منحت مؤسّسة عبد العزيز سعود البابطين جوائزها للابداع الشعري قبل أيّام في أبو ظبي، وسط احتفال كبير رعاه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الامارات. والدورة التي حملت اسم الشاعر الكويتي الراحل أحمد العدواني، توّجت نازك الملائكة وصلاح فضل ومحمد محمّد الشهاوي من بين 337 مرشّحاً تقدّموا لنيل الجوائز، واشتملت على ندوات وأمسيات، حضرها وزراء ثقافة الأردنوالامارات وتونس والكويت ومصر والمغرب وموريتانيا، ما يؤكّد على أهميّتها في الحياة الثقافيّة العربيّة، وعلى تجاوزها الحسابات الاقليميّة لتشمل الوطن الكبير. عاد سوق عكاظ ليضرب جذوره من جديد في عاصمة دولة الامارات التي فتحت قلبها ورئتها الثقافية، أي "المجمع الثقافي في أبو ظبي"، لتحتضن أكبر تظاهرة عربية لتكريم الشعر والشعراء المعاصرين، وتتويج ثلاثة من المبدعين العرب فرساناً لهذه السوق التي تحط رحالها مرّة كل عامين، في احدى عواصم الثقافة العربية. هذا التقليد أرسته "مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين" سنة 1989، ليكون شاهداً على الابداع الشعري العربي الحديث ولتكريم رواده، برعاية رأس المال العربي. وبين المؤسسات العربية التي تساهم، من خلال الجوائز الأدبية والفنية، في اثراء الحركة الثقافة العربية، تقف اليوم مؤسّسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين رافعة رايات الشعر. إذ كرّمت في أبو ظبي لمدة أربعة أيام 28 - 31 اكتوبر/ تشرين الأول 1996، ثلاثة من رموز الشعر هم نازك الملائكة والدكتور صلاح فضل ومحمد محمد الشهاوي. وأختارت "مؤسسة البابطين" أن تطلق على دورتها الأخيرة اسم أحمد مشاري العدواني، مسلّطةً الضوء على عطاء هذا الشاعر والمفكر العربي الكويتي الراحل. وكانت الدورة الأولى والثانية حملتا تباعاً اسمي محمود سامي البارودي القاهرة، 1992، وأبو القاسم الشابي مدينة فاس، 1994. وشهدت هذه الدورة ندوة عن "الشعر والتنوير" تتصل بشعر العدواني، ورؤية النقد والتغيير والتجريب في شعر منطقة الخليج والجزيرة العربية. ولم يكن الحدث ليكتمل إلا باحياء أمسيات شعرية شارك فيها كبار شعراء العربية من المحيط إلى الخليج، وسط عرس ثقافي كبير حضره سبعة من وزراء الثقافة العرب ونحو 300 شخصية ثقافية عربية ورعاه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات، وأحد فرسان الجوائز الثقافية العربية من خلال "مؤسسة زايد للاعمال الخيرية". لماذا ابو ظبي هذا العام؟ إن اختيار أبو ظبي هذا العام لتكريم الشعر والشعراء، لم ينبع من فراغ. بل جاء ضمن خطة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين، تقضي بعقد كل دورة من دورات المؤسسة في أحد الاقاليم الأربعة التي اعتمدتها لتشمل انشطتها جميع الدول العربية. هذه الأقاليم هي: الخليج والجزيرة العربية، شمال افريقيا، بلاد الشام، اضافة إلى اقليم يشمل مصر والسودان واليمن. ويؤكد البابطين على الدور الثقافي المميز لدولة الامارات، وعلى العلاقات الثقافية والتعليمية التي تربط الكويتبالامارات. ولا يجب أن ننسى علاقة العدواني المميزة مع الامارات، من خلال دوره في الحركة التعليمية في الكويت والخليج. وأضاف أن المكان يمثل سانحة للحديث عن الشعر الخليجي والابداع في هذا الجزء من الوطن العربي الكبير. ورعى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان افتتاح عرس الشعر العربي، مذكّراً أنه لا توجد أمة أجدر من الأمة العربية احتفاء بالشعر والشعراء، هذه الأمة العريقة التي كان الشعر ديوانها منذ أقدم العصور. وقال رئيس الامارات، في كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الاعلام والثقافة خلفان الرومي: "ها نحن اليوم نجتمع على مائدة الشعر، نتوحد فيه ويصنع فينا سبيكة منمنمة، مطرزة بعطور العبقرية العربية في واسع ديارها، ورائق مشاربها وشهد مبدعيها". ووجه التحية باسم شعراء هذه الامة إلى الأستاذ عبدالعزيز البابطين لبادرته الطيبة. وقال: "اسمحوا لي أن أحييه وأحيي مساعديه على سعة أفقهم وحكيم توجهاتهم العربية الشاملة التي تنتقل بين أرجاء الوطن الكبير، ترتشف من كل زهوره رحيقاً صافياً، ما يعزز الوجه العربي لهذه الجائزة". وأضاف: "إن بلدكم الامارات تفتخر عالي الفخر بأن يضم بحنان ومحبة هذه الدورة الخامسة لهذه الجائزة الموقرة، دورة الشاعر أحمد مشاري العدواني، الشاعر المبدع المجدد.... كان للشعر في أمتنا ومنذ القدم دور رائد قيادي مرشد، مبشر متحسس لنبض الناس وهمومهم وقضاياهم. فهل تخلى الشعر في زمننا هذا عن دربه، وذهب هائماً في انفاق العتمة والذات المنغلقة والخصوصية المنعزلة؟ أم انه ما زال يلبس ملابسه العربية العريقة: انتماء ووظيفة؟ إن الاجابة عندكم". وأجاب عبدالعزيز البابطين في رده على سؤال رئيس الامارات مؤكداً أن "هذا اللقاء العربي وهذه التظاهرة الثقافية تصب في نهر الشعر الرقراق، ديوان آبائنا وأجدادنا الذي نحن أحوج ما نكون الآن للاجتماع من أجله، والالتفاف حوله، بعدما طرحت بنا تصاريف الزمان، وفرقتنا ولم يعد لنا ما نعتز به الا ثقافتنا العربية التي هي المرتكز لأية تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية". وقال "إننا في مؤسسة البابطين للابداع الشعري، لا نألو جهداً في وضع اللبنة التي ترفع صرح الثقافة كمثل مؤسسات الجوائز الزميلة التي قامت بانشائها شخصيات ثقافية مرموقة كجائزة الملك فيصل وجائزة الدكتورة سعاد الصباح، وجائزة الشيخ عبدالله المبارك الصباح وجائزة سلطان علي العويس، ومؤسسة يماني الثقافية وغيرها من الجوائز العربية التي سيكون لها الأثر الواضح بالنهوض بثقافتنا". وأكد أن وجود عدد من وزراء الثقافة العرب في هذه التظاهرة من الأردنوالامارات وتونس والكويت ومصر والمغرب وموريتانيا دليل على اهتمام الدول العربية بالمثقف العربي وثقافته، وعلى وجه الخصوص الشعر العربي. 337 متقدّماً للجائزة وسط فرحة عارمة وقف الرومي والبابطين لاستقبال المحتفى بهم وتسليم الجوائز والميداليات للمبدعين. نازك الملائكة تسلم الجائزة نيابة عنها زوجها الدكتور عبدالهادي محبوبة الذي قوبل بتصفيق كبير، ما دفعه إلى ارتجال كلمة ذكّر فيها أن تكريم نازك الملائكة، تكريم للشعر العربي الذي أبرعت فيه وجدّدت. كما سلم الرومي الجائزة للدكتور صلاح فضل عن الابداع في النقد الشعري، وللشاعر محمد محمد الشهاوي لفوزه بجائزة أفضل قصيدة عن "المرأة الاستثناء". وتوقّف المعنيّون عند دور مثل هذه المبادرات في الازدهار الثقافي، لأن الحكومات ووزارات الثقافة وحدها قد لا تتمكن من تلبية متطلبات الثقافة. كما أبدى البابطين أسفه لعدم وجود تنسيق بين المؤسسات العربية التي تقدم جوائز للمبدعين... مؤكّداً على التقدير والاحترام اللذين يكنّهما لتلك المؤسسات العريقة. وأعلن أن اتفاقاً تم مع مؤسسة جمعة الماجد للثقافة والفنون أسّسها ويشرف عليها رجل أعمال من دولة الامارات، لتقوم بطباعة أعمال كل شعراء معجم البابطين وانشاء مكتبة خاصة بهم. وفي ما يتعلّق بمسألة ديمومة هذه المؤسسة التي ترعى الابداع الشعري، حرص البابطين على طمأنة الجميع بأنه فرغ من اعداد مشروع لتوفير مصادر تمويل دائم، يعلن عنه في وقت قريب، وتصبح المؤسّسة معه مستقلة، تسير بخطوات ثابتة من دون أي تدخل منه. وكان التنافس على جوائز هذه الدورة، بدأ في تشرين الثاني نوفمبر 1995، حيث تم جمع انتاج المتقدمين للجوائز التي تبلغ قيمتها المادية 110 آلاف دولار، في المكتب الرئيسي للمؤسسة في القاهرة. وبناء على موافقة رئيس مجلس الأمناء، شكلت لجنة تحضيرية قامت خلال الفترة من 18 إلى 23 تشرين الثاني نوفمبر 1995 بمراجعة شاملة لكل الانتاج المقدم لفروع الجائزة الأربعة في ضوء الشروط المعلنة. وبلغ العدد الاجمالي للمتقدمين 337، استبعدت اللجنة التحضيرية منها 76 لعدم انطباق الشروط عليهم ليكون عدد المقبولين 261. وتقدم لجائزة "أفضل قصيدة" 205 مرشّحين، استبعد منهم 59 وقُبل 146. أما جائزة "أفضل ديوان"، فتقدم لها 96 مرشّحاً استبعد منهم 16 وقُبل 80. فيما تقدم لجائزة "نقد الشعر" 28 قُبلوا جميعاًِ، وتقدم لجائزة الابداع الشعري ثمانية استبعد منهم واحد ليكون المقبولون سبعة. نازك الملائكة: باب الابتكار وجائزة الابداع الشعري 40 ألف دولار التي منحت لنازك الملائكة، جاءت تكريماً لريادتها في الشعر العربي الحديث. فهي التي شقّت منذ الأربعينات مسارات جديدة ومبتكرة، وفتحت للآتين بعدها باباً واسعاً للابتكار دفع بالشعراء جيلاً بعد آخر إلى كتابة شعر جديد يضاف إلى ديوان العرب. وصارت القصيدة بفضلها وفضل رفاقها متنوعة الأشكال والأجناس، إذ اتاحت تجربتها للتعبير أن يتنامى ويتطور ويتنوع، وينطلق في المغامرة والتعرف على امكانات اللغة واعجاز بيانها. هكذا عمّ الثراء الابداعي ثقافتنا بفضل الشاعرة وزملائها من الرواد. كما استحقت نازك الملائكة الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري. وأعمالها الشعرية والنقدية المتعددة مدت الجسور بين التجربة الرومانسية العربية الثرية والابداع الحديث، ما أخرج القصيدة من مأزق الذاتية والفردية إلى النص الجماعي الذي يأخذ بهموم الانسان ويجسد آماله وطموحاته إلى التحرر. وكل الذين اقتفوا أثرها وجدوا أنفسهم مبدعين لا متبعين، ما يعني أنها كشفت الغطاء عن امكانات مخبوءة في اللغة العربية لا تقع تحت ثقل الموروث العظيم بل تجري مساوقة له ومضيفة إليه ومغنية إياه. ولئن كانت النقلات النوعية في تاريخ الثقافات نادرة، فلا شك أن الشاعرة حققت للكتابة هذه النقلة متعاضدة مع جيلها الرائد. ولدت نازك صادق الملائكة سنة 1923 في بغداد حيث أتمت دراستها الجامعية، ثم حصلت على الماجستير من أميركا. درّست في كلية التربية لجامعة بغداد، ثم في جامعة البصرة فجامعة الكويت التي كانت آخر المطاف في حياتها التدريسية. وحملت قصيدتها "الكوليرا" 1947 أولى ملامح التجديد، إلى جانب قصيدة أخرى للسيّاب نشرت في العام نفسه وحملت عنوان "هل كان حياً". واعتبرت القصيدتان بداية حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر أو ما سمي بالشعر الحر. أما جائزة الابداع في نقد الشعر 40 ألف دولار، فمنحت للدكتور صلاح فضل تقديراً لأعماله التي اخذت أولاً بالتعريف بالنظريات النقدية عبر التأليف والترجمة والتقديم العلمي الرصين. وكان رائداً في ذلك منذ السبعينات، في عدد من الاعمال التي حظيت بالانتشار وأثرت في تاريخ الأدب والنقد تأثيراً لا شك فيه. وأتبع الدكتور فضل ذلك بدراسات تطبيقية في أصول الكتابة في النص الشعري العربي، وترصد النواميس التي تبني كيانه في أساليبه وأخباره وتجلياته الابداعية المعاصرة مما فتح آفاق قراءة الشعر قراءة نقدية، اضافة إلى استقباله الذوقي التأثري فأسهم بذلك في تطوير فعل القراءة وتنويع أشكال التفاعل مع الابداع الأدبي. وفاز محمد محمد الشهاوي بجائزة أفضل قصيدة 10 آلاف دولار، عن قصيدته "المرأة الاستثناء" التي تحقّق شعريتها من خلال التقاطها للرموز المألوفة بتفريغها من مألوفيتها واقصاء ذاكرتها القديمة، ومن ثم اعادة تشكيلها. وتتفتّح فيها دلالات الرموز والمجازات، بحيث تبدو القصيدة نفسها استثناء مستحيلاً يجري وراء الهارب، ويروض الممتع، ويغرف من اللامألوف. أما "جائزة أفضل ديوان" 20 ألف دولار، فقرّرت لجنة التحكيم حجبها هذا العام. وأكد البابطين أنه كان حزيناً لهذا القرار الذي اتخذ في غيابه. وتقرر أن تُضاف قيمتها إلى موازنة الدورة المقبلة، لتكون هناك جائزتان لأفضل ديوان بدلاً من واحدة. بعد مرور سبع سنوات على انطلاقتها في الكويت، وتأسيس مركز لها في القاهرة قلب الثقافة العربية، إضافة إلى اقامة مكاتب دائمة لها في الكويت وعمان وتونس، لم تعد "جائزة البابطين للابداع الشعري" ظاهرة عابرة في الحياة الثقافية العربية. وأوضح البابطين ل "الوسط" أن جائزته تقتصر على الشعر فقط لأنه ديوان العرب. كما أصرّ على أنّها "جائزة عربية" تشمل كل المناطق ولا تعرف صفة الاقليمية. وتأكيداً على استمرارية هذا المشروع الطموح، أعلن البابطين أمام الوزراء والمثقفين العرب اقامة الدورة السادسة في دمشق سنة 1998، وتسميتها باسم "الأخطل الصغير"، الشاعر اللبناني الكبير بشارة الخوري