أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    أمير جازان.. رؤية تلامس الواقع وإنسانية تحاكي القلوب    الرياض تستضيف الطاولة المستديرة السعودية – السورية    تحت رعاية خادم الحرمين.. الهيئة العامة للصناعات العسكرية تُنظّم معرض الدفاع العالمي    السياحة في السعودية بين عبق التاريخ ودهشة الطبيعة    أمير نجران يتابع استعدادات العام الدراسي    الشؤون الإسلامية تنفذ أكثر من 2,9 مليون منشط توعوي وإرشادي    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يطلقون "تعلّم بصحة" بالتزامن مع العودة للدراسة    تعليم جازان ينظم لقاءً افتراضيًا لمديري ومديرات المدارس استعدادًا للعام الدراسي الجديد    شهر للغة العربية في أذربيجان    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس سيراليون    أكاديمية الإعلام السعودية بوزارة الإعلام تعلن انطلاقة أولى مراحل مسار "قادة الإعلام" في سويسرا    جمعية التكافل وشركة نهضة التنمية تبحثان عن سبل التعاون المشترك    جمعية عين تختتم مشروع عمليات اعتلال الشبكية بدعم من "غروس" وشراكة مع مركز بن رشد للعيون    أمير حائل يستقبل مدير مكافحة المخدرات المعين حديثًا بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير سجون المنطقة الشرقية بمناسبة تعيينه    يايسله: هذا موسم الحصاد في الأهلي    الأحوال المدنية تطلق الإصدار الجديد من شهادتي الميلاد والوفاة    تراجع سوق الأسهم السعودية 11 نقطة بضغط من 4 قطاعات قيادية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ مبادرة استشر طبيبك لمنسوبيها    هجمات روسية تستهدف عدة مدن أوكرانية    نصف مليون فلسطيني في غزة على شفا المجاعة    الفريق الفرنسي "Karmine Corp" يحصد لقب "Rocket League" في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    ميسي يعود لإنتر ميامي بهدف وتمريرة حاسمة    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.. الدعم السريع يقتل 31 مدنياً بقصف على الفاشر    الجيش يؤكد عدم اخترق أجواء سوريا.. وعون: لا تدخل في شؤون لبنان    الشرع: وحدة سوريا فوق كل اعتبار    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    السعودية تستقبل وفدا سوريا استثماريا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر «مسؤولية الجامعات» يعزز القيم والوعي الفكري    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    100 مليون ريال مبيعات تمور    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    إطلاق دليل لتحفيز الاستثمار في القطاع الجوي    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    استعراض إحصائيات ميدان سباقات الخيل بنجران أمام جلوي بن عبدالعزيز    قنصلية السودان بليبيا تطلق مبادرة العودة الطوعية    «إثراء» يدعم المواهب ويعلن المسرحيات الفائزة    مُحافظ الطائف يطلع على تقرير برنامج المدن الصحية    جامعة جدة تستعد لإطلاق ملتقى الموهبة للتعليم الجامعي    المملكة.. وقوف دائم مع الشعوب    أمانة الرياض تكثّف رقابتها على المقاهي ومنتجات التبغ وتغلق منشأتين    زرع الاتكالية    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    فيضانات باكستان غضب شعبي وتحرك حكومي    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    علماء كوريون يطورون علاجًا نانويًا مبتكرًا لسرطان الرئة يستهدف الخلايا السرطانية    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساراييفو بعد الانذار الاطلسي . حماية دولية وحلول سياسية ومخاوف من "الأمر الواقع"
نشر في الحياة يوم 28 - 02 - 1994

قبل منتصف ليلة العشرين من شباط فبراير الماضي، موعد انتهاء مدة الانذار الأطلسي لسحب الأسلحة الثقيلة من مساحة قطرها 20 كلم حول ساراييفو، كان مراسلو الصحف ووكالات الانباء الأجنبية يتحركون في كل الاتجاهات لمعرفة ما اذا كانت الطائرات الأطلسية ستغير أم لا، على مرابض المدفعية الصربية. وكان هؤلاء يلحّون في أسئلتهم على المواطنين في شوارع المدينة المحاصرة، فينصحهم الأهالي بالخلود الى الراحة والنوم لأن الطائرات الحربية "لن تتعرض للصرب".
لماذا؟ كان جواب الأهالي واحداً "لأن الغرب يخشى من حرب عالمية ثالثة. فاذا ما ضُربَ الصرب سيرد الروس حماتهم وسينفجر البلقان ومعه العالم". وكان الشبان والشابات من مسلمي ساراييفو المجتمعين في المقاهي القليلة المفتوحة في المدينة في تلك الليلة يسيطر عليهم يأس قاتل، فهم يستفيدون عملياً من الهدوء الأمني، لكنهم لا يعرفون كيف سيكون مصيرهم بعد هذا الهدوء.
أهالي ساراييفو فقدوا ثقتهم بالغرب وبالعالم وربما بأنفسهم بعد سنتين من الموت اليومي وبعدما تعبت حناجرهم من صرخات الاستغاثة المتتالية. لذا لم يكونوا على ثقة من تنفيذ الغارات الجوية الموعودة ضد الصرب، هذه الغارات التي كانوا وما زالوا يتمنون وقوعها لتأديب خصم سجلّ كل أنواع الجرائم المعروفة في الحروب وابتكر بعضها شأن التغيير الاثني بواسطة الاغتصاب المنظم للنساء.
في مكان قريب من العاصمة، حتى التماس، كان صربيو البوسنة يستعدون للاحتفال بالمناسبة. هم أيضاً كانوا يعرفون ان الطائرات العسكرية الغربية لن تضربهم وأن "العاصفة" لن تهب عليهم فقد تدخلت روسيا حليفتهم للحؤول دون اللجوء الى القوة العسكرية ضدهم. ناهيك عن أنهم في دعايتهم السياسية كانوا يرددون على الدوام فرضية الحرب العالمية الثالثة. واذا كانوا يحتاجون بعد الى تطمينات اضافية فقد حملتها اليهم وسائل اعلامهم عشية الانذار، فقد أكد الجنرال روز قائد القوات الدولية في البوسنة انه سيكون في فراشه منتصف الليل ما يعني انه لن يكون قصف "ولا من يقصفون".
في باليه عاصمة صرب البوسنة المحاذية لساراييفو، قضى افراد الميليشيات الصربية ليلة احتفالية: تجمعوا حول موائد عامرة باللحوم المشوية وشربوا نخب الانتصار واطلقوا الاناشيد والاغاني الوطنية والتقليدية حتى الصباح. وكانت اصداء الأغاني تتردد في الوديان المؤدية الى العاصمة البوسنية. ولعل الصرب في تلك الليلة اختاروا نوعاً آخر من القصف ضد بوسنيي المدينة المحاصرة.
الهدوء القاتل
في الأيام التالية تكررت الظواهر نفسها: يأس وقنوط واحباط في ساراييفو وغناء واهازيج وصيحات انتصار في مرتفعاتها. حتى ان بعض المسنين في المدينة كانوا يفضلون استمرار الحرب على هذا الهدوء القاتل.
في هذا الوقت كان بوسنيون آخرون في توزلا وسريبرينتسا وبيهاك وغيرها من المدن المسلمة المحاصرة، يسقطون ضحايا القصف الصربي - أو الكرواتي العشوائي. هؤلاء... كان الهدوء الأمني بالنسبة اليهم ترفاً وحلماً أكثر من أي شيء آخر، لم يكن لديهم الوقت للتفكير بالمستقبل البعيد، كان المستقبل هنا يُقاس بالساعات وبالقذائف الوافدة. فهل تعامل هذه المدن كما عوملت ساراييفو؟
المصادر الغربية تجمع على ضرورة وقف الحرب البوسنية وفق منهجية الصدمة، أي انذار وتحرك عسكري في الجو، ثم ارسال قوات اضافية للامم المتحدة الى أرض المعركة تتولى مراقبة المدفعية وتعمل مساعدات انسانية وتُنظم فك ارتباط على خطوط القتال تمهيداً للحل السياسي الشامل.
المصادر الغربية نفسها تؤكد أنه لا بد من بعض الوقت لتثبيت حالة ساراييفو الأمنية في مرحلة أولى ثم فك الحصار عن المدينة في مرحلة ثانية تمهيداً لاستعادة الحياة الطبيعية فيها واصلاح البنية التحتية، بعد ذلك يتم الانتقال الى المدن الأخرى المحاصرة.
والتعامل مع هذه المدن لن يكون بالانذار العسكري وحده، وإنما أيضاً بممارسة ضغوط خارجية على اطراف النزاع وذلك من أجل عدم تعريض المنتصر لضربة عسكرية تهدد انتصاره، ولفرض الأمر الواقع على المهزوم، وبالتالي عدم اتاحة الفرصة له للافادة من التدخل الغربي من اجل تحسين مواقعه القتالية.
لقد بات واضحاً ان التدخل العسكري الغربي المعطوف على تدخل روسي، قوي لانقاذ ماء الوجه الصربي، وبعد قليل تدخل ألماني مماثل لدى الكروات البوسنيين، هذا التدخل يهدف الى انهاء الحرب البوسنية بالاستناد الى ميزان القوى الذي افرزته الحرب أي انتصار صربي - كرواتي وهزيمة بوسنية. وهذا الأمر ليس موضع شك بالنسبة للقيادة السياسية البوسنية.
بوادر "الحل الواقعي" بدأت تلوح مترافقة مع المؤشرات الأولى للانذار الأطلسي، فقد أكد الرئيس بيل كلينتون، ان الهدف النهائي للتحرك الأميركي هو اتاحة الفرصة لاقرار حل سياسي أوروبي للأزمة، باعتبار ان للحرب البوسنية أبعاداً أوروبية أولاً وأخيراً.
واتضحت اكثر فأكثر فكرة "الحل الواقعي" عندما صدرت مواقف متشابهة من جانب الرؤساء فرنسوا ميتران وبيل كلينتون وبوريس يلتسن وكلها تطالب بوضع مدينة ساراييفو تحت الحماية الدولية، وهذا يعني خروج الأزمة البوسنية من اطارها المحلي بعد صمت المدافع واستخدام الثقل الدولي في فرض حل على الاطراف المعنيين بالأزمة.
فور بروز هذه المؤشرات عبرت القيادة البوسنية عن رفضها لفكرة الحماية الدولية ل "ساراييفو" وأكد الرئيس البوسني علي عزت بيكوفيتش انه يخشى ان تتحول مدينته الى "برلين" أخرى في اشارة الى العاصمة الالمانية السابقة التي انقسمت بين الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية وظلت مقسمة حتى العام 1990. يُضاف الى ذلك ان الرئيس البوسني يخشى من فقدان السيطرة على مدينته في وقت يسيطر فيه الكروات والصرب على مواقعهم وينطلقون منها في مفاوضات السلام التي ستلي السيناريو العسكري الدولي.
ومخاوف البوسنيين لا تقتصر على ساراييفو وحدها، فالتحرك العسكري الغربي مضافاً اليه التحرك الروسي السياسي، يهدد بفرض نوع الحدود الدولية المحمية بقوات من الامم المتحدة في مختلف مناطق البوسنة - الهرسك الأخرى وذلك في حال تعذر الوصول الى تسوية سياسية. في هذه الحالة يعتقد البوسنيون ان الأوضاع في بلادهم ستكون شبيهة بالوضع القبرصي الذي لم يجد حلاً بعد منذ العام 1975 والذي تحرسه قوات دولية منذ ذلك العام مع فارق أساسي ان الطرفين المتحاربين في قبرص يستندان الى قوتين اطلسيتين هما اليونان من جهة وتركيا من جهة أخرى في حين يفتقر المسلمون في البوسنة الى أي حليف جدي عند حدودهم.
تعنت صربي
بالمقابل رفض صرب البوسنة العودة الى مخطط السلام الأوروبي الذي يقضي بوجود ثلاث جمهوريات كرواتية وصربية ومسلمة وأكد زعيم الميليشيات الصربية رادوفان كراجيتش ان هذا الحل ليس واقعياً وقد تجاوزته الاحداث، ما يعني ان على الاوروبيين والروس مواجهة حالة صربية جديدة. فالصرب باتوا يتصرفون بوصفهم الطرف المنتصر في اختبار القوة الغربية الأخيرة، وليس الطرف الذي كان يتوجب ردعه وتأديبه واخضاعه، ولعل مثل هذه الوضعية تطرح مشكلة اساسية في المستقبل القريب فماذا لو عرقل الصرب سبل الحل السياسي وعملوا على اغراق القوات الدولية في وحول الحرب البوسنية مستندين الى حماية روسية في حالتي السلم والحرب معاً؟
ان الثنائية الصربية - الروسية كشفت خلال التحرك الغربي عن تحالف سيكون له شأن كبير في البلقان وربما ابعد من البلقان. فقد استقبل الصربيون عناصر القوات الروسية العاملة في اطار القوات الدولية بوصفهم حلفاء وايقنوا أن وصول هؤلاء الى أراضيهم يشكل مظلة امام أي قصف غربي لمواقعهم وضمانة لعدم تقدم الجيش البوسني باتجاه هذه المواقع. وقد خرج صربيو بلغراد الى الشوارع يهتفون "شكراً يا روسيا" وهي المرة الأولى التي يستقبل فيها الجيش الروسي بالزهور وعبارات الشكر في أوروبا منذ مئات السنين مما يمنح موسكو فرصة ذهبية للعودة الى المسرح السياسي الدولي من الباب العريض.
بطبيعة الحال ستضيف عودة روسيا الى المسرح السياسي الدولي عقبة جديدة امام طموحات البوسنيين الرامية الى تعديل ميزان القوى لصالحهم وبالتالي التوصل الى حل يضمن التعايش في بلادهم.
وستطرح هذه العودة مشكلة جدية بالنسبة للأوروبيين الذين عملوا طوال سنتين من اجل وقف الحرب البوسنية وارسلوا قوات لحفظ السلام وبذلوا وساطات تلو الوساطات، فاذا بروسيا تعود للعب دور فاصل في مقابل الولايات المتحدة الأميركية قائدة التحالف الغربي.
ان مجمل هذه التطورات ترمي بثقلها على كاهل البوسنيين الذين فقدوا الأرض وتعرضوا للمذابح والتهجير وعندما لاحت آمال بخلاصهم، برز الصرب من جديد ليحققوا بالمفاوضات ما أرادوا تحقيقه بواسطة القوة العسكرية.
لهذه الأسباب مجتمعة كان اليأس والقنوط يخيم على مسلمي ساراييفو، ولهذه الأسباب كان اهالي المدينة يؤكدون أن احداً لن يضرب الصرب ولن يطرح عليهم ما لا يرغبون في سماعه، ولهذه الأسباب يخشى البوسنيون ان يكون "وضع ساراييفو" بحماية الامم المتحدة وكأنه بمثابة اجتياح سياسي صربي جديد بعدما عجزت الميليشيات الصربية عن اقتحامها عسكرياً.
غداً سيسمع البوسنيون في جنيف وحول طاولة المفاوضات الكلام نفسه الذي سمعوه خلال محادثات السلام السابقة: يجب ان تنقذوا ما يمكن انقاذه لأن ميزان القوى ليس لصالحكم على كل صعيد ولكن هل بقي للبوسنيين شيء ينقذونه... غير أرواحهم؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.