توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    أرامكو تبدأ طرح 1.5 مليار سهم    القهوة السعودية.. رمز الأصالة والضيافة    "الدفاع" تفتح باب التسجيل بالكليات العسكرية للخريجين    "مسبار" صيني يهبط على سطح "القمر"    الأهلي يلاقي الأهلي المصري في اعتزال خالد مسعد    تواصل تسهيل دخول الحجاج إلى المملكة من مطار أبيدجان الدولي    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    السعودية تتوسع في تجربة تبريد الطرق بالمشاعر المقدسة لمعالجة "ظاهرة الجزيرة الحرارية"    كارفخال يشدد على صعوبة تتويج الريال بدوري الأبطال    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    «الصهيونية المسيحية» و«الصهيونية اليهودية».. !    البرلمان العربي يستنكر محاولة كيان الاحتلال تصنيف الأونروا "منظمة إرهابية"    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    عدا مدارس مكة والمدينة.. اختبارات نهاية الفصل الثالث اليوم    جنون غاغا لا يتوقف.. بعد أزياء من اللحم والمعادن.. فستان ب «صدّام» !    توجيه الدمام ينفذ ورشة تدريبية في الإسعافات الأولية    جامعة بيشة تحتفل بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها    أمير تبوك يهنئ نادي الهلال بمناسبة تحقيق كأس خادم الحرمين الشريفين    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تفعّل خدمة «فعيل» للاتصال المرئي للإفتاء بجامع الميقات    غرامات وسجن وترحيل.. بدء تطبيق عقوبة «الحج بلا تصريح»    المملكة تستضيف بطولة العالم للراليات 2025    الهلال.. ثلاثية تاريخية في موسم استثنائي    المملكة تدعم جهود الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار    آرسنال يقطع الطريق على أندية روشن    الإسباني" هييرو" مديراً رياضياً للنصر    فرنسا تستعد لاحتفالات إنزال النورماندي    التصميم وتجربة المستخدم    مقاطع ريلز التجريبية أحدث ميزات «إنستغرام»    الدفاع المدني يواصل الإشراف الوقائي في المسجد النبوي    إحباط تهريب 6,5 ملايين حبة كبتاغون في إرسالية "إطارات كبيرة"    «المدينة المنورة» صديقة للتوحد    لهو الحيتان يهدد السفن في المحيط الأطلسي أرجعت دراسة ل "اللجنة الدولية لصيد الحيتان"، سبب    تعزيز العلاقات الاقتصادية مع ايطاليا    «تراث معماري»    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    اطلاق النسخة الثالثة من برنامج "أيام الفيلم الوثائقي"    البرامج    قصة القرن 21 بلغات العالم    قيصرية الكتاب: قلب الرياض ينبض بالثقافة    تكريم «السعودي الأول» بجائزة «الممارسات البيئية والحوكمة»    تعاون صناعي وتعديني مع هولندا    "أسبلة المؤسس" شهود عصر على إطفاء ظمأ قوافل الحجيج منذ 83 عاماً    توزيع 31 ألف كتيب لإرشاد الحجاج بمنفذ البطحاء    روبوتات تلعب كرة القدم!    تركيا: تكاثر ضحايا هجمات الكلاب الشاردة    إصدار 99 مليون وصفة طبية إلكترونية    ورشة عن سلامة المختبرات الطبية في الحج    توصيات شوريَّة للإعلان عن مجالات بحوث تعزيز الصحة النفسية    شرطة الرياض تقبض على مقيمَين لترويجهما «الشبو»    بلد آمن ورب كريم    ثروتنا الحيوانية والنباتية    وزير الداخلية يلتقي أهالي عسير وقيادات مكافحة المخدرات ويدشن مشروعات جديدة    مشروع الطاقة الشمسية في المركز الميداني التوعوي بالأبواء    ترحيل 13 ألف مخالف و37 ألفاً تحت "الإجراءات"    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نورة الغامدي تقاوم البطريركية في "وجهة البوصلة"
نشر في الحياة يوم 06 - 10 - 2009

في رواية"وجهة البوصلة"لنورة الغامدي، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر2002، تبرز صيغ عدة للعلاقة المأزومة بين المرأة المثقفة والرجل. والفضاء الذي تخلقه الرواية وتحيل عليه يتيح العديد من فرص حضور مثل هذه الصيغ المأزومة"حيث تدور الأحداث في قرية جنوبية زراعية لم تتأثر كثيراً بمظاهر الحياة المدنية، وهو فضاء مفتوح لا تغلق فيه أبواب المنازل، ولا تنعزل فيه النساء في حريمهن، الأمر الذي يوفر مجالاً للتواصل واللقاء الطبيعي بين النساء والرجال. لكن هذه المجتمعات الزراعية والقروية، من جهة أخرى، مجتمعات صغيرة ومنغلقة على نفسها بعيداً عن تأثيرات الخارج، ويسهل فيها ملاحظة أي شذوذ أو صوت ناشز أو خروج عن النسق، وبالتالي فهي لا تسمح لأفرادها بكثير من الاختلاف الذي يسعى له دوماً المثقفون والمثقفات. عدا عن أن هذه المجتمعات تقوم غالباً على النظام الطبقي الإقطاعي، بحيث ترتسم فيها الحدود والمهام بدقة بين العوالم: الرجال السادة الملاك من جهة، والعبيد أو العمال ومعهم النساء من جهة أخرى، والمرأة في مثل هذه الفضاءات ينحصر دورها عادة في مساندة الرجل، السيد وخدمته وتوفير المتعة له، حتى إن كانت هي الأخرى سيدة مطاعة في محيطها النسائي. وحتى مع الإقرار بأن هذه المجتمعات توفر للمرأة بعض الحرية النسبية من حيث الحركة والمساهمة في الحياة العامة، فإن القيم الغالبة في هذه البيئات، كما في عداها، تظل هي القيم الأبوية التي تعطي للرجل، الأب، السيد حق التصرف في النساء وامتلاكهن من دون أن يكون لهن حق الاعتراض أو المخالفة.
تضعنا الرواية أمام شبكة معقدة من العلاقات بين كلا من البطلة، الساردة التي لا تسميها الرواية بشكل واضح، ورفيقتها وقرينتها فضة، وثامر الطبيب الذي يعمل في مستوصف القرية، وحمود أكبر أبناء السبتي. فالسبتي كبير العائلة يقرر تزويج فضة بحمود رغم أن حمود لم يكن راغباً بهذا الزواج لأنه مستقر في حياته الزوجية ويهوى زوجته أم أولاده، كما أن فضة لم تكن راغبة به لأن قلبها مشغول بثامر الذي تشترك معها الساردة في حبه، إلا أن السبتي يصر على إتمام هذا الزواج ليتحقق له ما يرومه:"سأقطع دابر هذا العرق الخسيس.. هذا العرق الأسود"149، ولذلك يعرض على ابنه حمود صفقة مغرية:"تزوج بفضة واهجر فراشها وألجم فمها كن رجلاً.. أقسم برأس أبي.. سأعوضك ببنت رجال.. شيخة من بناتنا إن أطعتني.. فقط انتظر.. لتكبر ويستوي عودها"159، ولم تكن هذه الشيخة الموعودة، والتعويض الذي يقايض به السبتي ابنه سوى الساردة، ابنة عم فضة وأوثق فتيات الدار صلة بها. وهكذا تتحول النساء إلى أشياء يتحكم بها الرجال ويتبادلونها ويقايضونها فيما بينهم كالسلع، ولأجل أغراض وغايات لا اعتبار فيها للمودة والرحمة والألفة بين الزوجين. ولم تفلح كل الاعتراضات والاستنكار الذي قوبلت به هذه الصفقة في منع إتمامها:"أي عار ترتكبون.. تزوجون بنات العم لرجل واحد"188. كما لم تفلح محاولات الساردة وتوسلاتها وامتناعها عن الطعام والمرض الذي آلت إليه في ثني عمها السبتي عن قراره:"لو كانت جنازة فستزف لحمود الأربعاء القادم"178. أما والدها فلا يتدخل في قرار أخيه ولا يبدي أي اعتراض وكأن الأمر لا يخص ابنته، بل إنه يوصي ابنته بالامتثال والسمع والطاعة. وتصور الساردة في هذا الموقف كيف تدجن الفتاة وتجبر على الامتثال لإرادة الرجال مرة بالترغيب ومرة بالوعيد:
"أتذكر أن والدي مسح على رأسي.. صباح اليوم التالي من العرس..
-"بنات الرجال لا يقلن لا"والتفت إلى حمود الذي ضحك وقال:
- أنت ابنة هذا كله.. أنت الداخلة وغيرك الخارج.. ثم ضرب بيده على الحائط..
- أنت جزء من هذا وأنا اخترتك من بين بنات الدار..
مد والدي يده وجذبني..
- قبلي يد حمود..
انحنيت على يده الكبيرة قبلت ظاهرها فقبل جبيني هاتفاً:
- العمود الثابت يا عم.."189.
وتبدأ منذ ليلة زواجها معاناتها مع هذا الرجل الذي أصبحت زوجته ب"عقد نكاح قذر"كما تصفه، ولذا ترفض تقبله والتآلف معه لاسيما على صعيد الجسد. وتصبح العلاقة الجسدية الزوجية هنا مصدراً باعثاً للمشاعر السلبية والأذى النفسي والجسدي والشعوري. ويكشف المعجم اللغوي الذي تستخدمه الساردة في حديثها عن ليلة الدخلة عن خلل فادح في هذه العلاقة التي يفترض منها أن توفر للزوجين السكينة النفسية والإشباع الجسدي، وإذا بها توصف بأنها كابوس، افتراس، همجية، وحشة، اغتصاب، وأكل للكبد، وكسر للعنق وغيرها من المفردات التي تحمل دلالة الأذى والانفصال والرفض:"تلك الوحشة الهمجية التي أكلت نصف كبدي في ليلة قمر فاضحة، قمر غامض وغير شريف.. سمح لجريمة اغتصاب كسرت عنق الزهرة الجبلية أن تحدث... صحوت بعد إغماءة قصيرة.. النافذة مفتوحة على مصراعيها، وعلى الضوء الأزرق رأيت لأول مرة أعضاء رجل عار، تقيأت ماء أصفر.. هو آخر ما تقتات عليه معدتي"256. وكثيراً ما تتكرر في الرواية مدلولات التقزز والنفور والقرف من هذه العلاقة، وهو ما يعبر عنه بمفردات كالتقيؤ، والغثيان وانقلاب المعدة والقذارة. وهو أيضاً الوضع الشاذ نفسه الذي عاشته فضة مع حمود بشكل آخر.
لكن الساردة بما تمتلك من وعي وحس تمردي ترفض الاستسلام لهذا المصير، وتأبى أن تعيش بشروط الثقافة الذكورية المتجسدة في زوجها الذي يمعن في استغلالها وإذلالها وإلغاء إنسانيتها ليس فقط على صعيد الجسد، بل وحتى في تعامله اليومي معها.
تقيم الساردة باستمرار رابطاً بين ما تتعرض له هي وبقية النساء من قمع واضطهاد وبين ما تكابده المدن العربية القدس والكويت وبغداد وغيرها من دمار وموت وخراب على يد الذكور وبسببهم، فبعد حديثها عن اغتصاب ليلة الدخلة تقول:"قمر بلدتنا يعلم أن حرب الخليج تهويش سهل وبسيط.. برجال ثلاثة أرباعهم على شاكلة"حمود"و"ثامر". وكم تمنيت أن أسمع طلقة مدفع.. واحدة.. طلقة تهز أركان منزلنا الكبير.. حتى أتمكن من رؤية جحوظ عيني"حمود"اللتين أعلم أنهما تتلصصان خطواتي... جائع لفخذ الأرنبة الهاربة.. ولبياض لحم سمكة دفعها الموج إلى شاطئ لا ترغبه. إنها مفاجآت الحرب"لحمود"الذي يبرد عينيه بتأمل فتاته..."257. وفي موضع آخر تربط بين زواجها من حمود وموت فضة وبين حرب الخليج ودمار بغداد:"بغداد/ الرياض/ الكويت.."فضة".. وأنا نتراشق بالموت.. رغم أن بعضنا ضحايا الظروف.. ضحايا الجذور.. يوم حريق بغداد الثاني تفتت أوصالي.. هناك كارثة تحوم حول قدري..
إن لم يكن موتاً محققاً فلا محالة سيكون موتاً معنوياً... النبوءة تحققت.. لا بد أن تلتهم النيران مع بغداد امرأة لا تعرفها وجهة البوصلة..."28.
كاتبة صحافية وناقدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.