القوة والسرعة وعنهما ينتج التطور المذهل، هما عنوان الزمن، وفي عصر كعصرنا هذا بما تنتجه التقنية من المعلوماتية والاتصالاتية الذي اختصر الأمكنة أو ألغى جغرافيتها، يجد الإنسان نفسه في مأزق التحدي الوجودي مع طبيعة عصر لا يعترف بالضعفاء ولا المتباطئين والكسالى. هذا التحدي بين إرادة البشر وإرادة الآلة، وعنهما يتعمق صراع أزلي بين العقل والوجود، لكن هذا الصراع في هذا العصر سيقول: إن كل الصراعات بين العقل والوجود في ما مضى كانت"مزحة"، نسبة لما ينتظره في الغد الذي يبدأ من لحظة"الآن"المتحركة من غير أي قدرة على ضبطها بعقارب الساعة، ولكنها قدرة الله الذي هو كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ. بين إرادة البشر وإرادة الآلة ومستقبل التنازع، كتب"ريموند كيزويل"مؤلفه الذي هو بعنوان"عصر الآلات الروحية... عندما تتخطى الكومبيوترات الذكاء البشري"، وريموند كيزويل يكتب عن الحياة في المستقبل ويقيد تنبوءاته عن عالم الغد الذي تتلاشى فيه الفوارق بين إرادتي الإنسان والآلة ليصير الخط الفاصل بين الإنسان وآلته باهتاً، وقد جعل"كيزويل"كتابه من ثلاثة أجزاء، الأول: سبر الماضي، والثاني: تجهيز الحاضر، والثالث: لمواجهة المستقبل... والجزء الثاني الذي قيد فيه أكثر من 100 صفحة يعتبر بالغ الأهمية في تشكيل معالم الوعي الباكر لغدٍ يزخر بحال وجودية مختلفة، وهذا ما أرغب أن يطلع عليه شبابنا وبناتنا قادة عصر الحكمة"القادمون الجدد"، حتى تتواصل معهم الأقدار الجميلة لبناء مستقبل إنساني يستحق العيش بقوة وفاعلية وسلام. أما صراعات العقل والوجود فهي فعلاً كانت في ما مضى مجرد"مزحة خفيفة"، أما اليوم والغد"الآن"المتحركة بالقوة والسرعة، فإنها فرصة للعقل أن يتبوأ مكانته العملاقة في التجميع الهائل، والتفكيك المتقن، والتركيب المبدع والتجاوز المعلوماتي، إذ وجد نفسه أمام الكم المعلوماتي الهائل ووسائطه مدهشة السرعة، وهو بذلك لن يجد نفسه في صراع مع الوجدان الذي يتلقى مصادره العليا بلغات لا تعتمد إدراكات العقل وسيطرته العلمية ووجوده الذهني، فهناك بداخلنا وعي لا تستوعبه العقول، لأنه بكل بساطة من أسرار الروح ومكنونات القلوب، تتجلى في حال يكون فيها الإنسان متسامياً في عالم غير الذي يراه! في عالم الملكوت الرباني، وليس أمام العقل إلا الاستنارة من قوة المعنى الوجداني، من دون محاولات السيطرة والقبض، وإلا فإن نهايته الجدلية عقيمة و"نهاية إقدام العقول عقال". * عضو مجلس الشورى. [email protected]