الغربيين والمستثمرين والسياح على القدوم الى بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.