دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة مهمة في تاريخها مع صدور الانظمة الثلاثة باوامر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وهي: نظام مجلس الشورى الذي يوسع قاعدة اتخاذ القرار، ونظام المناطق الذي يحدث تغييرات كبيرة في الحكم المحلي بمنح امراء المناطق صلاحيات اوسع واتاحة المجال امام مشاركة منظمة للأهالي، والنظام الاساسي للحكم الذي يؤكد ان النظام السعودي ملكي عماده ومصدره الشريعة الاسلامية وان مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى او مظلمة. راجع النصوص الكاملة لكلمة الملك فهد بن عبدالعزيز وللأنظمة الثلاثة في الملحق الخاص الذي تنشره "الوسط" في هذا العدد. هذه المرحلة الجديدة، التي تتفق واهمية الموقع السياسي والديني والاقتصادي الذي تحتله السعودية، يمكن تسميتها، وفقا لمسؤول عربي كبير "مرحلة التجديد والتطوير ضمن الاستمرارية". فهذه الانظمة الثلاثة، المستمدة كلها من الشريعة الاسلامية، "لم تأت من فراغ" بل انها "توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع معمول به" كما انها ستكون "خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها"، على حد ما قاله الملك فهد في الكلمة التي وجهها الى المواطنين لمناسبة صدور هذه الانظمة. وقد حرص الملك فهد على التأكيد "ان هذه الانظمة وضعت بعد دراسة دقيقة ومتأنية من قبل نخبة من اهل العلم والرأي والخبرة، وقد تم الاخذ بالاعتبار وضع المملكة المتميز على الصعيد الاسلامي وتقاليدها وعاداتها وظروفها الاجتماعية والثقافية والحضارية". وشدد الملك فهد على ان السعودية قامت على منهج الاسلام "وان اساس المنهج الاسلامي ثابت لا يخضع للتغيير والتبديل" واضاف: "لقد استدعى تطور الحياة الحديثة ان ينبثق عن هذا المنهج انظمة رئيسية في عهد الملك عبدالعزيز… وقد استمر العمل بهذا المنهج حتى يومنا هذا… ولذلك لم تعرف السعودية ما يسمى بالفراغ الدستوري". من هنا، كما قال الملك، "فان اصدارنا اليوم الانظمة الثلاثة توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع معمول به… وقد صيغت هذه الانظمة على هدى من الشريعة الاسلامية". النظام الاساسي للحكم قنن معظم الاوضاع والمفاهيم السائدة في المملكة ونص على ان نظام الحكم هو نظام ملكي، وان الحكم "يكون في ابناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وابناء الابناء ويبايع الاصلح منهم للحكم" على حد ما جاء في المادة الخامسة من النظام. وينص النظام ايضاً على ان السعودية دولة عربية اسلامية دينها الاسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وان الملك هو رئيس مجلس الوزراء والقائد الاعلى للقوات العسكرية، وللملك حق تعيين ولي العهد وتعيين الوزراء ونوابهم وأعضاء مجلس الشورى وأعضائهم. وكذلك للملك حق تعيين نواب له في مجلس الوزراء الذي له ايضا حق حلّه واعادة تشكيله. ووفقاً لما جاء في النظام فان الملك "يختار ولي العهد ويعينه بأمر ملكي". وأكد النظام الأساسي الحريات الاساسية للمواطن السعودي وحقوق الانسان وفق الشريعة الاسلامية والتزام المملكة كل المعاهدات والمواثيق الدولية، ونص على ان الحكم في المملكة يقوم على اساس العدل والشورى والمساواة، وشدد على حرمة الملكية الخاصة وقيام الاقتصاد السعودي على الملكية ورأس المال والعمل. وأشار النظام الى وجود جهاز تكون صلاحياته الرقابة "على جميع ايرادات الدولة ومصروفاتها والرقابة على كافة اموال الدولة المنقولة والثابتة، ويتم التأكد من حسن استعمال هذه الاموال والمحافظة عليها ورفع تقرير سنوي عن ذلك الى رئيس مجلس الوزراء" كما ان هناك جهاز رقابة مختصاً بمراقبة الاجهزة الحكومية. وشدد النظام الاساسي على ان "للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير اذن صاحبها ولا تفتيشها الا في الحالات التي يبينها النظام". الشورى: تطوير لما هو قائم نظام مجلس الشورى يوسع قاعدة اتخاذ القرار وسيضم 60 عضواً ورئيساً "يختارهم الملك من اهل العلم والخبرة والاختصاص". ويبدي مجلس الشورى "الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال عليه من رئيس مجلس الوزارء". كما ان رئيس مجلس الشورى يستطيع "ان يرفع لرئيس مجلس الوزراء بطلب حضور اي مسؤول حكومي جلسات مجلس الشورى". وأكد نظام مجلس الشورى ايضا ان "لكل عشرة اعضاء في مجلس الشورى حق اقتراح مشروع نظام جديد او تعديل نظام نافذ وعرضه على رئيس مجلس الشورى، وعلى رئيس المجلس رفع الاقتراح الى الملك". وقد ركز الملك فهد في كلمته على ان "البلاد شهدت قيام مجلس الشورى منذ وقت طويل وخلال هذه المدة استمرت الشورى في البلاد بصيغ متعددة متنوعة… والنظام الجديد لمجلس الشورى انما هو تحديث وتطوير لما هو قائم". والواقع ان الملك عبدالعزيز اصدر امراً ملكياً بتأليف مجلس شورى سنة 1347ه الموافق 1928م. ولم يتم تشكيل مجلس الشورى الجديد، لكن يتوقع ان يحدث ذلك قريباً. ويقول السعوديون ان سياسة الباب المفتوح التي يعتمدها الملك وولي العهد والامراء في المملكة "افضل مثال على تطبيق مبدأ الشورى". وبصدور نظام المناطق، سيشهد الحكم المحلي تغييراً كبيراً وذلك بمنح امراء المناطق صلاحيات اوسع، وبمشاركة منظمة لأهالي المناطق من خلال مجالس محلية في مناقشة قضاياهم وخطط التنمية الخاصة بمنطقتهم. وحسبما جاء في الامر الملكي، فان النظام "يهدف الى رفع مستوى العمل الاداري والتنمية في مناطق المملكة" ويعيد التوزيع الاداري للمناطق وذلك بتقسيمها ثلاث وحدات هي المحافظات والنواحي والمراكز، وذلك تبعاً لحجم المنطقة. امراء المناطق يعينون بأمر ملكي بناء على توصية من وزارة الداخلية وسيسمح لهم بپ"الاتصال مباشرة بالوزراء ورؤساء المصالح والبحث في امور المنطقة معهم"، كما ان لهم الاشراف على الاجهزة الحكومية وموظفيها في المنطقة مع مراعاة ارتباط موظفي الوزارات والمصالح المختلفة في المنطقة بمراجعهم. اما المجالس المحلية فسيطلق عليها اسم "مجلس المنطقة" ويتشكل من امير المنطقة ونائبه ووكيل الامارة ومحافظي المحافظات ورؤساء الاجهزة الحكومية فيها اضافة الى عدد من الأهالي لا يقل عن عشرة ولهم تقديم الاقتراحات الى رئيس مجلس المنطقة الامير كتابة، ولكن لا يجوز للعضو ان يحضر مداولات المجلس اذا كان الامر يتعلق بمصلحة شخصية له. وأشار الملك فهد في كلمته الى ان التطورات الهائلة التي شهدتها السعودية في الحقبة الاخيرة هي التي اقتضت التجديد في النظام الاداري العام في المملكة لرفع مستوى الحكم الاداري في مناطق المملكة. وخلاصة القول ان الانظمة الثلاثة جاءت لمواكبة مراحل التطور الذي تشهده السعودية والتغييرات التي يشهدها العالم مع الحفاظ على خصائص المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده.