حان الوقت الآن للبحث عن سبب لهذا الخوف الذي ينتابني. منذ أيام، بل شهور، بل سنين وأنا أؤجل فكرة البحث خوفاً من معرفة سببه. في أفضل الحالات أخاف أن أذهب إلى الطبيب لئلا يكتشف مرضاَ يخيفني، وأخاف أن أفتش في أغراض أطفالي لئلا أجد ما لا يسرني، والموضوع ليس فردياً إذا صحّ التعبير، بل يشملنا شريحة ثم أكبر فأكبر. كم من خائف أعرف في هذا الكون، وكم من خائفة من بيروت إلى نواكشوط إلى نيويورك وطوكيو. خائفون إذاً! لأغوص وأنقب لعلي أصل إلى نتائج تهدئ من روعي وروع الذين اعتمدوا منهجي وعاشوا على وعودي بأن الطمأنينة آتية لا محالة، أتية إذا شعر الإنسان بالأمان وإذا طبّق هو نفسه مبدأ العدالة. الأمان ينبع من الداخل ولا يأتي من الخارج. إنه إحساس شخصي داخل كل واحد يولد من العدالة. إن العدالة هي هاجسنا الأول، بمعنى أن أي إحساس بالظلم يولد خوفاًً لا مثيل له. مديرك لو لم يساويك بزملائك، ظلمك فأخافك. أبوك لو لم يساويك بإخوتك، ظلمك فأخافك. في المقابل، العدالة تبعث على الطمأنينة مهما تكن المناحي والمجريات التي تقوم عليها، حتى العدالة في الظلم هي منتهى العدالة. لا خوف من الجوع إذا كان ثمة عدالة في الجوع. لا خوف من الحزن أو الفقر أو الضياع إذا حل أي منها على البشرية بعدالة مطلقة. وأنا من منظار فردي بحت ومن منظار جماعي لديّ قناعة بوجود عدالة كلية متكاملة مترابطة ولا انفكاك منها، ولا ثغرات فيها، لكنها العدالة الصعبة على الفهم. إنها العدالة العميقة المترامية على البشر جميعاً، إلا أننا لا نرى سوى بعضاً من خيوطها وظلالها هنا وهناك. لأطمئن إذاً وأطمئن من ينتظرون رحلة بحثي وتنقيبي، ألا خوف بعد اليوم وليكن ما يكون. طوفان؟! ثمة سفن للنجاة. قحط وجفاف؟! ثمة ينابيع وأنهار وسحب ورياح. حروب؟! ثمة هدنة وثمة سلام آت. مرض؟! ثمة دواء وشفاء أو تسليم ورضا. لا تظن أن فلسفتي هي الاستسلام، بل الإصرار على المتابعة حتى النهاية، فمشكلتنا أولاً وأخيراً تكمن في أننا نلجأ إلى الذاكرة الفردية في حين أن من الحكمة بمكان أن نؤم للذاكرة الجماعية لأنها أعمق تأريخاً لما جرى وأشمل، ولأنها تعطي دلالات ومؤشرات صادقة لا التباس فيها ولا إبهام ولا تردد، لأن نرضى بقضاء الله وقدره لأنه سبحانه العادل الأزلي وهنيئاً لمن يرضى بحكمه. خلف الزاوية أهلاً بكل هواء منك يغمرني أهلاً بصوتك ينهيني ويأمرني لا لن أعاني إذا آلمتني ألماً ولن أحس بظلم حين تأسرني [email protected]