أثار فوز المرشح الديموقراطي بيل كلينتون في انتخابات الرئاسة الاميركية ردود فعل متباينة في انحاء العالم. لقد أبدى الاميركيون اهتمامهم بالسياسة الداخلية والاقتصادية، وكان ذلك هو السبب الرئيسي لحجب اصواتهم عن الرئيس بوش، بينما انزعج الاوروبيون لزيادة اهتمام أميركا بشؤونها الداخلية على حساب سياستها الخارجية، اما في الشرق الاوسط، والعالم العربي فقد تباينت آراء الحكومات بين مؤيد لفوز كلينتون ومتحفظ لهزيمة بوش. ويجدر بنا ان نبحث تأثير نتيجة هذه الانتخابات على مستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي، ولعلنا نتفق منذ البداية على ان الحزب الديموقراطي في اميركا اكثر تعصباً لاسرائيل من الحزب الجمهوري، وقد سبق ان قرر الكونغرس - بأغلبيته الديموقراطية - الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لاسرائيل، كما ان برنامج الانتخابات للرئيس كلينتون رفع شعار تأييد اسرائيل باعتبار القدس عاصمة لها ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس. ولذلك فمن المتوقع ان يكون الدور الاميركي في مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية منحازاً الى اسرائيل. من ها يجب ان تكون الدول العربية، اطراف المفاوضات في مؤتمر السلام، على وعي بهذه الحقيقة، وان تقف موقفاً صلباً للمحافظة على الحقوق العربية بانسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وضمان حقوق شعب فلسطين، ويجب ألا ننسى - نحن العرب - ان الولاياتالمتحدة لها مصالح حيوية في الشرق الاوسط والدول العربية، وبالتالي فانحيازها لاسرائيل يكون محدوداً حتى لا يصبح استفزازاً للعرب. اما بالنسبة الى أزمة الخليج، فقد كان موقف الرئيس بوش موضع نقد شديد من جانب كلينتون من حملته الانتخابية، لأنه يرى ان بوش وقف اثناء ادارة الحرب ضد العراق لتحرير الكويت من دون استكمال هدف رئيسي من أهداف هذه الحرب وهو اسقاط نظام حكم صدام حسين. هذا الامر قد يدعو الرئيس كلينتون عندما يتولى مهامه رسمياً في 20 كانون الثاني يناير 1993 الى اتخاذ مواقف متشددة ضد الرئيس العراقي حتى يعطي الانطباع بأنه يعالج شؤون السياسة الخارجية بفهم عميق، على عكس ما أشيع عنه من انه ليس قديراً في معالجة السياسة الخارجية. ومن المرجح ان تكون السياسة الاميركية في الخليج في عهد كلينتون لها أهمية خاصة وعناية فائقة تتناسب مع أهمية الخليج بترولياً واقتصادياً واستراتيجياً وهي السياسة الاميركية المقررة منذ عهد روزفلت حتى اليوم. وهذا يتطلب من دول مجلس التعاون الخليجي ان ترسم سياستها الخارجية مع الولاياتالمتحدة بمهارة وحكمة بحيث يكون حل الصراع العربي - الاسرائيلي محققاً للأهداف العربية العليا. ويعتبر موضوع التسليح في الشرق الأوسط من الامور الحيوية في ملف الصراع العربي - الاسرائيلي حيث تعمل الولاياتالمتحدة دائماً على ان يكون لاسرائيل التفوق العسكري على الدول العربية. وقد سبق ان اعلن كلينتون التزامه بتحقيق هذا التفوق، ويعني ذلك وقوف اميركا بجانب اسرائيل حليفاً مضموناً في المفاوضات الخاصة بالتسليح والامن الاقليمي في الشرق الاوسط، الامر الذي يؤثر على الأمن القومي العربي بطريقة سلبية. ولن يكون ذلك جديداً بالنسبة الى أميركا في عهد كلينتون، حيث انها سياسة اميركية ثابتة منذ انشاء اسرائيل. هذا الموضوع له أهمية خاصة في مفاوضات السلام حين تعالج اطراف المفاوضات الثنائية أو المتعددة موضوع امتلاك اسرائيل للأسلحة النووية من دون غيرها في منطقة الشرق الاوسط، وان منطقة الشرق الاوسط يجب ان تكون خالية من كل اسلحة الدمار الشامل، ولا شك انه سيكون موضوعاً خطيراً اذا وقفت اميركا بجانب اسرائيل لامتلاك اسلحة الدمار الشامل، بينما تحرم الدول العربية من امتلاكها لأي سبب، او تتخذ اميركا قراراً بالحد من تسليح الدول العربية بالاسلحة التقليدية في الوقت الذي تغدق على اسرائيل الاسلحة، بالكمية والنوعية، وفي التوقيتات التي تضمن لها التفوق الدائم على الدول العربية. وهذا ما يتعارض مع حل الصراع العربي - الاسرائيلي بطريقة بنّاءة ومتوازنة. وفي الختام أقول ان الصراع العربي - الاسرائيلي في عهد كلينتون يتطلب مهارة فائقة وحكمة زائدة من جانب العرب بحيث يستمر مؤتمر السلام، وإن اتسم عمله بالبطء من جانب اسرائيل، حتى يصل الى نتائج محددة تحقق الأرض مقابل السلام والامن لكل الأطراف. لقد مضى 44 عاماً حتى الآن على هذا الصراع الذي اشتمل على أربع حروب، بدأت اسرائيل ثلاثاً منها بهدف اغتصاب أرض فلسطين والتوسع على حساب الأرض العربية. وبدأنا - نحن العرب - الحرب الرابعة لتحرير اراضينا واستعادة حقوقنا. ولا يزال أمامنا استكمال تحرير الأرض العربية، وهذا حق، ونعمل على استعادة حقوق شعب فلسطين وهذا عدل، وتحقيق الحق والعدل هو السبيل الى السلام في هذه المنطقة. ان هدف السلام لا يزال بعيداً، وطريق السلام لا يزال طويلاً، وتتحمل الولاياتالمتحدة مسؤولية كبيرة لحسم هذا الصراع في عهد الرئيس كلينتون بتحقيق الحق والعدل. وفي تقديري ان السياسة الاقتصادية التي بسببها وصل كلينتون الى الرئاسة الاميركية لا تتعارض مع السياسة الخارجية التي تبقى على درجة كبيرة من الاهمية بالنسبة الى الولاياتالمتحدة، حيث ان السياسة الاقتصادية والسياسة الاجتماعية هما وجهان لعملة واحدة. ولا شك ان المصالح الاميركية في الشرق الاوسط بصفة عامة وفي المنطقة العربية بصفة خاصة تفرض على الادارة الاميركية الجديدة ان تضع التسوية السلمية للصراع العربي - الاسرائيلي ضمن أولويات السياسة الخارجية الاميركية بصورة تضمن الأمن والسلام في المنطقة، وبالتالي تضمن تحقيق مصالح أميركا اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً في المنطقة. ويجب ان تتذكر أميركا وكذلك أطراف النزاع ان الحرب الرابعة بين العرب واسرائيل فرضت حتميتها في تشرين الأول اكتوبر 1973 بعد أن أصبح لا بديل عنها، وستفرض الحرب الخامسة حتميتها إذا لم يكن هناك مفر منها. * وزير الدفاع المصري الأسبق.