وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للسعودية للكهرباء إلى +A    تعليم جدة يشارك في معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز «نحو استدامة الأثر»    جمهور الأهلي.. قوة «روشن» الناعمة وواجهة «قلعة الكؤوس»    منظمة الصحة العالمية تنوه بالمشاريع والبرامج الطبية التي تنفذها المملكة حول العالم    مصر تترقب أكثر من مليون سائح سعودي في 2024    بعد قرار محكمة العدل الدولية..الخناق يضيق على إسرائيل    البرلمان العربي يختتم جلسته العامة الرابعة    المملكة تحصد جائزة أفضل جناح.. وتؤكد جاهزيتها لاستضافة الدورة المقبلة    "هيئة النقل": الالتزام بالأنظمة والاشتراطات في قطاع النقل البري    ضبط عمالة تغش في زيوت السيارات وتخبئها في حوش أغنام    "الأمر بالمعروف" بالحجرة بمنطقة الباحة تنشر محتوى حملة "الدين يسر"    17 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والحدود بقبضة الأمن    أمطار ورياح على أجزاء من 5 مناطق    بعد ساعات من كشف الجريمة.. القبض على «سفاح التجمع» في القاهرة    مباراة الوحدة والهلال تقترب من الطائف    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها    القيادة تهنئ ملك الأردن بذكرى الاستقلال        أمانة نجران تضبط 1782 كيلو جراماً من اللحوم الفاسدة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من المغرب    مشكلة في المثانة تنقل وزير الدفاع الأمريكي إلى المستشفى    145 ألف دولار إجمالي جوائز الدانة للدراما    "مفاجأة حزينة" و"أحلام ميسّرة" ترويها مستفيدة مبادرة طريق مكة من تركيا    الهلال يتخذ قرارًا بشأن مصير ميتشيل ديلجادو    لجنة الصداقة السعودية الكوسوفية في الشورى تلتقي عددًا من المسؤولين    "حسن" ينير منزل الاخصائي عزي بقال    المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    "موديز" تصنف المملكة عند "A1"    الفرج يكشف موقفه من البقاء في الهلال    "جوجل" تتيح مشاركة كلمات المرور مع العائلة    تقنية جديدة لعلاج الشلل بالضوء    ابتكار رقاقة تحمي الأجنة قبل الولادة    الأطفال والمراهقون أكثر عُرضة لقصر النظر    مصرع عشرات الأشخاص بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المكسيك    أمانة الشرقية تختتم مشاركتها في المؤتمر الخليجي لتنمية الموارد البشرية    اختتام "مهرجان الكتاب الثاني" بنادي الشرقية الأدبي    جمعية إسناد تقيم حفل ختامي لمستفيدي مراكز الرعاية والتاهيل    دول العالم تفشل في التوصل إلى معاهدة بشأن الاستعداد للجوائح    تتويج نادي أبها ببطولة الدوري السعودي الرديف للموسم 2023-2024    الاتفاق يستأنف تحضيراته بتدريب استشفائي بعد مباراة الشباب    الدفاع المدني يتيح خدمة تمديد مدة التراخيص عبر منصة "أبشر أعمال"    من المسؤول ؟    سيميوني: ريال مدريد هو الأفضل في العالم    القصيبي: فرق «مسام» انتزعت أكثر من 450 ألف لغم وعبوة ناسفة    جامعة الملك خالد تحقق المركز 111 بين الجامعات الشابة في تصنيف التايمز العالمي 2024    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    خطيب الحرم: أمن الحرمين خط أحمر ولا شعارات بالحج    «الأحوال المدنية»: منح الجنسية السعودية ل14 شخصاً    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    «رحلة الحج» قصص وحكايات.. «عكاظ» ترصد: كيف حقق هؤلاء «حلم العمر»؟    «الثقافة» و«التعليم» تحتفيان بالإدارات التعليمية بمختلف المناطق    الاستثمار الثقافي والأندية الأدبية    تنوع أحيائي    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    برعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. تخريج مجندات بمعهد التدريب النسوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تعقد ندوة خاصة حول العلاقات العربية - الايرانية شارك فيها فهمي هويدي والسيد ياسين وجميل مطر واللواء عبدالحليم ونيفين مسعد . العرب وإيران : العلاقة الصعبة
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 1992

ايران تتمدد في المنطقة بسبب التفكك والفراغ العربيين
الخطأ الكبير الذي ترتكبه القيادة في طهران امتلاك السلاح النووي
رفسنجاني يريد تصدير الثورة لكن بأساليب مختلفة عن الخميني
تفتح "الوسط"، في هذه الندوة الخاصة التي عقدتها في القاهرة، ملف العلاقات العربية - الايرانية، وهو ملف حافل بالتساؤلات: ما هي طبيعة العلاقات بين ايران والدول العربية اليوم؟ ماذا تريد ايران من العرب؟ هل تتجه العلاقات العربية - الايرانية نحو المواجهة، أم ان الحوار الصعب القائم حالياً بين الجانبين يمكن ان يتحول الى حوار طبيعي ويتخذ شكل التعاون؟ هل تخلت القيادة الايرانية عن تصدير الثورة الى الخارج، ام انها لا تزال تسعى الى ذلك لكن بأساليب جديدة؟ ولماذا تكدّس ايران الاسلحة وتسعى الى امتلاك القنبلة النووية؟ للدفاع عن نفسها أم لممارسة سياسة التوسع والهيمنة في المنطقة؟
هذه الاسئلة وسواها كانت محور الندوة الخاصة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة وأدارها عمرو عبدالسميع وشاركت فيها الشخصيات العربية المتخصصة في شؤون ايران وقضايا الشرق الاوسط الآتية اسماؤها:
1 - فهمي هويدي كاتب في "الأهرام" ومفكر سياسي متخصص في الفكر الاسلامي ومطلع على القضايا الايرانية، له مجموعة كتب منها "ايران من الداخل" و"العرب وإيران".
2 - السيد ياسين: أمين عام منتدى الفكر العربي في عمان والمدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة "الأهرام" مدير تحرير مجلة "السياسة الدولية" ورئيس تحرير "التقرير الاستراتيجي العربي". محاضر في جامعتي القاهرة وعين شمس والجامعة الاميركية في القاهرة، كما عمل استاذاً محاضراً في جامعات اكسفورد وبرلين وهارفارد ونورث كارولينا وميريلاند وبرنستون. له مجموعة مؤلفات.
3 - جميل مطر نائب رئيس الادارة العامة لشؤون فلسطين في الجامعة العربية من 1982 الى 1986، مدير الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الافريقية التابع للجامعة العربية من 1977 الى 1980، مستشار في مركز الدراسات في "الأهرام" من 1971 الى 1975. عمل في السلك الديبلوماسي المصري من 1957 الى 1968 في نيودلهي وبكين وروما وبيونس ايرس وسانتياغو. من أبرز مؤلفاته "النظام الاقليمي العربي". وله مقالات ودراسات عدة تنشر في الصحف المصرية والعربية.
4 - اللواء أحمد عبدالحليم لواء متقاعد خبير في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، محاضر في كلية الحرب العليا وكلية الدفاع الوطني ومعهد القادة التابع لكلية الشرطة والمعهد الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية مصر ومشارك في مراكز عدة للدراسات والأبحاث داخل مصر وخارجها، وشارك في الكثير من الندوات الدولية منها ندوة عقدت في واشنطن عام 1990 لمناقشة أزمة الخليج وندوة في جنيف في نيسان ابريل 1991 لمناقشة تخفيض التهديد ومنع الحرب في الشرق الاوسط وندوة في سالزبورغ في تموز يوليو 1992 عن الحد من التسلح وحل المنازعات بالطرق السلمية. وله مقالات في بعض الصحف العالمية والعربية عن الاستراتيجية والعديد من الدراسات التخصصية في مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة ومركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة المصرية.
5 - نيفين عبدالمنعم مسعد استاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وخبيرة في مركز البحوث والدراسات السياسية التابع للكلية نفسها، متخصصة في شؤون الحركات الاسلامية في شمال افريقيا وفي شؤون ايران والجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى، حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1987 وموضوعها "الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي". لها مجموعة مؤلفات منها "السياسة الخارجية الايرانية تجاه مصر" و"التيارات الدينية في مصر وقضية الاقليات".
بدأت الندوة بورقة عمل قدمتها "الوسط" تضمنت مجموعة القضايا التي ستكون محور النقاش. وجاء في ورقة العمل هذه: "أدت الازمة بين ايران ودولة الامارات العربية المتحدة حول جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، اضافة الى مسائل أخرى ارتبطت بالتصرفات والممارسات الايرانية في المنطقة، الى مراجعة الاعتقاد الذي شاع بعض الوقت بوجود تغير في السياسة الايرانية تجاه العالم العربي ومستقبل المنطقة محوره تراجع المفاهيم التي اقترنت بالثورة الخمينية. وأدت هذه الازمة وما رافقها الى وضع حد للتفاؤل الذي ظهر خلال وبعد أزمة الخليج الاخيرة، بإمكان بدء عصر جديد من العلاقات الايرانية - العربية عموماً، والعلاقات الايرانية مع دول الخليج العربية خصوصاً. من هنا أهمية مناقشة الطبيعة الراهنة لاستراتيجية ايران في المنطقة، وتأثيراتها على قضايا عربية عدة في مقدمها قضية الأمن في الخليج، وعلى مستقبل الترتيبات الاقليمية التي يمكن ان تتمخض عنها عملية السلام العربية - الاسرائيلية الراهنة.
وفي هذا السياق يمكن ان تتناول هذه الندوة ثلاثة محاور رئيسية على النحو الآتي:
أولاً طبيعة الاستراتيجية الراهنة: السؤال الرئيسي الذي يثيره هذا المحور هو: الى أي مدى تمثل ايران رفسنجاني امتداداً لايران الخميني وإيران الشاه؟ والواضح ان هناك إجابة سهلة عنه وشائعة في الفكر العربي على النحو الآتي: ان ايران الخميني كانت امتداداً لايران الشاه لكن في ثوب جديد اسلامي، وبالتالي تعدّ ايران رفسنجاني امتداداً لكليهما، لكن بشكل أقل جموداً من الناحية العقائدية، وبالتالي أكثر براغماتية. لكن هذه الاجابة لا تكشف حقيقة مضمون الاستراتيجية الايرانية في كل مرحلة والتي يؤدي اختلافها الى تأثيرات عميقة على علاقات ايران مع دول المنطقة. ولذلك تقتضي الاجابة عن هذا السؤال القاء الضوء على عدد من العناصر الرئيسية المكونة للاستراتيجية الايرانية، وبخاصة المكون القومي الفارسي والمكون الاسلامي. فتحديد الوزن النسبي لكل من هذين المكونين أمر بالغ الأهمية، ويثير سؤالاً مهما هو: هل تنحو ايران رفسنجاني الى دعم وزن المكون القومي في استراتيجيتها على حساب المكون الاسلامي؟ وإذا كان هذا صحيحاً فالى أي مدى؟ وهل يؤثر على علاقة ايران ببعض الحركات الاسلامية في العالم العربي؟ وهل يمكن توقع الوصول الى مستوى ينتفي معه اعتمادها على أدوار بعض هذه الحركات كلياً؟
ثانياً السياسة الايرانية في الخليج: ربما كان الاعتقاد في فكرة استمرارية الاستراتيجية الايرانية في جوهرها راجعاً الى ملاحظة تطور سياسة طهران تجاه منطقة الخليج بالأساس. ففي هذا الجانب توجد استمرارية واضحة بهدف تأكيد النفوذ الايراني وممارسة دور القوة الاقليمية العظمى أو الرئيسية. لذلك ثمة سؤال هنا: هل يمكن تفسير التشدد الايراني تجاه قضية أمن الخليج عندما أعيد طرحها عقب تحرير الكويت ورفض طهران القاطع لصيغة "اعلان دمشق"، ثم تشددها الراهن في موضوع الجزر العربية الثلاث، بأنه يعكس مسعى لاستثمار انحسار دور العراق بعد هزيمته والحصار المفروض عليه؟
ثالثاً مستقبل العلاقات العربية - الايرانية: الواضح أولاً انه ليس هناك موقف عربي موحد تجاه ايران، وانه لا يمكن افتراض وجود هذا الموقف في المستقبل، ومع ذلك فقد تبين ان قضية الجزر ستكون مؤثراً رئيسياً في هذا المجال، وبالتالي هل سيتوقف الكثير من مستقبل العلاقات العربية - الايرانية على الكيفية التي ستحل بها هذه القضية؟ وإذا كانت الاجابة بالايجاب، فما مغزى الموقف الايراني المتشدد تجاهها؟ وهل يرتبط فقط بأهميتها الاستراتيجية أم انه يسعى لاستخدامها كورقة في تشكيل مستقبل العلاقات العربية - الايرانية؟
ولنبدأ طرح الاسئلة.
التورط الايراني في السودان والجزائر
السؤال الأول نوجهه الى الاستاذ فهمي هويدي: كيف تقيّمون سياسة ايران الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع العرب؟ اذ تبدو السياسة الايرانية الراهنة غامضة بالنسبة الى الكثيرين، سواء من حيث طبيعة النظام الايراني أو من حيث سياسته الخارجية. في هذا الاطار نلاحظ الثنائية الآتية: دولة فيها قدر كبير من التسامح مع العناصر الاكثر راديكالية، وفيها غياب للحد الادنى من الديموقراطية وحقوق الانسان، وتتورط في الجزائر، وفي السودان، ومع "حزب الله"، وتعارض المفاوضات العربية - الاسرائيلية ومسيرة السلام، وتسعى لتطوير قوتها العسكرية بما فيها القوة النووية بشكل يفوق قدرات هذه الدولة على الاستيعاب ويفوق دورها أيضاً. وبالاضافة الى هذا نجد على الجانب الآخر دولة تقدم مبادرات، من طراز اطلاق الرهائن، وبناء علاقات قوية ومتينة مع دول أوروبا في محاولة لاظهار نفسها في صورة الدولة المرنة، وأحياناً البراغماتية وبالتحديد في حرب الخليج الثانية، بما يوحي أن هناك أجندة برنامج عمل ايرانية علنية تنفي التطرف وأجندة خفية تستخدم هذا التطرف أو تستفيد من وجوده، ما هو تقويمك لهذه الثنائية؟
- فهمي هويدي: الحقيقة انني التزم الحذر تجاه الكلام الانطباعي، أي الكلام المتأثر بالخطاب الاعلامي العام، يعني عندما نقول ان ايران لها اجندة علنية وأخرى سرية هذا في الواقع حال كل بلد في العالم، لكن عندما نقول ان ايران مثلاً تفتقد الحدود الدنيا من حقوق الانسان والديموقراطية فهذا غير صحيح، وهو كلام جرايد الى حد كبير. وإذا استخدمنا المفردات بدقة فالحدود الدنيا في الممارسة الديموقراطية متوفرة.
متوفرة... الى أي مدى؟
- فهمي هويدي: هناك نسبة معينة من الديموقراطية اذا قارناها بدول اخرى في العالم الثالث، لكن عندما ندخل في التفاصيل يمكن ان نسأل من له حق الممارسة الديموقراطية في ايران؟ وهنا نجد ان هناك تياراً واحداً يمارس الديموقراطية وهو التيار الاسلامي بشكل عام، التيارات السياسية الاخرى ليس متاحاً لها ان تمارس هامش الديموقراطية، لكن هذا التيار يمارس الديموقراطية الحقيقية بمعنى انه يوجد برلمان واستجواب ولجان وسياسة خارجية لا تُقرر الا في لجان البرلمان، وهناك وزراء يُحاسبون وتُسحب منهم الثقة. يعني هناك شيء حاصل في ايران، وإذا كنا نتكلم عن الحدود الدنيا فأقول انها موجودة وأكثر منها. ولا يعني ذلك انني سعيد بهذا الوضع، ولكن اذا كنا نتكلم عن تقييم الوضع فالحدود الدنيا متوفرة. اما موضوع التورط في الجزائر أو في السودان، فهذه أمور فيها قدر كبير من الانطباعات، يعني ما هو حجم هذا التورط؟
التورط في السودان يعني وصول خبراء عسكريين مثلاً.
- فهمي هويدي: أنا أضع على هذا علامة استفهام، حيث قيل كلام عن ضبط بعض الاشخاص من دون الاعلان عنهم.
لا، هناك اعلان ايراني عن وجود خبراء لتدريب الجيش السوداني؟
- فهمي هويدي: وهل هذا تورط؟ وبافتراض وجود خبراء، وهذه ايضاً عليها علامة استفهام، فهل يعتبر هذا تورطاً؟ سمه كما تشاء، لكن ماذا نقول عن وجود خبراء زراعيين اسرائيليين في كثير من الانشطة الموجودة في مصر؟ ينبغي عدم المبالغة في وجود عدد من الخبراء يدربون الجيش، فلو كانوا صينيين مثلاً أو غيرهم، ألا يعتبر ذلك تورطاً؟
هذا يتوقف على الدور الاقليمي أو الدولي للدولة، يعني عندما نقول مثلاً دولة مثل الاتحاد السوفياتي السابق أو دولة مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو انكلترا هذه الدول لها تأثير وحجم نفوذها دائماً يتجاوز البحار كما نقول، ولكن دولة مثل ايران من اللافت للنظر جداً قيامها بمثل هذا الدور.
- فهمي هويدي: ينبغي ان نفرق بين فهم موقف والقبول به. يعني يجوز ألاّ أقبل هذا الموقف، لكن لا بد ان احدد حجمه الطبيعي. مثلاً ايران والعلاقات مع حزب الله في لبنان هذا امتداد شيعي موجود من أيام الشاه، فهناك علاقات تاريخية بين جنوب لبنان وبين ايران وبالتالي لا استطيع القول بالغاء هذه العلاقات لكن ان تأخذ طابعاً سياسياً أو عسكرياً أو دينياً فهذا موضوع آخر. لكن حزب الله موجود في لبنان ويقولون ان الايرانيين موجودون هناك بطلب سوري بالمناسبة، وبطلب لبناني في وقت من الاوقات، لكنني حذر من الانطباعات، فالقول ان بلداً يسعى الى امتلاك سلاحه، هذه ليست تهمة ولا نريد ان نقع في فخ انك عندما تتسلح تصبح عورة لا بد انك تخفيها. أو ان انشاء مفاعل نووي جريمة ترتكبها أية دولة اذا توفرت لها السبل ان تمتلك ما تشاء من اسلحة ما دام هذا يتم بوسائل مشروعة خصوصاً اذا وُظف لأهداف مشروعة. وأضيف الى ذلك اننا احياناً، ونحن نتكلم عن ايران، نأخذ موقف الذين يحاكمون الموقف الايراني ولا يطرحون طبيعة الموقف العربي اصلاً. وكون ايران احياناً تتمدد بهذا الشكل في مساحة من الانفراط العربي الشديد التي يمكن ان نسميها "اللامشروع العربي" بمعنى وجود فراغ عربي، وهو يمثل اغراء للتمدد. فأنا احياناً احاسب طرفاً له مشروع ولا أحاسب الطرف الذي ينبغي ان يكون حاملاً لمشروع لكنه لا يملك مثل هذا المشروع ولا أريد ان أطيل، لكنك قدمت بعض انطباعات رأيي فيها انها يجب ان تؤخذ في احجامها الحقيقية وان تستقبل في اطار الحالة العربية العامة وان تفهم في اطار المناخ العربي والساحة العربية وما فيها من عناصر واعتبارات.
لماذا تتسلح ايران نووياً؟
الاستاذ السيد ياسين: لا بد ان نتحدث عن هذا الدور الايراني الذي اتيح له ان يتمدد فاستغل الفرصة. فالمشروع الايراني في الواقع يطمح الى دور اقليمي والى دور دولي، لكنه يصطدم احياناً بعوائق من طراز انه دولة شيعية في محيط سني أو دولة فارسية في محيط عربي. ما تصورك للخطاب الايراني؟ هل أثر في الجماهير العربية؟ والى أي مدى؟
- السيد ياسين: أبدأ من حيث انتهى الاستاذ فهمي هويدي في الواقع لأنه اثار نقاطاً بالغة الاهمية. أولاً ليست هناك سياسة عربية موحدة ومنسجمة العناصر ازاء ما نطلق عليه احياناً دول الجوار، سواء كانت ايران أو تركيا. ونفترض أساساً أن هاتين الدولتين لهما مخططات معادية للعالم العربي، وهذه مقولة تحتاج الى اثبات. النقطة الأساسية هنا ان منطق التعايش في المنطقة يدعو الى اقامة علاقات وثيقة مع هاتين الدولتين، خصوصاً ان لهما علاقات تاريخية مختلفة مع الوطن العربي، وبالتالي نريد ان نبدأ من أهمية اقامة حوار وليس صراع مع هاتين الدولتين. وأنا رأيي ان امكانات الحوار لم تستنفد بعد، بل لعل الحوار لم يبدأ بعد كما ينبغي، فنحن نكتفي بالادانة أو بالنقد لهذه المخططات، انما من الناحية السياسية لا بد ان نفكر من وجهة نظر عربية قومية حول اهمية اقامة علاقات وثيقة مع هاتين الدولتين وننزع منها خطاب العداوة التقليدي، ونحاول ان نصل الى أرضية مشتركة للتعاون، وهذا هو مستقبل المنطقة في تصوري، أي الا نقيم عداء لا مع ايران ولا مع تركيا ولا مع اثيوبيا، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية تتعلق بالادراك الايراني للدور الذي تقوم به الدولة الايرانية، وقد نفرق بين المرحلة الخمينية والمرحلة الراهنة. المرحلة الخمينية كان ابرز ما ميزها مسألة تصدير الثورة الاسلامية. هناك مؤشرات كمية وكيفية تقول ربما ان هذا الخطاب الثوري انحسر الى حد ما، وان هناك اتجاهات براغماتية تتبناها النخبة الراهنة في ايران والتي تريد اقامة علاقات صحيحة وسليمة مع النظام الدولي بشكل عام متخلية عن الدعاوى القديمة التي كانت تثير العداوات في المنطقة. القضية الأساسية هنا ان لايران في حركتها السياسية في المنطقة للاستفادة - كما ذكر الاستاذ فهمي هويدي - من الفراغ الموجود في المنطقة. لديها طموح، بلا شك، ان تصبح قوة اقليمية كبرى في المنطقة. ولكن الخطأ الأكبر الذي يمكن ان ترتكبه النخبة الايرانية الحاكمة هو الاصرار على ان تصبح قوة نووية في المنطقة، لأن هذا، بالضرورة، سيصطدم مع مصالح القوى الغربية على المنطقة. انا تساءلت في مناقشة مماثلة: لماذا تريد ايران ان تسلح نفسها نووياً، وضد من؟ هل ضد الاتحاد السوفياتي؟ لقد انهار، ضد من اذن؟ لماذا يمول النظام مشروعاً طموحاً للتسليح سيكلف الشعب الايراني مليارات الدولارات؟ ولماذا لا ينصب هذا المجهود على التنمية لصالح الشعب الايراني ولصالح التعاون مع دول الجوار؟ هذه مسألة تشغلني كثيراً، خصوصاً ان المزاج العام، ان صح التعبير، للنظام الدولي هو تقييد التسليح وحصر الصراعات ومنع قيام حروب اقليمية. بل أكثر من ذلك هناك الآن حق التدخل في الدول الأخرى وهذه مسألة خطيرة وباسم الأمم المتحدة، لمنع قيام صراعات معينة. ولو صدق ما نشر عن اتجاه ايراني للتسلح النووي، فهو يعني انها تسير في الاتجاه نفسه الذي سار فيه العراق من قبل، ان تتسلح وتصبح قوة نووية ثم توجه اليها ضربة من القوى الدولية وتعود من جديد الى نقطة الصفر.
النقطة الثالثة والأخيرة موضوع حقوق الانسان والديموقراطية. طبعاً هذه المسائل قياسها بالغ الصعوبة، كما ذكر الاستاذ فهمي، والمسائل نسبية، لكن المسألة التي تهمني هنا تتعلق بالمشروع الاسلامي في ايران، هل هذا المشروع هو عبارة عن استبدال سلطوية علمانية تقوم على حزب واحد بشمولية دينية تمنع التعددية وتقتضي على المعارضين وقد تصفيهم جسدياً؟ هذه مسألة بالغة الخطورة، لأن المزاج العام، مرة اخرى، في النظام العالمي هو التعددية السياسية، هناك مرحلة انتقال في الدول العربية من السلطوية الى التعددية بنسب متفاوتة وبدرجات متفاوتة وبالتالي يصبح هذا المشروع الايراني مثيراً للخوف وللفزع لقطاعات واسعة من المثقفين والعاملين في السياسة. ومثال السودان واضح امامنا، السودان طبعاً تبنى نظرية المؤتمرات الجماهيرية ومنع قيام الاحزاب وصفى الخصوم، هل هذا هو مشروع الدولة الاسلامية كما هو مطروح؟ قد يكون هذا في حد ذاته احد اسباب العداء للمشروع الاسلامي في ايران وليس العداء للاسلام باعتباره ديناً بطبيعة الاحوال، لأن الاسلام ليس حكراً على أية جماعة تنادي به، وإنما عداء للمشروع السياسي في دولة اسلامية ما تريد ان تحل محل السلطوية العربية الراهنة.
لكن ما تأثير الخطاب السياسي الايراني على الجماهير العربية؟
- السيد ياسين: الخطاب الايراني لا يستطيع الوصول بسهولة، في تصوري، الى الجماهير العربية لأن القضية المطروحة هي: ما مضمون هذا الخطاب الايراني الذي يستخدم لغة خاصة مثل "المستضعفين" قد يستخدمها بعض التيارات الاسلامية السنية. لكن هذه قضية مطروحة من خلال جماعات سياسية اخرى، فموضوع العدالة الاجتماعية موضوع مطروح في المنطقة منذ 50 سنة، وموضوع الديموقراطية مطروح بصورة مختلفة، وبالتالي لا أتصور ان الخطاب الايراني يستطيع ان ينفذ الى جماهيرنا العريضة في العالم العربي.
ايران تريد حماية نفسها؟
ما حجم العلاقة التي تبدو قائمة بين حركات الاسلام السياسي الجديدة وبين ايران؟
- السيد ياسين: اعتقد ان العلاقات التي تقوم بين نظم أو دول لا تصل بالضرورة الى الجماهير. بعبارة اخرى يمكن ان ينشأ تعاون بين الحكومة السودانية وإيران يشمل خبراء عسكريين أو تدريباً، لكن لا يعني ذلك بالضرورة نفاذ هذا الخطاب الى الجماهير السودانية.
وماذا عن العلاقة بين حركة "النهضة" المنحلة في تونس وبين ايران أو بين الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر وبين ايران مثلاً؟
- السيد ياسين: هذا الموضوع يحتاج الى ان نعرف هل هناك فعلاً علاقات وثيقة وعضوية؟ طبعاً انا أتوقع ان هناك تعاطفاً بين الدولة الايرانية وبين التيار الاسلامي في الجزائر أو في السودان، لكن هل من المؤكد ان هناك علاقات تعاون؟ ليس عندي معلومات عن العلاقة بين ايران وبين النهضة مثلاً، وليس تحت يدي وقائع، لكن حالة السودان مختلفة لأن التعاون القائم: تعاون اقتصادي وتعاون سياسي وتعاون عسكري.
استاذ جميل مطر: خلصنا الآن الى ان هناك مشروعاً ايرانياً في مواجهة لامشروع عربي. لكن لا بد ان هناك امكانية لتحرك عربي من جديد في مواجهة هذا المشروع الايراني ولو حتى بالحوار، في تصورك كيف يمكن ذلك؟
- جميل مطر: أثيرت بلا شك نقاط مهمة جداً، فكرة الفراغ التي اثارها الاستاذ فهمي، المشكلة اننا تعودنا النظر الى الشرق الاوسط كمنطقة عربية وتغافلنا عن ثلاثة امور مهمة حاصلة في الشرق الاوسط. فالدولة لم تقوَ بعد بحيث تحافظ على امنها وعلى افكارها وعلى أيديولوجيتها، اذا وجدت، هذه الدولة لم تنشأ حتى اليوم، الدولة العصرية لم تنشأ في العالم العربي، يقابلها امران في وقت واحد: ان هناك تيارات تعبر كل هذه الدول، فهناك تيار ديني، وهذا لا يمكن نسيانه في العالم العربي، وتيار عروبي، ولكن الفراغ في المنطقة العربية من أين جاء؟ جاء لأن العروبة انحسرت لأسباب متعددة، منها خلافات الدول العربية، ومنها انقسامات القوميين العرب، ومنها وربما السبب الرئيسي فكرة الفصل بين الدين والعروبة. فقد ترسخ في عقول بعض المفكرين اننا اذا تكلمنا عن الدين لا نتكلم عن العروبة وإذا تكلمنا عن العروبة لا نتكلم عن الدين حتى فوجئنا بظاهرة ايران. ظاهرة ايران ليست جديدة، فهي موجودة كقضية في الشرق الاوسط منذ ايام الشاه. فهناك دولة عندها طموحات قومية وطموحات استراتيجية وطموحات امنية، ولكن الفرق بين ايران وتركيا ان تركيا كانت دائماً مهتمة بالنظر غرباً بينما ايران بحكم وضعها ايضاً متجهة غرباً ولكن الغرب مقفل امامها بفكرة العروبة المنفصلة عن الدين. ضعفت العروبة وظهر عنصر الدين، ولذلك انا اختلف مع الاستاذ سيد ياسين في نقطة ان ايران ليس لها تأثير كبير على الجماهير العربية، وأقول ان لها هذا الشأن لأن التيار الديني في المنطقة نشط، فاذا وجد وسيلة أو حافزاً جديداً من خارج المنطقة فهو يتعامل معه ولا أقول يؤيده أو يدخل معه في حركات تحت الأرض او حركات ارهابية، انما يتفاعل معه وهذا ما حدث في بداية الثورة الاسلامية فكان هناك فعلاً تفاعل شعبي في العالم العربي مع الثورة الاسلامية. ولم يوجد امامها في المنطقة العربية ما يمنع تحولها لظاهرة خارجية زاحفة على المنطقة، لم يوجد في لبنان ما يمنع ان يصبح لايران موقع أو قدم فيه. والامر الثاني المهم هو ان المنطقة كلها - عرباً وغير عرب - اصبحت منذ 300 سنة جاذبة للعنصر الخارجي، وفكرة الجاذبية تأتي أولاً لأن المنطقة فارغة أو فيها فراغ، فباستمرار كان استدعاء العنصر الخارجي علامة من علامات السياسات الداخلية والخارجية في المنطقة. ايران تستدعيه ولكن بشكل تحدٍ. الفكرة ايضاً - كما قال السيد ياسين - ان هناك خوفاً من ان ايران تقوى وتُضرب، وأنا أقول هنا لا، يمكن ان ايران تريد ان تقوى لكي لا تُضرب، يعني هنا عكس المثل المتعارف عليه. هكذا قد يفكر الايرانيون انه حتى لا نُضرب فلنستعجل، بسبب ظروف النظام الدولي المتغير، الحصول على اسلحة نووية في الفوضى الدولية القائمة فنمنع ضرب اميركا لنا. ومن هنا الاستعجال في التسلح النووي، وهو تسلح ليس موجهاً ضد المنطقة العربية لأن ايران لن تضرب دولة عربية بالسلاح النووي وإنما قد تعتبره سلاحاً دفاعياً في مواجهة خطر دولة أكبر مقبلة.
كيف تتوزع قوات ايران؟
اللواء احمد عبدالحليم: يبدو اننا وصلنا الآن الى نقطة مناقشة حقيقة القوة العسكرية لايران. القوة العسكرية الايرانية في تقديرك ما حجمها؟ وما مدى انتفاعها بالاوضاع الدولية المترتبة على انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وانتفاعها بالعلاقة مع جمهوريات آسيا الوسطى؟ أيضاً ما المجال الحيوي في تصورك لاستخدام هذه القوة وشروطه؟
- اللواء احمد عبدالحليم: الحقيقة أريد ان أبدأ من النقطة الخاصة بالتسليح النووي الايراني، فالمتعارف عليه والى حد كبير الموثوق به ان ايران تبني بنية اساسية فعلية لصالح التسلح النووي، ولكن التقدير العالمي في هذا الاطار انها لن تتمكن من الوصول الى حد الانتاج الفعلي لمثل هذا السلاح قبل حوالي عشر سنوات من الآن. وهناك الكثير من العناصر الاقليمية والدولية التي تراقب هذا النشاط بدقة، لكن لا تتحرك في اتجاهه نظراً الى انه لم يصل بعد الى المرحلة التي تتطلب التدخل، خصوصاً ان الموضوع النووي الآن مثار بشكل كبير جداً على الساحة، ولا ننسى في هذا الاطار ان في جوار ايران دولة اخرى متقدمة في اقامة هذه البنية الأساسية للتسلح النووي وهي باكستان.
السؤال المهم في هذا الاطار ايضاً: لماذا التسلح النووي؟ بشكل عام الاجابة عنه في سؤال آخر: لماذا التسلح النووي الاسرائيلي؟ التسلح النووي الايراني من منطلق الاستراتيجية الايرانية - في تقديري - يأتي من تملك هذا السلاح الذي يمكّن السياسة الخارجية الايرانية والسياسة الدفاعية الايرانية من تحقيق اهداف الدولة. وهذا يستلزم شيئاً من التحليل لعناصر الاستراتيجية العسكرية حتى يمكن لنا ان نتبين بناء القوة المسلحة الايرانية، وبالتالي يمكن لنا ان نقيس: هل هذه القوة خاصة بعمليات الدفاع عن ايران فقط؟ ام ان هناك فائضاً من هذه القوة يمكن ان يستخدم في استخدامات اخرى؟ لكن قبل ان انتقل الى هذه النقطة وهي تحليل الاستراتيجية العسكرية لايران وسياسة ايران الخارجية وسياستها الدفاعية، احب ان أثير مجموعة من النقاط المبدئية في هذا الاطار. استراتيجيا من الخطأ النظر الى ايران على اعتبار انها دولة ايديولوجية فقط، اي انها دولة دينية او تسعى الى تصدير الثورة الاسلامية أو الى انشاء الدولة الاسلامية، لأن هذا الكلام نوع من الخطاب يكمل شعارات اخرى كانت موجودة من قبل وموجودة حتى الآن، سواء في فترة الشاه او عملية بناء الدولة الاقليمية العظمى ورجل الشرطة في المنطقة، ثم يتغير الخطاب نتيجة للثورة خلال فترة جماعة الخميني ثم الفترة المعتدلة حالياً او البراغماتية كما ذُكر الآن. وهذا خطأ لأن لايران مصالح قومية تراعيها، ويجب ان تراعيها كأية دولة في العالم لها مفهوم خاص لأمنها القومي، ولها غايات وأهداف قومية تتواءم مع هذه المصالح ومع أهداف الأمن القومي وبالتالي لها استراتيجية قومية في اطارها يتم تخصيص الموارد اللازمة لتحقيق هذه الغايات والاهداف. أيضاً من الخطأ على رغم وجود الكثير من عناصر التشابه، ان نقارن بين الوضع في العراق قبل غزو الكويت والوضع الايراني الحالي على رغم ان هناك مظاهر كثيرة جداً في عملية التشابه. لكن الاهداف النهائية الى حد كبير مختلفة والاسلوب في تطبيق هذه الاهداف ايضاً مختلف. في هذا الاطار ايضاً لا بد ان نشير الى العلاقات العربية - الايرانية على رغم اننا سنعود اليها في مرحلة مقبلة. ولكن أقول منذ البداية ما دام ان الاهتمام الرئيسي بإيران في الفترة الحالية هو لتحقيق اهدافها القومية نتيجة لظروف ما موجودة في المنطقة على حساب مصالح اخرى موجودة، فهذا يعتبر نوعاً من العلاقات التي لا يمكن اصلاحها حتى يتغير الفكر السياسي والفكر الاستراتيجي للسلطة الحاكمة داخل ايران. وإذا نظرنا الى الاستراتيجية الراهنة وعناصر الاستراتيجية العسكرية بشكل اكثر تحديداً، فمن ناحية التهديد الموجه للدولة نجد انه ليس هناك تهديد مباشر موجه الى دولة ايران في المرحلة الحالية، على الاقل في ظل الظروف الراهنة للعراق.
اذا نظرنا الآن الى بناء القوة العسكرية الايرانية بشكل عام أقول: ان القوة العسكرية الايرانية الحالية كبيرة قياساً الى الدول الاخرى فضلاً عن تميّز ايران بمزايا استراتيجية لا تتوفر للعراق، مثلاً وجودها على شاطئ الخليج وتقدمها ناحية الجانب الغربي من الخليج. نقطة اخرى يجب ان تنبهنا الى القوة العسكرية الايرانية وهي ما نطلق عليه عملية التوزيع الاستراتيجي للقوات. فهناك ثلاثة اتجاهات استراتيجية لايران، وقد يكون الاتجاه الشمالي الذي كان مواجهاً للاتحاد السوفياتي قلت اخطاره، لكن هناك اخطاراً اخرى موجودة، وعلى رغم دخول ايران في تحالف مع تركيا وباكستان في المنظمة الاقتصادية الايكو فإن التخوف منهما يمكن ان يكون شاغلاً استراتيجياً للسلطة الموجودة في ايران. بالنسبة الى التوزيع الاستراتيجي، معظم القوات المسلحة الايرانية موجود غرب ايران وفي اتجاه العراق وفي اتجاه دول الخليج. وخطط العمليات العسكرية من الواضح انها الآن في هذا الاتجاه ايضاً، وهناك فكر استراتيجي دفاعي أو دفاع استراتيجي أو عملية دفاعية استراتيجية منظمة ضد العراق تحسباً لامكان تحوله مرة اخرى للهجوم او للعدوان على ايران، ولكن جزءاً كبيراً من هذه القوة موجود بالفعل في منطقة بندر عباس وفي المنطقة الموجودة شرق هذا الخليج. عنصر آخر يجب ان نرصده، وأنا أرصد فقط ولم أدخل الى مجال التحليل، هو التحركات العسكرية الايرانية، التحرك العسكري الوحيد الذي تم في الفترة الماضية في أعقاب حرب الخليج هو التحرك الايراني العسكري تجاه جزيرة أبو موسى والاستيلاء الكامل عليها. من هذا الشكل الاستراتيجي يمكن لنا ان نصل الى نتيجة وهي ان القوة العسكرية الايرانية استعادت توازنها، بل امكن للقوات المسلحة الايرانية ان تعيد بناء نفسها مرة اخرى في اطار الحرس الثوري الجديد والقيادات الجديدة والتدريب الجديد على اسس جديدة تمكّن ايران من ان تملك قوة عسكرية قادرة على تنفيذ أية أهداف للسياسة الخارجية. وسياسة الدفاع والسياسة الخارجية من الواضح تماماً انهما موجهتان الى الخارج الى حد كبير، خصوصاً ان حجم القوة المسلحة أكبر من المطلوب للدفاع الاستراتيجي عن الدولة، وهناك فائض من هذه القوة فأين يستخدم؟ هذه هي النقطة التي تحتاج الى التحليل. وعنصر آخر في السياسة الخارجية وسياسة الدفاع: ان كل ما تتطلبه سياسة الدفاع والاستراتيجية العسكرية يتم المصادقة عليه بواسطة السلطات السياسية حيث تخصص للقوات المسلحة المبالغ المطلوبة في هذا الاطار. ومثال الانفاق على البنية التحتية النووية واضح. والاستراتيجية العسكرية واضح انها تسعى الى تقوية القدرات الذاتية ثم انشاء نوع من التحالفات الجديدة على مستوى منظمة التعاون الاقتصادي، لكن هناك نوعاً من الاختلاف في اهداف السياسة الخارجية بين ايران وتركيا وباكستان. تركيا في اطار الحلف الأطلسي ولها توجهات ومطلوب منها ان تسيطر أو تتصل بجمهوريات آسيا الوسطى، وباكستان لها دور ما موجود تجاه الجمهوريات نفسها أو تجاه افغانستان الى حد كبير وبخاصة مع ما يطلق عليه وصول الحركات الاسلامية الى قمة السلطة في افغانستان. ايران تحاول ان تنشط هذا الحلف ولكنه لم ينشط بالدرجة الكافية.
تصدير الثورة مستمر
هناك ثنائية ايرانية اخرى في ما يتعلق بموضوع ترتيبات الأمن الاقليمي، فهي تعلن انها تقبل بترتيبات امن جماعي بشكل تدريجي وبشكل وظيفي وأيضاً تعتمد على تقوية علاقات اقتصادية وثقافية واجتماعية في الوقت الذي تقوم بفرض امن واقع بالقوة على جزيرتي طنب وجزيرة أبو موسى، وأيضاً في ما يتعلق بترديدها لنوعية من الشعارات السياسية بما يعد تدخلاً في شؤون الدول الاخرى، ثم هي ايضاً لم تقدم تصوراً واضحاً أو مشروعاً واضحاً لترتيبات الأمن يمكن ان يقال عنه رؤية ايرانية لترتيبات الأمن.
- الدكتور نيفين مسعد: لو سمحت لي قبل ان أتكلم في هذه النقطة، أود أن أعلق على نقطتين اثيرتا في النقاش، النقطة الأولى هي الخاصة بمسألة تصدير الثورة، والنقطة الثانية هي الخاصة بمسألة التسلح الايراني. في ما يتعلق بتصدير الثورة فالكلام عنها ورد في كلمتي الاستاذ سيد ياسين واللواء احمد عبدالحليم. الاستاذ سيد ياسين في رأيه ان نظام الرئيس رفسنجاني أقل ترويجاً لفكرة تصدير الثورة من نظام الخميني، واللواء عبدالحليم قال ان تصدير الثورة ليس شعاراً ايديولوجياً فحسب ولكنه يخفي وراءه مصالح براغماتية. انا اتفق مع هذه النقطة أو مع هذا التحليل الأخير، ولكني اختلف مع النقطة الخاصة بأن نظام رفسنجاني أقل تحمساً أو أقل اندفاعاً في مسألة تصدير الثورة. فالحقيقة ان ايران لا تملك ان تتخلى عن مسألة تصدير الثورة وإلا كانت تنفي اساسها الفكري أو أساسها النظري أو العقائدي. فمسألة تصدير الثورة كانت موجودة أيام الخميني ولا تزال موجودة، وستظل ما بقيت الجمهورية الاسلامية الايرانية، لكن تصدير الثورة في عهد رفسنجاني اختلف عنه في ايام الخميني من زاويتين اساسيتين: الزاوية الأولى هي ان اسلوب تصدير الثورة في ايام الخميني كان قائماً، في الأساس، على القوة والتهييج والاثارة، ولا يمنع ان هذا الاسلوب ما زال مستخدماً احياناً لكنه ليس الاسلوب الوحيد. فالمطروح حالياً من قبل نظام رفسنجاني هو اسلوب التصدير بالقدوة كنظام منفتح على العالم الخارجي يستقطب الاستثمارات او يكف يده عن الارهاب وينسحب من مناطق التوتر في افغانستان وغيرها. هو يحاول تصدير الثورة ولكن باسلوب آخر هو اسلوب القدوة وليس القوة، هذا هو مجال الاختلاف الأول. اما المجال الثاني فهو يخص المستهدفين بتصدير الثورة. في العادة كان المستهدفون بهذا التصدير هم الشيعة، وكان الخطاب الايراني في الأساس يرمي الى تهييج الشيعة العرب. ويمكن، اذا تتبعنا الظروف التي اندلعت فيها الحرب العراقية - الايرانية، ان نجد النظام العراقي في فترة من الفترات عند بداية الثورة الايرانية مستبشراً خيراً في هذه الثورة على أساس انها انسحبت من الحلف المركزي ومن الممكن ان تنضم الى حركة عدم الانحياز واعتبرها رصيداً يضاف الى العرب. ولم يكن هذا موقف النخبة الحاكمة في ايران، فهي على العكس اعتبرت ان صدام حسين يمثل عقبة اساسية في طريق انتشار الاسلام وقيل وقتها ان العراق يمثل التربة الاساسية او المجال الخصب لانتشار الثورة الشيعية. اذن كان هذا هو السلوك الايراني في بداية الامر. لكن ما يحدث الآن ان رفسنجاني لم ينسحب من تأييده للشيعة، ولكنه وسّع النطاق، وهذا ما يقودنا الى الحديث عن علاقة ايران بالحركات الاسلامية، سواء في الجزائر أو تونس أو أخيراً في الاردن وفلسطين، أي توسيع نطاق المستهدفين بهذا الخطاب. اما في ما يتعلق بمسألة التسلح، في الحقيقة هناك شكوك في ان الكثير من الكلام المحيط بمسألة التسلح الايراني يشوبه نوع من المبالغة، وبالذات في ما يتعلق بالعلاقة بين ايران وبين الجمهوريات السوفياتية. نحن نسمع عن مقايضة بين ايران وبين اوكرانيا، تصدير النفط في مقابل استيراد السلاح، مع العلاقات العسكرية بين ايران وبين روسيا وتصدير غواصات وما الى ذلك، ونسمع، بالدرجة الأولى، عن علاقات ايرانية مع الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى. وهناك في الحقيقة اكثر من نقطة لا بد ان نتوقف عندها: نحن نتكلم على هذا الموضوع، لكن هذه الجمهوريات الاسلامية في وسط آسيا اعلنت انها اكثر انجذاباً الى النموذج التركي منها الى النموذج الايراني. والنقطة الثانية ان هذه الدول لا تستطيع ان تفرط في الاستثمارات الغربية وفي الثقة الاميركية بالاندفاع وراء تسليح ايران، والنقطة الثالثة ان استيراد السلاح النووي في حد ذاته يحتاج الى توفير خبراء ومنشآت وتجهيزات ضرورية. فمسألة التسليح في حد ذاتها في ما يتعلق بجمهوريات آسيا الوسطى لا بد ان تؤخذ بشيء من الحذر.
وفي ما يتعلق بالنقطة الخاصة بالترتيبات الامنية، الحقيقة انا لا أرى ان هناك نوعاً من التضارب او الازدواجية بين ان تتحدث ايران عن أمن جماعي وفي الوقت نفسه تقوم بعمل عدواني بشيء من التوسع، كما حدث في أبو موسى، لأن هذا أحد الاساليب لفرض صيغة معينة للامن الجماعي. فإيران ترى ان مفهوم الامن الجماعي في الخليج يجب ان يكون خليجياً فقط، لأنه في ظل خليجية الامن يمكن ان يبرز الدور الايراني، لا سيما بعد تنحية القوة العراقية فهذا هو تصورها.
الاسبوع المقبل:
الحلقة الثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.