"كلمة السر" في النهائية لم تصل بعد الى "المعنيين بالامر"، لكن الاوساط السياسية المطلعة عادة في بيروت تردد ان "من الصعب جداً" ان يؤلف الدكتور سليم الحص الحكومة اللبنانية الجديدة وان يتم انتخاب السيد حسين الحسيني رئيساً لمجلس النواب الجديد. وتضيف: "المرشح الاوفر حظاً لتأليف الحكومة المقبلة هو رشيد الصلح، والمرشح الاوفر حظاً لرئاسة مجلس النواب هو نبيه بري رئيس حركة أمل". الواقع ان الاوساط السياسية اللبنانية عاشت خلال الاسبوعين الماضيين في "أجواء" تأليف حكومة جديدة برئاسة الحص، واعادة انتخاب الحسيني رئيساً لمجلس النواب، على ان تتم الخطوتان في النصف الثاني من الشهر الجاري وبعد الانتخابات في منطقة كسروان - الفتوح التي ستجري يوم الاحد المقبل لملء المقاعد الخمسة المتبقية للطائفة المارونية مما يجعل مجلس النواب مكتمل العدد 128 نائباً بعدها. فاختيار رئيس الحكومة المقبلة يعكس الى حد كبير طبيعة المرحلة السياسية: فاما الاستمرار في ادارة الازمة واما الانتقال الى مرحلة جديدة من الإعمار واستكمال تطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف. ويقول قطب سياسي ان تكليف سليم الحص بتشكيل حكومة يطلق عليها اسم "حكومة انقاذ اتفاق الطائف" يعني ان المرحلة السياسية المقبلة تحمل في طياتها معالم تبشر بوجود قناعة محلية وخارجية بوقف التمديد للازمة السياسية وصولاً الى استيعاب المعارضة التي استنكفت عن خوض المعركة الانتخابية لحسابات بدت كأنها مدروسة، لكن سرعان ما تبين ان هذه الحسابات مستمدة من ظروف داخلية غير معطوفة على قوى اقليمية ودولية. ويعتقد القطب السياسي ان الفريق المقاطع للانتخابات انطلق في حساباته من ان مقاطعته ستجر الحكومة الصلحية الى تأجيل الانتخابات. واذا لم تفعل فان اللوائح ستأتي معلبة وستحسم المعركة لصالح المرشحين الرسميين. مما سيدفع بعدد من الدول الغربية الى عدم الاعتراف بالنتائج والى التشكيك بشرعيتها، لكنه سرعان ما اكتشف ان رهانه لم يكن في محله، انما في المقابل لم يعد في مقدوره التراجع. اما لماذا اخطأت المعارضة في حساباتها، وهل كان بامكانها، لو عدلت في موقفها، ان تتدارك المشكلة التي تهدد اللعبة السياسية في لبنان؟ يجيب على هذا السؤال مرجع روحي بارز بقوله ان الفريق الاكبر من الموارنة قرر العزوف عن خوض الانتخابات بعدما تبين له ان هناك صعوبة في تأمين الثلث المعطل داخل مجلس النواب المنتخب بحيث يتيح له هذا الثلث ممارسة حق النقض واستخدام الفيتو حيال اي مشروع قانون يحال الى المجلس ويعتبره هذا الفريق انه يهدد الخصوصية التي يتمتع بها لبنان. ويؤكد المرجع الروحي ان مجموعة الوزراء المسيحيين حاولوا اقناع المعارضة بالعدول عن موقفها والمشاركة في الانتخابات، وان هؤلاء اتفقوا في ما بينهم على اختيار مرشحين اقوياء لخوض الانتخابات عن دوائر جبل لبنان، شرط ضمان وصولهم الى الندوة البرلمانية، والا فسيبادرون الى الاستقالة من الحكومة. وبالفعل طرح الموضوع على بساط البحث في الاجتماعات التي عقدت للتفاهم على مخرج، الا ان الفريق الاكبر عارض هذه الفكرة بحجة ان سيطرته على معظم المقاعد النيابية في جبل لبنان لا تضمن له الحصول على الثلث المعطل. حتى انه لم يأخذ بوجهة نظر الوزراء المسيحيين حول استحالة تأمين النجاح لعدد من اللوائح المعلبة خارج محافظة جبل لبنان وبالتالي يمكن تأسيس تحالفات تؤمن مجيء بعض النواب الذين يمكن تصنيفهم على خانة المعارضة او لا ينساقون على بياض مع التيار الغالب في مجلس النواب. ومن هنا فان المعارضة وضعت امام نصب عينيها امكانية السيطرة على ثلث المجلس المنتخب. وعندما ايقنت بأنها ستواجه صعوبة، لجأت الى اتخاذ قرار المقاطعة بهدف تحقيق امرين: الاول تجنب الدخول في صدام مع الرافضين في المطلق لمبدأ اجراء الانتخابات في الوقت الحاضر وهم يشكلون قوة لا بأس بها ويتزعمها التيار المؤيد للعماد ميشال عون. والثاني يتناول الامتناع عن توفير الغطاء الماروني المطلوب لأي تشريع يحاول المساس بالخصوصيات اللبنانية، ويقصد بالخصوصيات اللبنانية، امكانية مبادرة مجلس النواب، بأكثريته، الى طلب الوحدة مع سورية او الغاء الطائفية السياسية وتكريس وتثبيت المرحلة السابقة وما شابها من اشكالات من جراء المآخذ على الطريقة التي اتبعت في تطبيق اتفاق الطائف. ولم تأخذ المعارضة بالوعود التي اعطيت لها والالتزامات التي اغدقت عليها. لا سيما لجهة عدم وجود استعداد لدى مجلس النواب لطلب الوحدة مع سورية وذلك لسببين: الاول ينطلق من تعارضه مع اتفاق الطائف الذي نص صراحة على ان لبنان سيبقى وطناً نهائياً لجميع بنيه، والثاني يعود الى عدم وجود "شهية" سورية بتذويب الخصوصية اللبنانية. وبما ان المعارضة لم تضمن الاحتفاظ بالثلث المعطل في مجلس النواب، فانها تسعى اليوم الى وضع شروط على دخولها الحكومة الجديدة، هي اشبه بالشروط التي طرحتها بطريقة غير مباشرة اثناء المفاوضات عشية الانتخابات النيابية. وتتمحور الشروط حول امرين: اما الاشتراك في الحكومة بشكل يؤمن المناصفة بينها وبين الموالين، او ضمان الثلث المعطل لها. ويبدو ان مثل هذه الشروط غير قابلة للتنفيذ، وربما يكون البديل في الاتفاق على برنامج عمل الحكومة الجديدة بحيث تستحصل على ضمانات مسبقة باقتصار مهمة الحكومة على انقاذ الوضع الاقتصادي لا سيما ان هذه المسألة تحظى باجماع اللبنانيين الذين يرزحون تحت وطأة تدهور اوضاعهم المعيشية. وبمعنى آخر فان المعارضة تشترط ان تأتي حكومة تتولى تصريف الاعمال بانتظار جلاء الموقف على جبهة المفاوضات التي يكثر الحديث عن احتمال التوصل الى نتائج ملموسة فيها. وتسعى المعارضة الى ضمان اتخاذ قرار يتعلق باعادة تمركز القوات السورية عند حدود منطقة البقاع، فيما يبدو ان القرار على هذا الصعيد مؤجل وربما ارتبط كلياً بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية. من دون ان يعني ذلك تعذر التفاهم على "نصف قرار" يأخذ بالاعتبار تجميل الوضع الامني لحساب "لبننة الامن"، خصوصاً ان القوات السورية كانت انكفأت من مواقع في بيروت والجبل. لكن يبدو الآن ان حظوظ الحص تضاءلت كثيراً، من جهة بسبب اعتراض الرئيس الياس الهراوي الشديد عليه، ومن جهة ثانية لأن الاجواء السياسية ليست ملائمة لتأليف حكومة اتحاد وطني خصوصاً بسبب شروط المعارضة "التعجيزية". وتبدو اسهم رشيد الصلح مرتفعة جداً لكن ليس من المستبعد تكليف عمر كرامي او طلال المرعبي تأليف الحكومة المقبلة. اما بالنسبة الى رئاسة مجلس النواب فان توتر العلاقات بين الهراوي وحسين الحسيني، وكذلك انزعاج "جهات نافذة" من الحسيني بسبب استقالته بعد الانتخابات في البقاع ثم تراجعه عن الاستقالة... هذه الامور، وسواها، قلصت حظوظ الحسيني وبات من المرجح ان يتم انتخاب نبيه بري يوم 20 من الشهر الجاري رئيساً لمجلس النواب.