بعد جهود كبيرة بذلتها اميركا منذ ايفاد وارن كريستوفر وزير خارجيتها الى المنطقة العربية، وبعد اتصالات مكثفة اخيراً شملت القاهرة ودمشق وعمان وبيروت ومنظمة التحرير الفلسطينية، استأنف كل من الجانب العربي واسرائيل مفاوضات السلام في واشنطن. وقد اكد كريستوفر قبل يومين من بدء المفاوضات ان ادارة الرئيس بيل كلينتون ستقوم بدور الوسيط في هذه المفاوضات، ولن تنحاز لاسرائيل من اجل التوصل الى سلام حقيقي يحل بموجبه الحكم الذاتي للفلسطينيين محل الاحتلال الاسرائيلي، وأضاف في كلمته امام الجلسة الختامية للمؤتمر السنوي للجمعية العربية - الاميركية لمناهضة التمييز، ان نتيجة هذه المفاوضات يجب ان تكون نقل الصلاحيات بصورة سلمية ومنتظمة الى الفلسطينيين وافساح المجال امامهم لانتخاب ممثليهم بحرية، وأعرب عن امله في ان يتم التوصل، في نهاية الامر، الى معاهدة سلام شاملة تقوم على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وتوفير الامن للجميع، وتطبيع العلاقات بين اسرائيل وجيرانها العرب. لقد وافق الجانب الفلسطيني على الاشتراكي في هذه الجولة من المفاوضات على رغم ان الفلسطينيين يجتازون مرحلة صعبة، نتيجة عدم موافقة اسرائيل على اعادة المبعدين الى ديارهم تنفيذاً لقرار مجلس الامن الرقم 799، وكذلك قيام القوات الاسرائيلية بأعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وفرض الحصار عليهم لمنعهم من العمل داخل الاراضي المحتلة، الامر الذي دفع المتحدث الرسمي الفلسطيني الى الادلاء بتصريح قبل بدء المفاوضات بأيام قليلة يقول فيه "ان منظمة التحرير التي تحرص على استئناف ونجاح مفاوضات السلام، ما زالت تأمل ان تتحقق متطلبات استئناف هذه المفاوضات وازالة جميع العقبات التي تعترضها"، مضيفاً في تحديد واضح ان المنظمة ترى "ان حل قضية المبعدين، بمن فيهم المبعدون منذ عام 1967، وكذلك فك الحصار الاقتصادي والمالي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وانهاء اجراءات التجويع والحصار والعزل وحملات البطش العسكرية الاجرامية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والمخيمات، تشكل مقدمات لا غنى عنها من اجل توفير المناخ الملائم لاستئناف المفاوضات". واني ارى ان استئناف المفاوضات في هذه الظروف الصعبة لا يشجع الفلسطينيين او باقي الاطراف العربية على تحقيق تقدم ايجابي فيها، وعلى اميركا ان تعمل كوسيط نزيه لاقناع حليفها الاستراتيجي - اسرائيل - بتقديم بعض الاجراءات التي توضح حسن النية وايجاد مناخ افضل للمفاوضات، وذلك بالغاء اجراءات التجويع والحصار والعزل وحملات البطش التي تمارسها اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة. والرأي عندي ان هذه الجولة من المفاوضات ستكون صعبة بسبب رفض اسرائيل ابداء اية مرونة في مواقفها من قضية المبعدين او تحسين اوضاع الفلسطينيين والقطاع كمقابل موضوعي لموافقتهم على استئناف المحادثات، وذلك للحيلولة دون اتخاذ مواقف صلبة من الجانب الفلسطيني او الاطراف العربية الاخرى لعرقلة سير المفاوضات. ان اميركا تتحمل مسؤولية كبيرة للعمل على نجاح المفاوضات، ولا يمكن ان تستمر شريكاً كاملاً لاسرائيل تدافع عن مواقفها ومصالحها، ومن الصعب ان نتوقع من اميركا ان تكون وسيطاً في محادثات الشرق الاوسط بحيث يكفل لها الوصول الى نتائج ايجابية تحقق السلام في الشرق الاوسط الا اذا كان الموقف الاميركي عادلاً من دون محاباة لحليفها الاستراتيجي اسرائيل. واني اعتقد ان طريق السلام لا يزال طويلاً ومعقداً، وهنا نتساءل هل يوضع موضع التنفيذ اعلان الرئيس كلينتون - اثناء زيارة الرئيس حسني مبارك لواشنطن - الذي قال فيه "ان هناك فرصة تاريخية لتحقيق تقدم مثمر في عملية السلام العربية الاسرائيلية عام 1993". قد يكون هناك بعض التقدم خلال العام الحالي، ولكن السلام الحقيقي لا يمكن ان يتحقق الا باستكمال تحرير الارض العربية، وهذا حق، واستعادة حقوق شعب فلسطين، وهذا عدل، وتحقيق الحق والعدل هو السبيل الى السلام في هذه المنطقة. * وزير الدفاع المصري الاسبق.