أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    أمير الباحة يناقش المشاريع التنموية والخدمات المقدمة في محافظة العقيق    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    تزايد الهجمات السيبرانية في ألمانيا والخسائر 1ر16 مليار يورو    الأسهم الآسيوية ترتفع لأعلى مستوياتها في 15 شهراً مع تحسن اقتصاد الصين    الصحة النباتية    تعطل مكائن الصرّاف الآلي واحتجازها للأموال    تراث يمتد عبر العصور.. دروب الحج القديمة.. مسارات للثقافة والمعرفة    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    سيتي لسحب البساط من تحت قدمي أرسنال    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من (6) أشهر وأقل    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    الرزنامة الدراسية !    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    الحضور شرط تجديد الجواز قبل 6 أشهر من انتهائه    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    17.5 ألف قرار إداري ل"الجوازات" في شوال    الفريق اليحيى: تدشين صالة مبادرة "طريق مكة" بمطار جناح الدولي في باكستان لإنهاء إجراءات المستفيدين بيسر وسهولة    أمير جازان يرعى مراسم اتفاقية تعاون بين مديرية السجون وجمعية التوعية بأضرار المخدرات بالمنطقة    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    النفط والذهب يتراجعان    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصفقة تسلك المعبر الاردني . صدام يخسر النافذة الاخيرة

هل خسر صدام النافذة الأردنية التي كانت فرصته الأخيرة للعودة الى الأسرة الدولية ودخول الشرق الأوسط الجديد؟ وهل أعطى فرار حسين كامل حسن الأردن ورقة مهمة في ملف التغيير في العراق؟ وهل يملك حسين كامل نفسه من المعلومات والاتصالات ما يمكن أن يعجّل في انهيار نظام صدام حسين؟ اسئلة كثيرة تزاحمت في وقت تركزت الأضواء فيه على العاصمة الأردنية و"الصفحة الجديدة" التي فتحت مع بغداد.
قبل اسبوع من لجوء الفريق الاول حسين كامل حسن المجيد وزير الصناعة والتصنيع العسكري العراقي السابق الى الاردن، ابلغ العاهل الاردني الملك حسين عدداً من الصحافيين الاردنيين انه يزمع القيام بمبادرة تجاه العراق. غير انه شكا من عدم تعاون القيادة العراقية معه، وقال انه ينتظر الحصول على معلومات وافية قبل الاضطلاع بتنفيذ المبادرة. ولما كانت تصريحات العاهل الاردني وردت في سياق حديثه عن المبادرة الاردنية - الاسرائيلية تجاه البوسنة، فقد خلص مراقبون في التو الى انه ربما اقنع اسرائيل بالقيام بدور ما لرفع الحصار المفروض على العراق. وأشار الامير حسن ولي عهد الاردن الذي رافق الملك حسين اثناء اللقاء المذكور الى ان جماعات الضغط الصهيونية في الكونغرس الاميركي هي التي تتبنى الدعوة الى ازالة معاناة البوسنيين.
وأشار العاهل الاردني الى انه دعا المسؤولين العراقيين الى "عدم الجري وراء سراب المبادرة الروسية" لفك حصار العراق، "لأن الموقف الروسي لا يمكن المراهنة عليه. وتأكد ذلك بعدما قايض الروس موقفهم من العراق بموقف الولايات المتحدة من حربهم ضد الشيشان".
ولم يكن المسؤول العراقي الكبير الذي قابل الملك حسين قبل شهر تقريباً في طريقه الى موسكو حاملاً رسالة الى الكرملين سوى الفريق المجيد نفسه.
وذكر الملك حسين في حديث نشرته صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية، انه قابل المجيد يومذاك، وأدرك مدى صعوبة الاوضاع في العراق. واضاف ان ما قاله له المجيد "كان متناقضاً تماماً مع اقوال سمعتها من مسؤولين عراقيين آخرين زاروا عمان، وحرصوا على خلق الانطباع بأن الاوضاع في بلادهم عادية جداً".
وتابع العاهل الاردني: "اجريت مع المجيد محادثات مسهبة اكدت خلالها مرات عديدة على العهد الجديد للسلام في منطقتنا. ويبدو ان الاقوال التي سمعها مني صدمته، واعتقد انه فكر طويلاً فيما سمعه مني".
بعد نحو شهر من لقائهما تجدد اللقاء بين الرجلين، غير انه كان مختلفاً تماماً هذه المرة اذ طلب الفريق المجيد منحه اللجوء السياسي الى الاردن، فأجابه الملك حسين طلبه من دون ابطاء. ومع ان ذلك حدث في 8 آب اغسطس الجاري، فهو لم يعلن رسمياً الا بعد يومين. وفي 12 آب سمح للفريق المجيد بعقد مؤتمر صحافي شرح فيه اسباب مغادرته العراق، ولجوئه الى الاردن.
اثار انعقاد المؤتمر الصحافي تساؤلات اردنية عدة، اهمها:
- لماذا عقد المؤتمر الصحافي في الديوان الملكي، فيما يقيم المجيد في فيلا تقع في احدى ضواحي عمان؟
- لماذا بُثّ المؤتمر الصحافي حياً على الهواء مباشرة؟ ولماذا اعيد بثه مرتين؟
- لماذا تولى الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية تقديم الفريق المجيد الى الصحافيين؟
وبعدما اعلن المجيد خلال مؤتمره الصحافي عزمه العمل على اسقاط نظام الرئيس صدام حسين برز تساؤل اكبر في اذهان الاردنيين: هل يعني ذلك ان الاردن يتبنى دعوة المجيد الى اسقاط الحكم العراقي؟ وهل ثمة مغزى لأن يعلن عن ذلك في الاردن؟
وقد تلافى رئيس الوزراء الاردني الشريف زيد بن شاكر في اليوم التالي الاجابة عن اسئلة اعضاء مجلس النواب في شأن مغزى عقد المؤتمر الصحافي في الديوان الملكي، وظهور الناطق الرسمي الاردني الى جانب الفريق المجيد. غير انه اعلن بوجه قاطع ان الاردن لن يكون جزءاً في حملة الفريق المجيد ضد الحكم العراقي، ولن يسمح له بتسريب اسرار العراق العسكرية انطلاقاً من الاردن.
وواكبت ذلك انباء عن حشود عسكرية عراقية على الحدود مع الاردن. ومع ان مسؤولين في البلدين نفوها، الا ان الاردن وضع قواته في حال تأهب استعداداً لأي طارئ.
وأبلغ مسؤول اردني رفيع المستوى "الوسط" بأن الفريق المجيد رسم "صورة مرعبة" لما يحدث في العراق حالياً. وقال ان المجيد ذكر "ان السجناء في العراق ينامون وقوفاً بعدما فاضت بهم السجون، وان الاندية الرياضية، وحتى اللجنة الاولمبية العراقية، حولت سجوناً لاستيعاب المعتقلين".
ونسب المسؤول الاردني الى المجيد قوله انه سمع عدي، نجل الرئيس العراقي، يقول لحراسه انه لن يسمح لأحد بزعزعة حكم ابيه "حتى اذا بقي في العراق خمسة ملايين نسمة فحسب" يبلغ عدد سكان العراق 18 مليوناً.
وتتولى قوة من الحرس الملكي الاردني حماية الفريق المجيد، وشقيقه العقيد صدام، وزوجتيهما رغد ورنا ابنتي الرئيس صدام حسين، ومرافقيهم.
اخطاء القيادة العراقية
وعلى رغم محاولة رئيس وزراء الاردن الايحاء بأن العلاقات الاردنية - العراقية لم تشبها شائبة، وان التساؤل بقي ملحاً اثر تصريحات الملك حسين مع الصحيفة الاسرائيلية: هل يعمل الاردن على اطاحة صدام حسين؟ ولماذا؟ ولاحظ المراقبون، في هذا الجانب، ان العاهل الاردني انتقد "اخطاء القيادة العراقية"، وأشاد بالفريق المجيد، ووصفه بأنه "وطني". ورأى "ان وقت التغيير حان". ورجحوا، في سياق بحثهم عن اجابة، ان ثمة مؤشرات توافرت للملك حسين بأن تغيير نظام الحكم في بغداد بات وشيكاً.
واعرب سياسي بارز في عمان، في حديث الى "الوسط"، عن اعتقاده ان العاهل الاردني يدرك ان اي نظام يخلف النظام الحالي في بغداد "سيناصب الاردن العداء بسبب موقف الاخير تجاه حرب الخليج الثانية". واضاف ان المسؤولين في الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها، وفي الاردن ودول الخليج العربي، يدركون ان "الحسنة الوحيدة لصدام حسين انه استطاع طوال سنوات الحصار الحفاظ على وحدة اراضي العراق". وتابع ان اولئك المسؤولين يدركون ايضاً ان اخطاراً ايرانية وتركية وكردية تهدد وحدة العراق، وانه قد يتفتت دويلات اذا اندلعت ثورة ضد الحكم الحالي، فتنشأ دويلة شيعية في الجنوب تضاعف التهديد الايراني للمنطقة، ودويلة كردية في الشمال. وخلص السياسي الاردني، الذي طلب عدم ذكر اسمه، الى ان المطلوب اذن "تغيير مع المحافظة على وحدة العراق وانسجامه مع الدول العربية من جهة، ومع مسيرة السلام من الجهة الاخرى". واضاف ان المطلوب - بعبارة أدق - تغيير "يأتي برئيس سنّي قادر على تطبيق الاصلاحات السياسية المنشودة". فهل سيكون حسين كامل حسن المجيد هو الرئيس المطلوب؟
وهو تحليل يجمع على ترجيحه مراقبون وسياسيون كثر في العاصمة الاردنية. وهو يثير، بالطبع، سؤالاً مهماً آخر: هل يكون الفريق المجيد البديل الجديد المطلوب؟
يقول محلل اردني "ان المجيد استنفد حتى الآن 90 في المئة من مهمته، اذ، هزّ خروجه اركان النظام العراقي، وأكد بقاء الحصار على العراق، وأكد ايضاً ان اي تغيير للنظام العراقي يجب ان يأتي من الداخل، وان استمرار الحصار يزيد فرص تفجر انتفاضة شعبية".
ورأى السياسي الاردني في حديثه الى "الوسط" ان الفريق المجيد فقد وزنه بعد خروجه من بغداد "اذ لم يعد هناك جيش بامرته، وليس له سند شعبي، لذلك هو اقرب الى الهر منه الى الجواد في عملية التغيير".
واضاف: "عندما تنتهي "مدة صلاحية" صدام حسين سيكون الفريق المجيد ضمن المتهمين معه، لأنه شارك في برنامج التسلح الكيماوي وغزو الكويت". وخلص الى ان التغيير في العراق اضحى مؤكداً "لكنه ليس وشيكاً" كما يتصور كثيرون.
اغلاق النافذة الأردنية
هل اغلق فرار الفريق الأول الركن حسين كامل حسن النافذة الأردنية أمام نظام الرئيس صدام حسين بحيث لم يبق غير انتظار موعد التغيير في بغداد؟ هذا هو السؤال الكبير الذي شغل العواصم القريبة والبعيدة، بعدما بدا واضحاً أن الأردن انتقل من مرحلة انتظار تجاوب العراق الكامل مع القرارات الدولية، وانتظار رد الأمم المتحدة على هذا التجاوب، إلى مرحلة انتظار التغيير في بغداد والمشاركة في صنعه أو تسهيل حصوله.
لكن ماذا يعني اغلاق النافذة الأردنية؟ للاجابة على ذلك تنبغي الاشارة إلى أن الموقف الأردني الجديد يشكل تحولاً كبيراً في العلاقة بين عمان وبغداد، وهي علاقة كادت تصل في بعض المراحل إلى حدود التحالف الكامل، فعندما اندلعت الحرب العراقية - الإيرانية في أيلول سبتمبر 1980 نظر الأردن إلى هذا النزاع من زاوية الأخطار التي يمكن أن تترتب على إنهيار السد العراقي أمام المد الذي اطلقه التغيير الذي قاده الخميني في إيران. وخلال تطورات ذلك النزاع، خصوصاً بعد انتقاله إلى داخل الأراضي العراقية، وقف الملك حسين بصلابة إلى جانب المدافعين عن "البوابة الشرقية" للعالم العربي، ولم يتردد في مرافقة الرئيس العراقي إلى خطوط الجبهة لتفقد القوات والاطلاع ميدانياً على مجريات الحرب. وكانت للموقف الأردني اعتبارات كثيرة، بينها العلاقة الإيرانية - السورية، والحسابات الفلسطينية، والتوازنات العربية برمتها. وفي تلك المرحلة لعب العاهل الأردني دوراً بارزاً في اختراق الحصار الذي كان مضروباً حول مصر، منذ توقيعها اتفاقي كامب ديفيد. وسهل عودة العلاقات العراقية - المصرية، وهي سبقت بسنوات عودة العلاقات الديبلوماسية.
وفي إطار الحقائق الجغرافية ولعبة التوازنات المعقدة، شارك الأردن في "مجلس التعاون العربي"، الذي ضم أيضاً العراق ومصر واليمن الشمالي. واتضح لاحقاً أن بغداد شاءته جسراً للمطالبة بموقع الزعامة في العالم العربي، أو بحجم سياسي فيه يوازي "انتصارها" العسكري على طهران. لكن الغزو العراقي للكويت، وما تبعه، نسف ملامح الصورة السابقة فبدأت مناخات القطيعة من جهة، وانطلقت عملية مدريد للسلام في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
رب ضارة نافعة
دفع الأردن ثمن علاقاته القوية مع بغداد وفاق حجم خسائره بعد غزو الكويت المكاسب التي جناها بحكم موقعه ابان النزاع العراقي - الإيراني. وبدا الأردن مهدداً بما يشبه العزلة لولا الشعور الأميركي والغربي بالحاجة إلى دوره واستقراره في أي سلام في المنطقة وحمت هذه "الوظيفة" الكيان الأردني من تشديد القيود عليه أو تهديد استقراره.
وإذا كانت قراءة اتجاهات الريح، ومعها اختيار التوقيت الملائم، من أبرز عناصر نجاح القرار، فإن المراقبين يرون أن العاهل الأردني أظهر مقدرة في هذا السياق. ففي عملية مدريد رفض الأردن ان يكون صاحب التوقيع الأول قبل الفلسطينيين، كي لا يتهم بالتفريط. ورفض أن يكون صاحب التوقيع الأخير، كي لا ترسم أحجام الأدوار على حساب حجم دوره. ولعل العاهل الأردني أجرى الحسابات نفسها في ما يتعلق بالعراق.
وفي الآونة الأخيرة سعى الملك حسين إلى اقناع القيادة العراقية بالعودة إلى الأسرة الدولية عن طريق التطبيق الكامل لمقررات مجلس الأمن الدولي، وإلى الشرق الأوسط الجديد عن طريق الاستعداد لتبني اللغة الجديدة التي أفرزتها عملية مدريد. وربما كانت نداءات العاهل الأردني لتخفيف آلام شعب العراق موجهة إلى الفريقين: إلى بغداد، لتقوم بما يجب عليها، وإلى العواصم المعنية بالحظر، لتساعد العراق على التقدم في اتجاه الوفاء بكامل الشروط المطلوبة. وفي غياب قيادة عراقية قادرة على المراجعة، وإلتقاط الاشارات، راح الموقف الأردني يتطور باتجاه تأييد التغيير في العراق، خصوصاً بعدما حاولت بغداد، ومن دون نجاح، سلوك طريق واشنطن من دون المرور في المعبر الأردني.
كان من الصعب على الأردن أن يتعاطف مع مشروع تغيير لا يعثر فيه على الضمانات الكافية. وكان من الصعب عليه تأييد اسقاط الرئيس العراقي دون توفير بديل يضمن وحدة العراق واستقراره. وعند نقطة التغيير من داخل المؤسسة العراقية، ودون المخاطرة بانفجار العراق إلى ثلاث دول، يلتقي الموقف الأردني مع الموقف الأميركي والغربي وهو موقف وجد تعاطفاً لدى دول الخليج التي لا مصلحة لها في تغيير يفجر العراق إلى دويلات مذهبية، أو يجعل طهران شريكة في القرار الخاص ببغداد. وكان من الصعب أيضاً على الأردن اغلاق النافذة في وجه النظام العراقي من دون التأكد سلفاً من المظلة الأمنية التي سارعت واشنطن إلى تأكيد وجودها.
لهذا بدت قصة فرار الفريق المجيد أبعد من الرجل، والملفات التي حملها معه. فابتداء من وصوله إلى الأردن صار لا بد من مراقبة التغيير في العراق من عمان، في حين تنتظر فصائل المعارضة الأخرى، في طهران أو دمشق. خصوصاً أن فرار حسين كامل جاء بعد القتال بين الأكراد والتبادل المرير للاتهامات بين أطراف المعارضة العراقية. ومع انتقاله إلى موقع بارز في ملف التغيير في العراق يستكمل الأردن رسم ملامح دوره الاقليمي الجديد، بعدما رسم الشق الأول من هذا الدور باقامة "سلام دافئ" مع اسرائيل.
الاستعداد للهروب الكبير
وبعيداً عن النافذة الاردنية تنفتح كل يوم كوة لتتسرب منها معلومات تحاول ان تفسر خفايا وملابسات فرار الفريق المجيد، وأسرار خلافاته مع والد زوجته وأخيها. وتجمع الروايات كافة على ان الفرار لم يكن وليد لحظته، أو انه كان قراراً أملاه رد فعل عنيف لخلاف مفاجئ بين الرئيس وصهره.
وتتحدث معلومات حصلت عليها "الوسط" من مصادر أردنية وأميركية وبريطانية، عن "عملية تحضير هادئة وطويلة وراء الكواليس، أحيطت بنطاق من السرية الشديدة"، مهدت للانشقاق.
وربما لا يزال سابقاً لأوانه تحديد الحجم النهائي للضرر الذي سيلحق بالنظام العراقي، أو التكهن بالمحصلة الكاملة للآثار السلبية التي ستترتب عن خطوة الفريق المجيد. ولا شك في ان أولها الضرر المعنوي الذي أصاب صدام شخصياً نتيجة صلة القربى المباشرة التي تربطه بالمجموعة المنشقة، خصوصاً ابنتيه رغد ورنا، ففي مجتمع تقليدي كالمجتمع العراقي، حيث تلعب صلات الرحم والعلاقات العشائرية دوراً أساسياً في تحديد المواقع والمواقف، يبدو ان الرئيس العراقي نفسه سيتعرض على الاثر للكثير من "الانتقاص المعنوي" في نظر الناس، نتيجة خروج بعض أقرب المقربين اليه على طاعته. ولعل ذلك يفسر مسارعة أجهزة الاعلام العراقية الرسمية الى التغطية بالقول ان ابنتي صدام حسين خرجتا من بغداد "رغماً عن ارادتهما وتحت تأثير مخدرات دست لهما من قبل زوجيهما".
وبمعزل عن الأذى الشخصي والعائلي الذي تعرض له صدام نتيجة هذا الانشقاق، يبدو ان الأكثر أهمية من ذلك مدى الضرر الذي يمكن ان يلحق بالنظام على الصعيدين الأمني والعسكري، وبدرجة أقل على الصعيد المالي الخارجي، من جراء المعلومات والأسرار التي يعرفها المجيد بحكم موقعه السابق في بغداد، وتخشى بغداد ان ينقلها الى الأطراف الاقليمية والدولية المعادية لصدام ونظامه.
ان محور الاهتمام الأول بفرار الفريق المجيد ينصب أساساً على الملفات العسكرية والصناعية التي وعد بتقديمها عن الأوضاع داخل العراق، خصوصاً في أعقاب حرب الخليج، الى جانب معلومات عن البنية الأمنية التي يقوم عليها النظام حالياً. وفي المعلومات ان ذلك ربما كان الثمن الذي حصل الفريق المجيد مقابله على الأمان المنشود في المنفى.
وذكرت المصادر ان المجيد بدأ التفكير جدياً في اللجوء الى الخارج العام 1993، بعدما أصدر الرئيس العراقي قراراً باعفائه من جميع مناصبه، بحجة التقصير في تنفيذ برامج اعادة بناء المنشآت الصناعية العراقية التي دمرت ابان حرب الخليج، لا سيما في قطاع التصنيع الحربي. وتضمنت تلك الخطوة غير المتوقعة مصادرة ممتلكات المجيد ووضعه قيد الاقامة الجبرية. وذكر ان المجيد كان بدأ "يتململ" من تدخل الرئيس العراقي في كل عمل له علاقة بالمجالات التي كلف المجيد الاشراف عليها.
ولفتت مصادر الى صعود نجم عدي صدام حسين في تلك الفترة بمباركة مباشرة من والده. فيما ذكرت مصادر اخرى ان الخلاف لم يكن يتعدى التنافس بين المجيد وعدي على المكاسب التجارية والمالية، خصوصاً ان العراق كان بحاجة شديدة الى اعادة تنشيط شبكة علاقاته الخارجية السرية لتزويده ما يحتاج اليه من المواد الصناعية المطلوبة لاعادة تشغيل قاعدته الانتاجية. واذا كانت تلك المجالات حكراً للفريق المجيد، بحكم منصبه وزيراً للصناعة والمعادن ورئيساً لهيئة الانتاج الحربي، فالواضح ان عدي بدأ يمد نفوذه اليها ليعمل على السيطرة عليها.
ومهما كانت الأسباب وراء ابعاد المجيد في تلك المرحلة، فإن الرسالة كانت واضحة بالنسبة الى مستقبله في النظام. وعلى رغم ان صدام عدل عن قراره بعد حوالي شهرين، وأعاده الى مواقعه السابقة، لتتأجل خططه الخاصة باللجوء الى الخارج، فإن حقيقة الموقف ظلت على حالها: ان أي تنافس محتمل بينه وبين عدي ستحسم نتيجته لمصلحة الأخير، وانه لن تكون هناك أي ضمانة لاستمرار نفوذه، أو بقائه ركناً من أركان النظام مستقبلاً.
وجاءت التطورات المتلاحقة التي شهدها النظام خلال العامين الماضيين لترسِّخ مخاوف الفريق المجيد، اذ كان واضحاً ان عدي كان يمهد فعلياً لازالة جميع المنافسين المحتملين من طريقه، سواء عن طريق الإبعاد أو التصفية. وكانت الأمثلة على هذا التوجه عدة، فمن اقصاء علي حسن المجيد من وزارة الدفاع، الى وطبان ابراهيم الحسن التكريتي، أحد أخوة صدام غير الأشقاء، الذي أقصي من وزارة الداخلية، وأفول نجم أخ آخر غير شقيق لصدام، هو برزان ابراهيم الحسن، الذي فضّل البقاء في جنيف. وأضحى عدّي المرشح الأوحد لادارة شؤون البلاد الى جانب والده ومن بعده.
عملية جس النبض
ازاء ذلك بدأ الفريق المجيد في وقت سابق من العام الحالي اتصالات هادئة على حدّ تعبير المصادر لجس نبض اطراف اقليمية ودولية معينة، والتحقق من امكان قبولها فكرة انشقاقه. وكان الأردن في هذا المجال، بمثابة الوسيط بينه وبين الولايات المتحدة، التي ردت بالايجاب على الفكرة، خصوصاً انها لمست "الفائدة الكبرى"، حسب المصادر التي ستترتب على خروج من يحمل أسرار النظام الأمنية والعسكرية والصناعية، لا سيما في وقت كانت المفاوضات بين الأمم المتحدة وبغداد، في شأن برامج التسلح العراقية، تراوح مكانها، من دون ما يشير الى ان القيادة العراقية تنوي الكشف جدياً عن خططها وممتلكاتها وقدراتها في هذا المجال.
ويعتقد ان القشة التي قصمت ظهر المجيد ربما تمثلت في وضع عدي يده قبل أسابيع على شؤون اعادة اصلاح المعدات العسكرية العراقية وتأهيلها، وكان ذلك يعني عملياً ابعاد وزير الصناعة ورئيس هيئة التصنيع العسكري من دون الاعلان عن ذلك. عندئذ قرر صهر الرئيس المضي في تنفيذ خطوته قبل ان يلاقي المصير نفسه الذي لقيه من قبله جميع من اعتبرهم عدي "عوائق قد تحول دون سيطرته الكاملة على مقاليد الأمور في بغداد".
طبيعة الصفقة
واثر وصول الفريق المجيد وحاشيته الى الأردن، كان طبيعياً ان تتركز التساؤلات على جانبين أساسيين، هما: الملفات التي يفترض ان تكون في حوزة المجيد وشقيقه المقدم صدام كامل في شأن الوضع الحالي داخل العراق ونظامه، وطبيعة الصفقة التي يحتمل ان تكون وراء لجوئه، خصوصاً فيما يتعلق بالولايات المتحدة. وقالت مصادر لپ"الوسط" ان قرار عمان منح اللجوء السياسي للفريق المجيد ومرافقيه، مع تشديدها على "الطابع الانساني والأخلاقي" لقرارها، وعدم رغبتها في تحويل الأردن قاعدة للعمل ضد بغداد، يعنيان ان المجيد لن يستقر في عمان، بل ان وجوده هناك لن يكون سوى مرحلة تسبق توجهه الى عاصمة أخرى، قد تكون عربية أو دولية. لكن ذلك أيضاً سينتظر أولاً تبلور طبيعة العلاقة التي سيقيمها المجيد مع التنظيمات العراقية الأخرى المعارضة للنظام، والعلاقة بينه وبين الأميركيين الذين تهمهم حالياً، في المقام الأول، المعلومات التي يحملها معه المجيد في شأن برامج العراق التسليحية، وتلك التي يحتفظ بها شقيقه المقدم صدام عن بنية الأمن الخاص المحيط بالرئيس العراقي ونجله عدي.
ويفسر ذلك رد الفعل العراقي الرسمي على هروب الفريق المجيد، ومسارعة بغداد الى اتهامه بأنه كان وراء اخفاء المعلومات عن فرق مفتشي الأسلحة الدوليين.
لكن هذه المسارعة من قبل بغداد الى "محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه" لن تكون كافية، بنظر المراقبين للحيلولة دون وقوع الضرر الكبير الذي سيحدثه كشف المجيد عن الأسرار التي كانت القيادة العراقية تحاول جاهدة اخفاءها. بل ان مصادر في واشنطن ولندن وعمّان تتحدث عن ان الولايات المتحدة "باتت تملك فعلياً كل المعلومات التي تريدها، وانها ستنقلها الى الأمم المتحدة" وتقول ان مبادرة واشنطن للاعلان عن استعدادها للدفاع عن الأردن في حال تعرضه لأي اعتداء عراقي تمثل "غطاءاً استراتيجياً" لما يجري حالياً على صعيد كشف الأسرار العراقية، وهي، كما تقول المصادر، "دليل على جدية الادارة الأميركية والأهمية القصوى التي تعلقها على لجوء الفريق المجيد والانعكاسات السلبية التي سيخلفها على النظام في بغداد".
ومع ان المناورات العسكرية المشتركة التي تجرى حالياً في الأردن بين قواته المسلحة وقوات أميركية قوامها ثلاثة آلاف من مشاة البحرية كانت مقررة منذ فترة طويلة، فإن مراقبي الشؤون العراقية في واشنطن لم يقللوا من أهمية التزامن بين المناورات والأحداث الأخيرة في بغداد وعمّان. وأشاروا في الوقت نفسه الى ان قرار واشنطن ارسال حاملة الطائرات "ثيودور روزفلت" الى شرق البحر الأبيض المتوسط "لم يأت مصادفة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.