على رغم ان السلطان قابوس بن سعيد نجا باعجوبة من حادث الاصطدام المروع الذي راح ضحيته نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية قيس بن عبدالمنعم الزواوي، وعلى رغم تأكيد السلطان المستمر ان الحادث وقع قضاءً وقدراً ولم تكن وراءه أي دوافع سياسية، فان المراقبين السياسيين والديبلوماسين المقيمين في مسقط يتوقعون حدوث تغييرات في المجالين الأمني والسياسي. ففي المجال الأمني طرح وقوع الحادث بهذه الصورة المبسطة أكثر من علامة استفهام حول الاجراءات الامنية المتبعة بالنسبة الى مواكب وتحركات السلطات التي تتسم عادة بالبساطة حيث يفضل فيها قيادة السيارة بنفسه والتحرك بحرية وسط المواطنين من دون حراسة مكثفة. ويقول هؤلاء المراقبون انه من الآن فصاعداً وحتى لا تترك الأمور لصدفة أخرى أو حادث آخر مماثل ربما تفكر السلطات في اجراءات أمنية اكثر تعقيداً لكنها قد لا تصل الى حد منع الاتصال المباشر بين السلطان والمواطنين، وهو تقليد عماني قديم. ويبدو هذا الاستنتاج منطقياً ليس فقط من خبرة الحادث فحسب ولكن من ملاحظة بعدين مهمين الأول ان جهاز الأمن العماني الذي يتمتع بسمعة انضباط واحتراف كبيرة على المستوى الخليجي يمتلك كل الدوافع لتأكيد هذه السمعة من خلال عدم السماح بتكرار مثل هذه الحوادث وما يرتبط بها عادة من قلق لدى الرأي العام أو ظهور الاشاعات. أما البعد الثاني والأهم فهو ان توفير أقصى أمن وحماية للسلطان قابوس تعتبر مهمة اساسية للأمن خصوصاً في ظل السلطات الكاملة التي يتمتع بها كحاكم للبلاد ورئيس لمجلس الوزراء ما يجعله محور النظام السياسي وصانع السياسة والقوانين وأيضاً ضمانة الاستقرار في بلد ما زالت مؤسساته السياسية الحديثة في طور الاكتمال. ولعل هذا الارتباط بين استقرار السلطنة وسلامة السلطان هو الذي يفسر هذا الصدى العربي والخليجي الواسع للحادث والاهتمام والقلق الذي أبداه رؤساء الدول وكبار المسؤولين في المنطقة والتي دفعت ثلاثة منهم هم الرئيس المصري والعاهل الأردني وأمير قطر لزيارة عمان للاطمئنان الى صحة السلطان قابوس وتهنئته بالنجاة. وهناك أيضاً المجال السياسي أو الحكومي فنائب رئيس الوزراء العماني قيس الزواوي الذي لقي مصرعه في الحادث كان واحداً من أقرب المقربين للسلطان من بين عناصر النخبة السياسية والحكومية العمانية. وهو حظي باستمرار بدعمه بحيث استمر يشغل مناصب وزارية مختلفة لمدة تصل الى عشرين عاماً، كما كان مسؤولاً الى حد كبير عن الاشراف على جميع الجوانب المالية والاقتصادية للدولة خلال العقدين الاخيرين بحيث اصبح الاقتصاد العماني يرتبط باسمه الى حد كبير. ونظراً الى الدور القيادي الذي يلعبه السلطان في العملية السياسية والى تواجد آليات في الوقت الراهن لدى النظام السياسي لفرز عناصر وكوادر جديدة فان غياب الزواوي لن يخلق "فراغاً سياسياً" ولكنه قد يخلق "فراغاً حكومياً" نظراً الى المناصب الكثيرة التي كان يشغلها. وتبدو الصعوبة في انه يتعذر على شخص واحد القيام بكل هذه الوظائف وشغل كل هذه المواقع التي كان يقوم بها ويشغلها قيس الزواوي المتمتع بثقة السلطان. الا ان استحقاقات الخطة الخمسية القادمة 6199 - 2000 التي كان الزواوي مشرفاً على لجان اعدادها في مجلس التنمية اضافة الى التعهدات التي قطعتها عمان على نفسها للتخلص من عجز الموازنة المزمن في السنوات الاخيرة والتغيرات الجوهرية التي اقرها مؤتمر آفاق الاقتصاد العماني حتى عام 2020 والتي كان الزواوي أحد اشد المتحمسين لها... قد تضغط من أجل البحث بسرعة عن بديل أو بدائل له لملء هذه المناصب واستكمال هذه الاستحقاقات الأمر الذي يفتح الباب لعناصر جديدة وربما حتى شابة لدخول النخبة الوزارية العمانية واحداث تغيير في وجوهها، وهو تغيير كان بدأ بالفعل ولكن ببطء وتدرج خلال السنوات الثلاث الأخيرة.