بعد أربعة قرارات بتمديد العقوبات المفروضة على ليبيا من مجلس الامن، وبعد "انذار اخير" بوجوب تسليم المتهمين بتفجير طائرة "بان اميركان" فوق لوكربي عام 1988 تنتهي مدته في مطلع تشرين الاول اكتوبر المقبل… ظهرت خيوط تشير الى دخول القضية مرحلة حاسمة دلّ عليها تزايد الانباء عن احتمال تسليم طرابلس المتهمين الامين خليفة فحيمة وعبدالباسط مقراحي الى اسكوتلندا ودخول المفاوضات في هذا الشأن مرحلة الضمانات والشروط. ويشير مراقبون الى ان مرحلة الحسم تحمل معنيين احدهما ايجابي والآخر سلبي. فالتسوية التي كثر الحديث عنها في كواليس الاممالمتحدة يمكن ان تصب في اطار تمديد عمر الازمة، انما بشروط افضل للنظام الليبي وتنص مسودة القرار التي تداولها اعضاء مجلس الامن على الآتي: 1 - اعلان ليبيا تسليم المتهمين الى بريطانيا او الولاياتالمتحدة. 2 - رفع العقوبات المفروضة منذ نيسان ابريل 1992 فوراً عن ليبيا. 3 - تكليف الامين العام للامم المتحدة الدكتور بطرس غالي مراقبة الاوضاع داخل ليبيا وتقديم تقرير خلال 90 يوماً يؤكد ان طرابلس ملتزمة نبذ الارهاب واذا لم يرد هذا التأكيد فان مجلس الامن سيعيد فرض العقوبات. اما اذا لم تسلّم طرابلس المتهمين قبل حلول مطلع تشرين الاول اكتوبر المقبل فان مسودة القرار تنص على تجميد ارصدة ليبيا في الخارج وفرض حظر على معدات تستخدم في تصدير النفط. وترافق الاعلان عن مسودة القرار مع انباء شبه يومية عن موافقة طرابلس على ان يسلم المتهمان نفسيهما الى اسكوتلندا بعد سلسلة من الضمانات تتعلق باختيار هيئة محلفين محايدة واستبعاد الاستخبارات البريطانية والاميركية عن التحقيقات والسماح لممثلي الاممالمتحدة والجامعة العربية واتحاد المحامين العرب بزيارة المتهمين لضمان عدم تعرضهما للتعذيب واقتصار المحاكمة على حادث تفجير طائرة "بان اميركان" واعادة المتهمين الى ليبيا فور ثبوت براءتهما او بعد انتهاء عقوبتهما في حال ادانتهما، وعدم تسليمهما الى دولة ثالثة تحت اي ظرف وعدم الضغط عليهما، سواء بالاغراء او الترهيب، لتحويلهما الى شهود في مقابل تخفيف الحكم الصادر في حقهما. كذلك طلبت ليبيا رفع العقوبات فور مثول المتهمين امام المحاكمة، وتعهد مجلس الامن عدم تجميد اي ارصدة واموال لدفع تعويضات عن الحادث وعدم التدخل في الشؤون الداخلة الليبية اذا طبقت كل جوانب القرار. وسلّم المبعوث الليبي السيد عبدالعاطي العبيدي الى غالي قائمة طويلة من الشروط والضمانات تضمنت ما هو مذكور اعلاه اضافة الى لائحة اخرى من الشروط لم تعلن. ويروي ديبلوماسيون متابعون للملف الليبي ان الضمانات الحقيقية التي طلبتها طرابلس تتعلق تحديداً باقتصار المحاكمة على قضية لوكربي وعدم امتدادها الى قضايا اخرى خصوصاً في ظل تزايد الحديث عن وجود لائحة تضم 60 اسماً ستطلب تباعاً الى التحقيق، وفي ضوء ما اعلن عن فشل وساطة قام بها زعيم دولة مغاربية لحلّ هذه القضية بسبب عدم حصوله على ضمانات غربية بأن تقتصر المحاكمة على المتهمين او بعض المسؤولين الامنيين فقط من دون ان تطال رموزاً أساسية في النظام. ويقول هؤلاء ان التسوية المطروحة، على رغم ما فيها من احتمالات سلبية وتوقعات، "تشكل حلاً مقبولاً" في الوقت الراهن، لأنها تمد في عمر الازمة من دون ان يتخلى طرفاها عن اوراقهما، او بشكل يسمح لطرفيها بالتخلي عن هذه الاوراق تدريجاً، فالولاياتالمتحدةوبريطانيا لم تتراجعا عن طلب تسليم المتهمين واستجابتا، تحديداً، لمطالب اهالي ضحايا لوكربي والرأي العام. والنظام الليبي كسب وقتاً اطول للتفاوض انما في غياب العقوبات هذه المرة، وفي اطار خطاب سياسي جديد يعتمد على تكثيف الانفتاح الاقتصادي مع دول لوكربي والانفتاح السياسي مع الغرب عموماً، واسرائيل اذا اقتضى الامر، ويرتكز على سلسلة من الخطوات التي تشكل اشارات قوية الى الغرب بأن ليبيا بلد التعايش والتسامح ونبذ الارهاب، ومن هذه الخطوات مؤتمر التعايش بين الاديان الثلاثة الذي سيعقد في الخريف المقبل في طرابلس. الا ان الصورة القاتمة لا تغيب ابداً عن سيناريو التسوية المطروحة، فالولاياتالمتحدةوبريطانيا لم تتعهدا اطلاقاً عدم شمول التحقيق اشخاص آخرين. ويشير ديبلوماسيون في الاممالمتحدة الى "مخاوف من ان يؤدي تسليم المتهمين الى رهن السياسة الليبية نهائياً في ملف محاكمة لوكربي بشكل اصعب من وجودها رهينة في ملف العقوبات". وما يزيد في سواد الصورة الموقف الفرنسي المفاجئ الذي قد يقلب طاولة السيناريو المتداول في الأممالمتحدة، اذ اعلنت باريس في خضم موجة التفاؤل في الوصول الى حل، ان قرار رفع العقوبات لن يتخذ آليا اذا سلمت ليبيا المتهمين في قضية لوكربي الى اسكوتلندا، وأن المطلوب ايضاً تسليم المتهمين الاربعة في تفجير طائرة "يوتا" فوق صحراء النيجر عام 1989 قبل رفع العقوبات. كما اعلنت مصادر قضائية فرنسية ان ملف التحقيق في تفجير "يوتا" اكد بوضوح مسؤولية المتهمين الليبيين وأن القاضي الفرنسي جان لوي بروغيير لن يحقق مع هؤلاء الا في مكتبه في باريس، كما ينص على ذلك القانون الفرنسي. ويفسر مراقبون الخطوة الفرنسية بأنها "استباق لعقد صفقة مزدوجة اميركية - فرنسية مع ليبيا على حسابها"، ويتوقع هؤلاء خطوات تصعيدية اكبر من قبل باريس تؤدي الى تصعيد العقوبات على ليبيا كما هو مقرر، او على الاقل عدم اتخاذ قرار برفع العقوبات حتى لو سلم المقراحي وفحيمة نفسيهما الى اسكوتلندا. وفيما يؤكد قريبون من النظام الليبي ان طرابلس نجحت في كسر "الطوق الثلاثي" المفروض عليها من خلال اللعب على وتيرة المصالح بين فرنسا واميركا وبريطانيا، وأن هذه الخطوة ستؤدى حكماً الى "شروط افضل" لليبيا، يرى مراقبون محايدون ان كل "الاجواء التفاؤلية" هي "وهم وسراب" وأن "النظام الليبي يعرف اكثر من غيره ان قضيتي لوكربي ويوتا في صلب الشروط السياسية للنظام الدولي الجديد، وما يجري حالياً لا يعدو من قبيل تقطيع الوقت الى أن يقضي القضاء امراً كان مفعولا".