في مهرجان "كان" 1993، فازت الاميركية هولي هانتر بالسعفة الذهبية كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم "البيانو" الذي فاز هو الآخر بالسعفة الذهبية كأفضل عمل سينمائي. وفي مهرجان الاوسكار الذي أقيم في آذار مارس الماضي، حصلت هانتر على جائزة افضل ممثلة عن الدور نفسه. وعلى الرغم من انها شاركت في افلام عدة لكبار المخرجين العالميين في هوليوود كستيفن سبيلبرغ والاخوين كوين، فان سينمائية نيوزيلندية تدعى جين كامبيون التي قامت باخراج فيلم البيانو هي التي وضعتها على لائحة افضل نجوم السينما الغربية. هولي هانتر زارت اخيراً باريس حيث التقتها "الوسط" وأجرت معها الحوار الآتي: قمت بدور المرأة الخرساء في فيلم "البيانو" ألم يكن من الصعب عليك الامتناع عن الكلام وعن الضحك في آن طوال الفيلم؟ - كان الامتناع عن الكلام أصعب من حكاية عدم الضحك او الابتسامة. انا كنت أرتدي ثياب القرن التاسع عشر المكوّنة من ثلاث تنانير الواحدة فوق الأخرى وقبعة ملفوفة حول رأسي تغطي الجزء الأكبر من وجهي. وصدقني لم أشعر بأي رغبة في الضحك لا في أثناء العمل ولا في نهاية النهار بعد التخلص من ثيابي التي ارتديتها اكثر من ثماني ساعات متواصلة. كنت أرغب في الكلام وأيضاً في الصراخ في كثير من الاحيان بسبب ثيابي الأشبه في رأيي بآلات للتعذيب أكثر مما كانت تتفق مع ذوقي في الموضة. كيف كانت المرأة تتحمل هذه الثياب في الزمن الماضي اذاً؟ - لا أعرف. وما أعرفه هو إني شخصياً أميركية معاصرة غير معتادة هذه القيود. إن ارتداء الزي المناسب للدور ساعدني في فهم أبعاد شخصيتي السينمائية وهي امرأة قوية العزيمة تتحمل مشقات الحياة وتعرف ماذا تريد. لا عجب في ان تستطيع امرأة ما تحمل مصاعب الحياة اذا تحملت ارتداء مثل هذه الثياب في كل يوم. انا أدركت فوراً من أين أتت الشجاعة وقوة العزيمة: من الزي... أنت تؤدين شخصية امرأة متحررة نسبياً تجاه امور الحياة والحب. هل كانت المرأة في القرن التاسع عشر تتصرف بهذا الشكل في نيوزيلاندا؟ - إن مخرجة الفيلم جين كامبيون معروفة بآرائها المتحررة ودفاعها عن قضايا المرأة، فهي كتبت سيناريو فيلمها حول شخصية نسائية متحررة في عقلها وإن عاشت في زمن لم تكن فيه المرأة تتمتع بحقوقها كاملة. انا اعتقد ان حكايات الحب كانت تحدث ايام زمان مثلما تحدث الآن والفارق الأساسي يكمن في طريقة معايشة الاحداث. فما كان يدور بطريقة خفية في الماضي أصبح علنياً في أيامنا الحالية. هذا كل ما في الأمر. ان بطلة "البيانو" متزوجة طبقاً لتقاليد عصرها اي انها لم تعرف زوجها او حتى ترى صورته قبل يوم زواجها منه. وهي تعيش حكاية حب مع رجل آخر ما يسبب ثورة الزوج، وتنشب الدراما العنيفة بين الشخصيات الثلاث أمام نظر الطفلة الصغيرة ابنة المرأة من زواج أول. وحتى فكرة تزوج هذه المرأة اكثر من مرة واحدة هي فكرة متحررة بالنسبة الى القرن التاسع عشر. انها نظرة جين كامبيون الى الأمور وأنا أعجبت بها وسررت جداً بالعمل في الفيلم الذي جسد احلامي. هكذا تم الاختيار كيف تم اختيارك للدور؟ - لم تفكر جين كامبيون في منحي الدور أبداً في بداية الأمر. انها كانت تتخيل بطلتها طويلة القامة وجافة الملامح وهذا ليس حالي. وأنا أبدو جافة الملامح في الفيلم بفضل الماكياج لكن المخرجة في أول الأمر كانت ترغب في تعيين ممثلة تتفق مع نظرتها هي للشخصية دون تدخيل عنصر الماكياج او أي حيلة ما في المسألة. وراحت جين تفتش عن ممثلة مناسبة في هوليوود وفرنسا وأوستراليا، وكنت أنا سمعت عن المشروع وقرأت السيناريو بواسطة وكيلة اعمالي. وقعت في "غرام" الدور وبذلت كل جهدي لألتقي جين كامبيون واقنعها بقدرتي على أداء الشخصية لكن بلا فائدة. وكل ما توصلت اليه كان امكانية تسجيل مشهد فوق شريط من نوع الفيديو وإرساله الى جين كامبيون. فعلت ذلك وأضفت الى الشريط هذا شريطاً ثانياً سجلت فوقه مقطوعة عزفتها بنفسي فوق البيانو. فأنا أجيد العزف على البيانو وحسب ما كنت قرأته في السيناريو كانت بطلة القصة تمارس هذا النشاط بمهارة فائقة. هل ساعدك هذا العنصر في الفوز بالدور؟ - نعم بلا شك فهو قدم الدليل الى جين كامبيون على اني قرأت السيناريو بتمعن وفهمت أبعاد شخصية البطلة. لكن عنصر العزف لم يحدد وحده مصيري بالنسبة الى الدور، انه فتح شهية المخرجة على التقائي خاصة انها كانت شهدت أيضاً اللقطة التي سجلتها فوق شريط الفيدو كإثبات لطاقتي التمثيلية. التقيت جين وأجريت اختبارات عدة على الدور وفزت به في النهاية. ان الشيء الأول الذي أثار تردد جين في أول الأمر، كان حرصي على اجراء الماكياج والاعتناء بمظهري كلما التقيتها. لذا كانت تهمس لي في مناسبات عدة: "ألا يضايقك ان تكون بطلة الحكاية جافة من ناحية ملامحها؟ فالدور هذا لن يبرز جمال او مفاتن الممثلة التي سوف تؤديه". كانت جين تنصب فخها بذكاء كبير، ولو كنت أبديت ادنى مضايقة من هذا الجانب لفاتني الدور بكل تأكيد. وكنت أرد عليها بالذكاء نفسه: "أنا امارس مهنة التمثيل لأتنكر وأغير في ملامحي وليس لأبدو كما أنا في الحياة اليومية". لقد صدقتني تضحك. ألم تصدقي القول في ذلك الحين؟ - كنت صادقة الى حد ما. أنا لا أرفض التنكر والتضحية بما هو ايجابي في شكلي الخارجي، لكن قسوة ملامح بطلة "البيانو" كانت تزعجني بعض الشيء، وهذا ما لم أبح به ابداً. معاناة كامبيون هل دار التصوير في ظروف جيدة؟ - أعتقد ان فترة ما قبل التصوير هي التي كانت الاكثر صعوبة بالنسبة الى جين كامبيون. انها عانت للعثور على الامكانات المادية اللازمة لانتاج الفيلم، ثم راحت تبحث عن اماكن طبيعية في نيوزيلاندا من اجل التصوير، واستغرقت العملية شهوراً طويلة، كما ان اختيار الممثلين وبينهم الطفلة التي تؤدي دور ابنتي الصغيرة، لم يكن من الأشياء السهلة. اما التصوير في حد ذاته فلم يشكل صعوبة محددة. لقد كان الجو المهني ممتازاً بفضل جدية المخرجة ومعرفتها القوية لأدق التفاصيل المطلوبة في عمل الممثلين والتقنيين. ثم ان العمل مع ممثل كبير مثل هارفي كيتل يؤدي دور الحبيب في الفيلم هو شيء يدفع بأي فنانة الى الأمام. انه ساندني بقوته الفنية وبالتالي ساهم في حسن أدائي دوري. الرد التقليدي أنت عملت مع مخرجين مرموقين فما هي أحلى تجربة تتذكرينها الآن على الصعيد المهني؟ آخر تجربة عشتها هي من دون شك احلى تجربة على الاطلاق. وهي تحت ادارة السينمائي سيدني بولاك في فيلم عنوانه "فيرم". انا مثلت في هذا الفيلم عقب "البيانو" مباشرة. ولو كنت سألتني السؤال نفسه بعد انتهائي من "البيانو" كنت أجبت قائلة ان آخر تجربة عشتها هي الأحلى. فهذا هو الرد التقليدي على سؤالك وهو يناسب ما اعتقده وأشعر به في الحقيقة. هل يعني كلامك ان ذاكرتك تتوقف عند آخر عمل تؤدينه وتنسي ما قبله؟ - نوعاً ما. وعلى الأقل طوال فترة محددة تعود من بعدها الذكريات القديمة الى الظهور. ان تجربة التمثيل قوية بخاصة لو تدور في ظروف حسنة ومع مخرج يجيد ادارة ممثليه. وهذه القوة تعطي الى العمل أهمية بالغة تطغى على ما سبقه. وسيدني بولاك من احسن المخرجين العالميين، وأنا كنت أعرف ذلك قبل التعامل معه لكني تأكدت من الأمر حينما مثلت تحت ادارته. أحتفظ بذكريات جيدة عن عملي مع جيمس بروكس في فيلم "برودكاست نيوز". ودوري في هذا العمل جلب اليّ الترشيح في مسابقة جوائز "أوسكار" كأحسن ممثلة. ثم هناك ستيفن سبيلبرغ الذي منحني بطولة "ألوايز"، وهو ايضاً رجل مهم وجذّاب مهنياً وإنسانياً. ماذا عن المسرح، فأنت صاحبة فرقة أليس كذلك؟ - أنا أسست فرقتي الخاصة منذ ثلاثة اعوام تحت اسم "ميت ثياتر". والواقع اني آتية من عالم المسرح في الأساس فأنا أتمتع بخبرة مسرحية طويلة وعملت ثمانية أعوام فوق الخشبة قبل ان تكتشفني السينما. المسرح مدرسة فنية قوية تعطي الممثل التعليم الذي يحتاجه على صعيد الأداء من ناحية وأيضاً من حيث التواضع. ان الجمهور يحكم على الممثل المسرحي على الفور وإذا أخطأ الفنان فلن تنقذه نجوميته. العمل وحده ينقذ الممثل فوق المسرح. أقصد التدريب الشاق والخبرة المكتسبة والمجاذفة المستمرة بكل شيء. ان الذي يفهم كل ذلك يواجه السينما بطريقة خاصة تختلف عن طريقة ذلك الذي لا يعرف الا العمل أمام الكاميرا. انا كنت معروفة قبل "البيانو" ولم أتردد في السعي وراء الدور والخضوع لكل الاختبارات اللازمة حالي حال اي مبتدئة. هذا التواضع يأتي من الخبرة في مجال المسرح. وللكلام عن فرقتي فأنا أسستها كي أتمتع بحرية تقديم العروض التي تجذبني وبترويج المؤلفين الذين يثيرون انتباهي ويمسون حساسيتي عن قرب. انها حرية تنقصني على صعيد العمل كممثلة في خدمة الغير.