أيقونة التقدم الدولي    برئاسة المملكة والنرويج.. اجتماع لدعم جهود حل الدولتين والاعتراف بفلسطين    ولي العهد يبحث مع الرئيس الفلسطيني التصعيد في غزة    Google Maps أولوية الحركة لأصدقاء البيئة    الجبير وثياو يناقشان المستجدات الدولية حول حماية البيئة والحد من التصحر    اجتماع تنسيقي لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    الفراشات تكتشف تغيّر المناخ    فزعة تقود عشرينيا للإمساك بملكة نحل    العشق بين جميل الحجيلان والمايكروفون!    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    معايير دقيقة لأجمل مربّى برتقال    أعراض التسمم السجقي    السابعة اتحادية..    دوري السيدات.. نجاحات واقتراحات    ولي العهد يستقبل وزير الخارجية البريطاني    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    الخروج من مستنقع الحرب !    دافوس الرياض وكسر معادلة القوة مقابل الحق    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (37) من طلبة كلية الملك فهد البحرية    الإطاحة بوافد وثلاثة مواطنين في جريمة تستر وغسيل أموال ب200 مليون ريال    القبض على عصابة سلب وسرقة    العميد والزعيم من جديد.. الهدف أغلى الكؤوس    ليفربول يتوقع بقاء صلاح    حقائق حول محادثات الاحتلال وحماس        6 نقاط تفصل بنو قادس عن دوري روشن    محافظ العارضة يستقبل مفوض الإفتاء فضيلة الشيخ محمد شامي شيبة    الهيئة الملكية للجبيل وينبع    الشباب يسيطر على جوائز شهر أبريل في دوري روشن    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب    توقيع مذكرتي تفاهم لتعزيز استدامة إدارة النفايات    اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    السعودية للكهرباء تتلقى اعتماد العائد التنظيمي الموزون لتكلفة رأس المال على قاعدة الأصول المنظمة ب 6.65%    %97 رضا المستفيدين من الخدمات العدلية    فيصل بن بندر يستقبل مدير 911 بالرياض.. ويعتمد ترقية منتسبي الإمارة    مواهب سعودية وخبرات عالمية تقود الأوبرا الأكبر عربياً "زرقاء اليمامة"    جدة: القبض على مقيمين لترويجهما مادة الحشيش وأقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    أخبار سارة في تدريبات الهلال قبل الكلاسيكو    "جائزة الأميرة صيتة" تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    سياسيان ل«عكاظ»: السعودية تطوع علاقاتها السياسية لخدمة القضية الفلسطينية    أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة    أمير الرياض: المملكة تدعو لدعم «الإسلامي للتنمية» تلبية لتطلعات الشعوب    منصور يحتفل بزواجه في الدمام    إطلاق المرحلة الثانية من مبادرة القراءة المتجولة    دولة ملهمة    نائب أمير مكة يطلع على تمويلات التنمية الاجتماعية    ديوانية الراجحي الثقافيه تستعرض التراث العريق للمملكة    لقاء مفتوح ل"فنون الطهي"    فئران ذكية مثل البشر    إستشاري يدعو للتفاعل مع حملة «التطعيم التنفسي»    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتابه "يوميات الدببة" يوثق لأحداث خطيرة من التاريخ السعودي تتعلق بمسألة الإخوان "الشائكة" الرويس : المؤرخ السعودي يستولي على كل الفرص ... وبحوثه تعاني من "ضمور"
نشر في الحياة يوم 01 - 05 - 2012

الجلوس إلى الباحثين يجعلك تغرق بين المتون وتتوه في الدهاليز.. قاسم الرويس يقدم نفسه كرجل بسيط يتلمس دروب المعرفة ويبحث له عن كرسي في المشهد البحثي السعودي.. وكعادة الباحثين صمتهم تفكير وثرثرتهم موجعة. تغير الاتجاهات وتثير النقع..
التاريخ السعودي ما زال لغزاً أمام الكثيرين.. وما تزال خطوات الجهات ذات العلاقة بطيئة تجاهه.. لذا قيض الله لهذا التاريخ باحثين من أمثال قاسم الرويس ليقفوا بنا على أطلال الأحداث ويزيحوا الستار عن كثير من الأمور المغيبة..
يرى الرويس أنه في الآونة الأخيرة بدأت دور النشر الاهتمام بالبحوث ذات العلاقة بالتاريخ والمجتمع السعودي وتمنحها حيزاً من إصدارتها السنوية، ويرى في المقابل أن الباحث والمؤلف السعودي أجمل استثمار لدور النشر المختلفة..
وينتقد مسيرة المؤرخ الأكاديمي في جامعاتنا الذي يراه يتمتع بكل الدعم ولا يخرج منه نتاج يستحق ما صرف عليه.. فالى التفاصيل.
تعيش في الدوادمي ومسقط رأسك الخرج.. بين عيون الخرج واليسر واللين اللذين تمتاز بهما، وبين القسوة التي تتدرع بها الدوادمي.. أين أنت؟
- لو كنت قطرة من ماء عيون الخرج لانحدرت بي التضاريس إلى الأحساء، لأتشكل نخلة في واحاتها ولكن ذرات الرمل تأبى إلا أن تبحر باتجاه الجذور في عمق الصحراء لتتلظى بسمومها حتى يدركها الظمأ فما تزهق روحها إلا بتباشير المطر لتستحيل شيحاً وقيصوماً، إذ لا خرج ولا عيون، فأرض الميلاد بين الخفس وفرزان فجرت في حياتي الأحلام الوردية بأرض للميعاد في عالية نجد على رغم أنف الدرع العربي.
هل كان التحليل، وتفكيك رموز ما يدور حولك يسيطر على طفولتك؟
- جغرافية طفولتي تمتد من اليمامة إلى تهامة عبر نجد والحجاز تبعاً لعمل والدي رحمه الله، عشت خلالها في أربع بيئات مختلفة شكلت في ذهني تساؤلات وتساؤلات يبعثها الفضول والتطلع والمراقبة أكثر من التحليل والتفكيك.
بل إن بعض هذه التساؤلات ظلت عالقة في عقلي الباطن لم أجد لها إجابات تشفي الغليل إلا بعد سنوات طويلة، لأن أمواج الأسئلة الكثيرة للطفل الصغير كانت تتكسر على مصدات الخجل والهيبة، وفي أحيان أخرى تصطدم بغياب المعرفة، فمثلاً كان عليّ الانتظار سنوات لأعرف سر ما يسمى ب " قصر سعود "في البرة القابعة في أفياء جبل طويق الغربية تلك البلدة التي دلفت فيها إلى المدرسة لأول مرة.
الموروث والنقد للتاريخ
كيف ترى اهتمام الأجيال بالموروث والنقد للتاريخ وللأدب الشعبي عندنا؟
- من الناحية الشكلية الاهتمام بالموروث والآداب الشعبية في الوقت الحالي ظاهر جليّ فقد أصبح ترفاً إعلامياً ومظهراً احتفالياً ومورداً اقتصادياً وقد قامت على ضفته تجارة رائجة لا تبدأ بمزاينات الإبل ولا تنتهي بالقنوات الفضائية المتخصصة فصبغت تراثنا بألوان غريبة وفي وسط هذا الضجيج الفلكلوري الصاخب نتساءل عن الناحية الجوهرية فلا نجد مرجعية رسمية تتولى حفظ هوية هذا التراث وحمايته من التشويه وخدمته بالدراسات والأبحاث والتوثيق والتحقيق، ولذا فتسميته بالأدب اليتيم منطبقة عليه تماماً.
ولو التفتنا إلى مهرجان الجنادرية وجدناه مجرد مهرجان سنوي يغلب عليه الطابع الكرنفالي السياحي. وأما مسألة النقد في شتى فروع المعرفة فهو شبه غائب عن الساحة الثقافية عموماً، ولذا فلا تستغرب من يعتبر أن كل معلومات الويكيبيديا أو غوغل من المسلمات التي لا تقبل الجدل وهو لا يعي طريقة تحريرها.
عملك في التربية والتعليم هل منحك قدرة على البحث أكثر أم أنه أعاق انطلاقات لك؟
- لا شك أن ممارسة التعليم تدفع المعلم الجاد إلى القراءة والاطلاع والبحث والتقصي في سبيل استيفاء معلومة، وحين يتحول المعلم إلى باحث عن المعرفة فإن ذلك تطور طبيعي وليس طفرة جينية...وعلى رغم ذلك فلا أنكر أن عملي في التعليم قد أخّر انطلاقة بحوثي التاريخية كثيراً.
هل تتمنى فرصة احترافية للعمل الموسوعي الذي تقوم به؟
- لا يمكن أن يكون أصحاب الكرة أكثر فائدة للمجتمعات من أصحاب الفكر والقلم، ولو نال الباحثون والعلماء والمفكرون عُشر الاهتمام بمن يركلون الكرة بُكرة وعشيّاً لما كنا من دول العالم الثالث...فالاحتراف أمنية لكل باحث وأنا زعيم بأن احتراف الباحثين لن يؤدي إلى أي هزيمة نكراء بل ربما أسهم ذات يوم في أخذ الثأر لأولئك من الألمان والنيوزلنديين.
كيف ترى تحولات المجتمعات عبر العصور.. هل تتم وفق نسق تاريخي منظم أم أن لكل عصر تاريخه ونسقه؟
- أما السنن الكونية فلا تتغير ولا تتبدل...والمتأمل في أسباب قيام الدول وسقوطها عبر التاريخ يجدها تتم في نسق تاريخي منتظم، وما ذكره ابن خلدون في هذا الباب نجده يتكرر في مختلف العصور... ولكن هذا لا يمنع ظهور أنساق جديدة تتماهى مع ثورة الاتصالات والمعلومات ربما تكون ربيعاً وربما تكون خريفاً.
متى يكون استخدام التاريخ سيئاً برأيك؟
- إذا كان يكتب بحسب الطلب ويفصّل بمقاسات محددة سلفاً.
تاريخ الخلفاء الراشدين والصراعات بين الصحابة.. لماذا لم تخمد فتنه بعد؟ ومن السبب في تأججه حيناً بعد حين؟
- ما درسناه في سني التعليم الأولى وما عليه أهل السنة والجماعة أن أصحاب محمد أفضل أصحاب لأفضل نبي وبخاصة الخلفاء الراشدين ويجب علينا محبتهم والترضي عنهم والكف عما شجر بينهم.
وما يفعله البعض من الخوض في تلك الفتنة وتصعيدها بالتزامن مع الأزمات السياسية في المنطقة لا يمكن أن نحمله على غايات علمية أو مقاصد تاريخية، لكنه مرتبط بمصالح تسعى لتوسيع فجوة الخلاف بين المسلمين وإعادة الفتنة لتحقيق مآرب سياسية أو طائفية أو فكرية، وقد اطلعت على عمل لمحمد الشنقيطي بعنوان" رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ" سعى فيه إلى تأصيل مسألة عدم الكف عما شجر بين الصحابة بوضع قواعد ربما لا يستطيع لا هو ولا راشد الغنوشي الذي قدم له أن يلتزموا بها فما بالك بالآخرين!
فالتنقيب والتنبيش في محاذير أوراق طواها التاريخ 14 قرناً لإسقاط مضامينها على واقع الأمة اليوم هدفه إكساب الطموح السياسي والطائفي والفكري غطاء شرعياً يبيح له انتهاك ما يريد انتهاكه.
المؤرخين في المملكة
هل صحيح أن المؤرخين في المملكة وفي العالم العربي يعيشون حقبة لا تسر، بواقعهم المعيشي، وبواقعهم التخصصي؟
- لدينا نوعان من المؤرخين فالمؤرخ الأكاديمي في المملكة يعيش في بسطة من العيش ويستولي على كل الفرص ويلاقي كل الدعم، ولكن بحوثه على رغم تشبثها بالحضور والترقيات الأكاديمية وأوعية النشر المفتوحة تعاني من ضمور في عضلات البحث العلمي كما أشار علي العميم من قبل، ودعاوى التزام المنهج العلمي على حساب المضمون غير مبررة، وعلى رغم ذلك فهناك نماذج كثيرة مشرّفة نقف لها احتراماً وتبجيلاً.
أما المؤرخ غير الأكاديمي فهو مدفوع بشغف التاريخ للبحث فيه فيبذل الغالي والنفيس ويلاقي العنت والتضييق في سبيل ذلك، ولكنه يتجاوز كل العقبات في سبيل خدمته للعلم والتاريخ والوطن لينجز مشاريعه التي لا يفكر فيها أي أكاديمي من الأنس أو من الجن، وبخاصة في التاريخ المحلي وجيل الرواد خير شاهد فضح العجز الأكاديمي طوال نصف قرن.
لماذا تاريخنا المحلي الكثير فيه نسي منسي؟ وهل هناك خطر عليه من الضياع؟
- هذا ما تسأل عنه المؤسسات الرسمية والمراكز العلمية والمؤرخين الأكاديميين، لأن المؤرخين الأفراد والمؤسسات الخاصة كالدائرة والتراث والفرقان ما زالوا يردمون تلك الهوة ويؤرخون لما أهمله المؤرخ الرسمي بجهودهم الذاتية ومبادراتهم التطوعية...
نعم لقد فقدنا شهادات الكثير ممن عاصروا الأحداث...وغبنا عن بعض الفترات التاريخية...وأهملنا بعض المصادر...وتجاوزنا ما لا يمكن تجاوزه ...وسكتنا عما لا يصح السكوت عنه، ولكن لنتساءل بطريقة أخرى هل هو نسيان أم تناس لتلك الأجزاء من التاريخ المحلي؟! وعلى رغم ذلك فلن تتخيل حجم التاريخ المحلي الخام الذي ما زال محفوظاً في إضبارات الإهمال منتظراً من ينفض عنه غبار اللامبالاة...
كيف ترى تفاعل دور النشر مع كتب البحث والباحثين؟
- الباحث والمؤلف السعودي عموماً يعيش أزمة نشر حقيقية فإذا كانت دور النشر الغربية تدفع للمؤلفين الملايين فإني أعرف كثيراً من المؤلفين يدفعون الآلاف لدور النشر المحلية أو العربية للموافقة على نشر كتابه، ولا يستفيد من مبيعاته مليماً، وأكثرهم يقع فريسة لناشر عربي محتال، فالسعوديون صيد ثمين أينما حلّوا وكيفما ولّوا!! فصناعة النشر في العالم العربي لا تريد أن تعمل باحترافية تقلل من دخلها فتصر على استغفال المؤلف! وعموماً دور النشر تتفاعل عادة مع الكتاب الذي تظن أنه لن يبقى في مستودعاتها.
ولذا فمعظم هذه الدور تبحث عن الربح وهو حق مشروع، ولذا فالكتب الجادة لا تلقى رواجاً في الأوساط العامة كالروايات المتهتكة على سبيل المثال، ولكن أتصور أن الربيع العربي صحح بعض هذه المفاهيم، وبالنسبة إليّ فأرى أنه ولادة دار نشر مثل"جداول"قد بعث بعض الأمل في نفوس الباحثين، لأن القائمين عليها كما أعرفهما ينظران لهذه الدار كمشروع ثقافي رصين وليس كاستثمار تجاري ثمين.
يوميات الدبدبة
" يوميات الدبدبة"... لماذا منحتك ضوءاً أكثر وتداول الناس فيه اسمك أكثر؟
- ربما كانت الأضواء وتداول الناس لاسمي إن صح ذلك قد بدأ مع كتابي الأول" المسبار" الذي أثار ضجة كبيرة، على رغم عدم فسحه من وزارة الإعلام، ثم كانت هناك أصداء طيبة والحمد لله لكتابي عن رشدي ملحس وكذلك البلاغات الرسمية.
ولكن"يوميات الدبدبة"كان كتاباً مختلفاً ومشوّقاً لأنه تميز بمزجه بين أدب الرحلات وأدب المذكرات ومزاوجته بين التاريخي والجغرافي والسياسي والعسكري، ويكشف عن معلومات تاريخية غائبة، ولمحات اجتماعية نادرة"فإذا علمنا أنه يوثّق لأحداث خطيرة في مرحلة حاسمة من تاريخ المملكة العربية السعودية تتعلق بمسألة الإخوان الشائكة والعلاقات مع دول الجوار، ويتناول وقائع شارك فيها جيش من أكبر الجيوش في تاريخ حروب التوحيد، ويذكر تفاصيل لم يسبق إليها.
إضافة إلى شخصية كاتب اليوميات يوسف ياسين الذي كان ملازماً للملك عبدالعزيز ومحيطاً بأسرار الدولة طوال 30 سنة، مع كونها أول مذكرات يومية تسجل بالتفصيل مجريات آخر الغزوات التي قادها الملك عبدالعزيز في جهاده الطويل ولذا فإني أتصور أن تفاعل الناس مع كتاب له هذه القيمة والأهمية أمر طبيعي وقد عملت جهدي لإخراج هذه المذكرات بصورة أكمل وأجمل من خلال ما أضفته عليها من التعليق والتوثيق خدمة للتاريخ الوطني.
نشر بعض الكتب التي تتناول حدثاً في تاريخنا.. ما مدى تفاعل الناس مع ما يكتب ... ولم هناك من يشكك كثيراً في مثل هذه الكتب؟
- هناك صورة نمطية متشكلة في كثير من الأذهان هي أن ما ينشر عبر القنوات الرسمية وما يؤلفه الرسميون هو غير محايد بالضرورة، وأن ما يفسحه الرقيب لا يذكر الحقيقة، بينما تتجلى الحقيقة بين يدي ما يمنعه الرقيب، وهذه صورة مركبة خاطئة في الجانبين وعامة الناس يتفاعلون مع الأعمال التاريخية بعواطفهم وحدها.
ولذا فلا تعويل على أحكامهم، لأن الحقائق التاريخية ليس من السهل الوصول إليها ولا تعتمد على مصدر واحد، ولكن التزام الأمانة العلمية واستصحاب المنهج واستحضار أصول البحث وقدرات الباحث على الاستنتاج والتحليل والنقد مؤشرات مهمة تقوي الثقة في الكتاب وهي الفيصل عند المتخصصين.
لك رواية مخطوطة.. وديوان شعر أيضاً.. كيف ترى ركضك في هذا النسق الأدبي.. ومتى ستطبع هذين الكتابين؟
- الحقيقة أن قدومي إلى محطة التاريخ كان من خلال بوابة الأدب فقد كان الشعر يجري في دمي وكانت الكتابة تجري بيدي فجربت كل الأجناس الأدبية كوسيلة للتعبير قبل الصحافة وبعد الصحافة، ولكن انصرفت بعد تشكل هويتي الثقافية عن الإبداع الأدبي إلى البحث المعرفي مكتفياً بالمقالة كنافذة أدبية أتنفس من خلالها.
ولكن ما يزال الوجدان يفيض بما يضيق به الصدر في معظم الأحيان فتولد القصيدة مخلّفة الانشراح...وأما الرواية المخطوطة فقد جعلتها وعاء لقراءة حدث تاريخي/اجتماعي معين لأنها جنس أدبي يستوعب الرمزية والتابو بشكل مثالي...وأما الديوان فهو مجموع لقصائدي النبطية...وهي جاهزة وتنتظر الوقت المناسب لطباعتها.
تجربتك مع الكتابة الصحافية.. كيف تصفها.. وما أبرز ملاحظاتك عليها؟
- تجربتي الصحافية بدأت منذ 20 سنة وكانت منطلقاً للسباحة في فضاء الإعلام والثقافة وشكلت جسراً للتواصل بيني وبين الناس وطريقاً لبناء علاقات وروابط وثيقة مع أرباب الفكر والقلم في فترة شطّ بي الزمان والمكان عن الأوساط الثقافية...ساعدني الركض المستمر في ميدانها على تطوير الأدوات والأساليب وتكوين رصيد ثقافي ومعرفي يتنامى مع الأيام فالاستمرار في الكتابة يؤدي إلى ديمومة القراءة والاطلاع.
كما أن الكتابة التخصصية في صفحة خزامى الصحاري في صحيفة"الرياض"التي احتضنتني منذ 12 عاماً عمّقت أبحاثي في الثقافة الشعبية والمسائل الأدبية والتاريخية وطوّرت قدراتي على النقد وطرح القضايا والتعليق على الأحداث في هذا المجال.
وبالمقابل فإن ما كتبته في صحيفة"الاقتصادية"في فترات متقطعة كان له لون آخر وتأثير مختلف في أوساط النخبة، وبالمجمل فإن تجربتي الصحافية تجربة جميلة ما زلت أعيش نشوتها شاكراً أول رجل دعاني للكتابة المنتظمة وهو علي الموسى، ولا أنسى صديقي محمد السيف الذي أتاح لي فرصاً ثمينة لنشر كتابات من العيار الثقيل.
موروثنا الشعبي.. هل ينال اهتماماً من النقاد يليق به؟
- تكاد تكون الثقافة العربية هي الوحيدة التي تتخذ من ثقافتها الشعبية موقفاً سلبياً نتيجة لقناعات أيديولوجية رافضة وتوجهات نخبوية مناوئة، تجعل المأثور الشعبي والتنمية الحضارية للمجتمع ضدين لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً! فعلى رغم ارتباط هذا الموروث بالهوية الوطنية التي ينبغي تكريسها حتى لا تذوب في بحر العولمة المتلاطم الذي لا يعترف إلا بثقافة الأقوى إلا أن هناك من المثقفين والأكاديميين من يراه سوأة يجب إخفاؤها فعن أي نقاد تريدني أن أتحدث؟!
اهتمامك بسير الأشخاص الذين أثروا المشهد من رشدي ملحس ليوسف ياسين.. ماذا يكمن وراءه؟
- يكمن وراءه إدراك واسع بأهمية ما قدمه هؤلاء لثقافتنا وتاريخنا في وقت تكتب فيه سير الخاملين الذين لا أثر لهم! والمتأمل في سيرة رشدي ملحس أو سيرة يوسف ياسين يتعجب من تجاوز الثقافة السعودية لحضورهما الذي لا يمكن تجاوزه بهذه السهولة.
والحقيقة أن في سير الرجال مفاتيح التاريخ وفي تدوينها شيء من الوفاء، على رغم أن تركيزي ينصب على الاهتمام بإنتاجهم الثقافي بالدرجة الأولى وتسخيره لخدمة التاريخ السعودي.
وإضافة إلى هؤلاء فإني أعمل على مشروع لرجالات الشام الآخرين الذين كان لهم اتصال وثيق بالمملكة العربية السعودية، التي شكلت حضناً دافئاً لعدد كبير منهم، كالشيخ محمد كامل قصاب وبهجت البيطار وفؤاد حمزة وخير الدين الزركلي وشكيب أرسلان وأمين سعيد وفوزي القاوقجي ونبيه العظمة ومدحت شيخ الأرض وخالد الحكيم، ووصولاً إلى علي الطنطاوي ومنير العجلاني ومعروف الدواليبي، ومروراً بالثوار السوريين ورجالات الحركة الوطنية الذين آواهم الملك عبدالعزيز أبان الاستعمار الفرنسي لبلادهم وعلى رأسهم عادل أرسلان وسلطان الأطرش.
ومن هؤلاء من خدم تاريخ المملكة بكتب خاصة وفاء لها كالزركلي وحمزة والعجلاني وأمين سعيد ومنهم من تناثرت كتاباته بين السلب والإيجاب ولكن تظل سيرهم وأعمالهم ومذكراتهم شاهداً يجب استنطاقه والتعليق عليه بحكم علاقته بتاريخنا، ومما أسعدني كثيراً خبر حصول بعض الجهات على مذكرات فؤاد حمزة وكذلك مذكرات يوسف ياسين والسعي جار لنشرهما.
المرأة والكتابة البحثية
لمَ المرأة ليست حاضرة ضمن اهتماماتك الكتابية والبحثية؟
- قبل أن تتحول المرأة في الفترة الأخيرة إلى مشجب إعلامي لناشطين لا نشاط لهم، وبوق للعزف على جراح الوطن لبعض أولئك والنظرة إليها كانت وما زالت نظرة احترام وتقدير متوازنة ومتزنة ضمن الإطار الشرعي والاجتماعي، ولذا فهي حاضرة معي حيث كنت.
بل إن مقالاتي وبحوثي المنشورة تشهد بذلك فقد كتبت عن تجربة الشاعرة"بنت البلد"وكتبت بحثاً بعنوان:"المرأة الرمز الأمثل للجمال"وكتبت بحثاً آخر عنوانه"المرأة في البيئة البدوية"في المرحلة الأولى من النشر الصحافي واستمر اهتمامي بالمرأة من الناحية التاريخية والإبداعية فكتبت مقالات تاريخية عن"غالية البقمية"وعن"راعية الإبل الإنكليزية"، واستعرضت تجارب عدد من الشاعرات من أبرزهن العملاقة"وحيدة السعودية"في وقت كانت المجلات الشعبية لا تهتم إلا بفتيات الغلاف.
ومن المفارقات العجيبة أنك تسألني هذا السؤال متزامناً مع سؤال وجهته لي الشاعرة وحيدة السعودية في تويتر نصه:"هل أنت كاتب هذا المقال وحيدة السعودية راعبية بين غصون الخنساء وبخوت قبل 8 سنوات عندما كان شعري مهمشاً إذا كنت كاتب المقال فقد يسّر لي تويتر شكرك بشكل مباشر".
وحين بكت وتباكت الأقلام على الشاعرة مستورة الأحمدي بعد موتها كانت قراءتي لديوانها"حروف لا تجر"حاضرة وهي على قيد الحياة، ولعل آخر حضور للمرأة في كتاباتي هو احتفائي بكتاب الدكتورة دلال مخلد الحربي"المرأة في نجد"، الذي حصل بعد ذلك على جائزة وزارة الثقافة.
فالمرأة محور لا يمكن إغفاله في جميع الدراسات الإنسانية ولديّ مشاريع مستقبلية حولها، ولكني لست من هواة"الركمجة"التي تشهدها وسائل الإعلام لأن قضايا المرأة العامة تهمنا جميعاً ولكن كتاباتي متخصصة.
صحيفة " أم القرى"
كيف تنظر لصحيفة أم القرى.. لم لا نشعر كمجتمع بحرص عليها؟
- صحيفة" أم القرى"هي الصحيفة الرسمية للدولة السعودية منذ ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى دولته، وصدر عددها الأول بتاريخ 15/5/1343ه الموافق 12/12/1924 في مكة المكرمة وتعتبر أول صحيفة سعودية، وإضافة إلى كونها سجل الحكومة الرسمي الذي تدون فيه القرارات الرسمية للبلاد كالبلاغات والأوامر والأنظمة والمراسيم الحكومية.
وفيها توثيق للحوادث الداخلية والعلاقات الخارجية، وهي لسان حال الدولة الذي يعبر عن سياساتها واتجاهاتها، وهي الصوت الذي يدافع عنها ويحامي من دونها ضد الأعداء، كم أنها تضمنت كثيراً من خطب الملك عبدالعزيز ومراسلاته ورحلاته، ويستفيد الباحث في التاريخ السعودي من هذه الصحيفة كمصدر مهم في درس عدد من الجوانب مثل: العلاقات السعودية مع الأشراف، مشاريع الإصلاح الاجتماعي كتوطين البدو ونشأة الهجر، العلاقات السعودية اليمنية، أخبار الوقعات والمعارك الحربية، العلاقات الخارجية للدولة السعودية الحديثة، الأحوال الداخلية للبلاد، التطور الإداري والاقتصادي، الحركة الأدبية والفكرية.
ولا تقتصر أهمية أم القرى على أسبقيتها التاريخية فحسب بل تمتد إلى كونها الصحيفة الوحيدة التي استمرت في الصدور إلى الآن في حين أنها تعتبر المصدر الصحافي الوحيد للفترة الداخلة في نطاق هذا العمل من 13431351ه وكذلك فترة أخرى هي فترة الحرب العالمية الثانية 19411945، إذ توقفت جميع الصحف بسبب نقص الورق.
وتعتبر أم القرى كنزاً تاريخياً وثائقياً ثرياً لا يستغني عنه المؤرخ أو الباحث بل هو جدير بالتنقيب لاكتشاف ما يحتوي عليه من النفائس والمجوهرات، وعلى رغم الأعمال العديدة التي قامت على المواد المنشورة في صحيفة أم القرى إلا أنها ما زالت مجالاً خصباً للبحث التاريخي، وما زال هناك قصور واضح في تكشيفها وفهرستها، على رغم بعض الجهود لدارة الملك عبدالعزيز وللدكتور منصور الحازمي وغيرهما.
وما زلت أرى أنها معين تاريخي لا ينضب ومصدر وثائقي موثوق، فهناك جوانب مهملة من تاريخنا لم يلتفت إليها الباحثون، على رغم تجليها في صفحات هذه الصحيفة، وفي كتابي البلاغات الرسمية استخرجت منها 444 من البلاغات الرسمية في عهد الملك عبدالعزيز كان جمعها أشبه بالمستحيل لولا نشرها في أم القرى! على أي حال هي أكملت قبل أيام قليلة عامها 90...
ونستطيع أن نقول أنها في ال 40سنة الأخيرة طمست تاريخها المشرق وتحولت إلى قناة للإعلان عن مناقصات الحكومة، فلا يبحث عنها إلا المقاولون ودوائر المشتريات، على رغم أنها ما زالت السجل الرسمي لنشر وثائق الحكومة.
ولكن ما زلنا ننتظر من رئيس تحريرها المثقف الرائع حسين بافقيه أن ينتشلها من دياجير الجمود الرسمية ليعيدها إلى وهج الصنعة الصحافية لتنافس الصحف الأخرى في منافذ البيع.
قاسم الرويس: التاريخ المحلي الخام ما زال منتظراً من ينفض عنه غبار اللامبالاة. &
سيرة ذاتية...
من مواليد عام 1389ه/1969 في بلدة اليمامة في محافظة الخرج.
تخرج في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض سنة 1413ه/1993.
يعمل مشرفاً تربوياً في إدارة التربية والتعليم بمحافظة الدوادمي.
الاصدارات العلمية
- كتاب" المسبار: نظرات في بعض كتب التاريخ والقبائل والأدب الشعبي "،
- دار بيسان، بيروت2009.
- كتاب" مسائل الجوار والحماية عند البادية في الجزيرة العربية"، دار ثقافة، أبوظبي 2009.
- كتاب" رشدي ملحس من نابلس إلى الرياض "، جداول للنشر والتوزيع، بيروت 2011.
- كتاب" البلاغات الرسمية المنشورة في جريدة أم القرى "، جزأين، جداول للنشر والتوزيع،
بيروت 2011.
- كتاب" يوميات الدبدبة ": جداول للنشر والتوزيع، .
الأنشطة والمشاركات
مستشار غير متفرغ للبحوث التاريخية في دارة الملك عبدالعزيز
له اهتمام خاص بتاريخ الجزيرة العربية وتراثها وآدابها ويركز في أبحاثه على
دراسات تاريخ المملكة العربية السعودية بخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.