انتهت قمة بوخارست لحلف الناتو التي عقدت في العاصمة الرومانية ما بين 2 و4 نيسان ابريل الجاري برفض دعوة أوكرانياوجورجيا للانضمام إلى حلف الناتو أعضاء في هذه السنة، في خطوة كانت مهدئة، وليست نهائية بالنسبة إلى روسيا، بسبب معارضة فرنسا وألمانيا القوية لدعوة الولاياتالمتحدة الأميركية لانضمام أوكرانياوجورجيا إلى حلف الناتو، وذلك تجنبا ًلإغضاب روسيا، ومحاولة تهدئة العلاقات السياسية معها، خصوصاً بعد اعتراف معظم الدول الغربية باستقلال كوسوفا على رغم الاعتراضات الروسية القوية، إذ ترى روسيا أن استقلال كوسوفا سيشجع عدداً كبيراً من الأقليات في أوروبا وغيرها على طلب الاستقلال. كما يرى المسؤولون الروس أن من الآثار السلبية لانضمام جورجياوأوكرانيا إلى حلف الناتو بالنسبة إليهم هو تطويق الحدود الروسية الجنوبية الغربية بواسطة ضم أوكرانياوجورجيا والوصول إلى حدودها مباشرة بحيث تصبح مراقبة التحركات الروسية سهلة وقريبة بالنسبة إلى حلف الناتو، مما يضيق على القيادة الروسية، السياسية والعسكرية الوقت لردع أي هجوم بسبب قرب قواعد الاشتباك. واتسمت تلك القمة بالشد والجذب بين ثلاث جهات فاعلة، أوروبا وأميركا من داخل الحلف، وروسيا من خارج الحلف، إذ ارتأت أوروبا عدم قبول الدعوة الأميركية لانضمام أوكرانياوجورجيا في هذه القمة، فيما قبلت المشروع الأميركي بإقامة منظومة الرادار على الأراضي التشيخية ضمن برنامج الدرع الصاروخي الأميركي، كما قبلت أيضاً التخطيط الأميركي لنشر صواريخ اعتراضية في بولندا في عامي 2011،2012، بينما رفضت روسيا كل توجهات الحلف بالتمدد غرباً تجاه حدودها، وقبلت مساعدة الحلف بالسماح بمرور الشحنات غير العسكرية عبر أراضيها إلى أفغانستان في محاولة لإيجاد أرضية للحوار مع مختلف الأعضاء لسماع وجهة نظرها وقلقها حيال المخططات الغربية، لذا ما هي الخيارات الروسية بالنسبة إلى مخططات حلف الناتو؟ يرى كثير من الخبراء والمراقبين أن روسيا تملك خيارات استراتيجية وتكتيكية عدة لمخططات حلف الناتو منها: بالنسبة إلى الدرع الصاروخي: ستهدد روسيا وهو ما فعلته بعدم التقيد باتفاق انتشار القوات التقليدية معاهدة القوات التقليدية 1990 والتي لم تصادق عليها الدول أعضاء الناتو عام 1999، بسبب وجود القوات الروسية في ملدوفيا، مما يسمح لروسيا بنشر قواتها على الحدود الأوروبية وحتى جبال الأورال، كما ستقوم بتطوير الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لتستهدف مقرات انتشار الدرع الصاروخي في أوروبا، إضافة إلى تطوير الغواصات والصواريخ بعيدة المدى، وكذلك تسيير دوريات القاذفات بعيدة المدى وهو ما بدأت به فعلياً منذ شهر أيلول سبتمبر الماضي. أما بالنسبة إلى انضمام أوكرانيا إلى الناتو فإن روسيا تملك خيارات عدة للتعامل مع هذه القضية منها: أولا: إثارة مسألة شبه جزيرة القرم التي كانت جزءاً من الأراضي الروسية حتى عام 1954 عندما ألحقها الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي خروتشوف في ذلك الوقت بأوكرانيا كهدية لها، علماً أنه هو من أوكرانيا، مما يضيف كثيراً من الشكوك حول دوافع الضم، إذ تقول موسكو إن الضم يعتبر غير قانوني لأسباب كثيرة منها أن سكانها لم يتم استفتاؤهم بشأن ضمها لأوكرانيا، علماً بأن الروس يمثلون حوالى 60 في المئة من سكان شبه جزيرة القرم والتتار 13 في المئة وجميعهم يطالبون بالانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا، وهو أمر متوقع في أية لحظة، كما أن وجود أسطول البحر الأسود الروسي في عاصمة شبه جزيرة القرم سيفا ستوبول يزيد من احتمالات التوتر بين البلدين حول تبعية شبه الجزيرة، ويهدد اتفاق التعاون والصداقة الموقع بين البلدين عام 1997، الذي تنتهي فترته هذه السنة. ثانياً: إثارة مسألة الأقلية الروسية في أوكرانيا، التي تمثل حوالى 22 في المئة من الشعب الأوكراني، خصوصاً الشرق الأوكراني، ما يهدد باندلاع حرب أهلية من باب حماية الأقلية الروسية، وهو ما أشار إليه بوتين في لقائه مع بوش في قمة سوتشي، حيث ذكر أن الحلف لا يريد عضواً يمكن أن تندلع فيه حرب أهلية، كما أن هناك معارضة قوية من غالبية الشعب الأوكراني لانضمامها لحلف الناتو، يقوده حزب الأقاليم المعارض الذي يمثل النسبة الكبيرة في البرلمان الأوكراني. ثالثاً: تمثل إمدادات الغاز والطاقة لأوكرانيا سلاحاً في يد روسيا، إذ تعتمد أوكرانيا وبشكل كلي تقريباً على إمدادات الطاقة الروسية، خصوصاً الغاز الطبيعي. رابعاً: هدد عدد من المسؤولين الروس بتوجيه الصواريخ النووية إلى أوكرانيا في حال انضمامها إلى حلف الناتو، ما يجعلها الهدف الأول في حال اندلاع نزاع مسلح بين أعضاء الحلف وروسيا. أما بالنسبة إلى انضمام جورجيا، فإن روسيا قد بدأت فعلاً بعض خياراتها، وذلك بالاعتراف الجزئي بإقليمي أبخازيا واوسيتيا الجنوبية، إضافة إلى الخيارات الاقتصادية الأخرى كقطع إمدادات الكهرباء والغاز والنفط والبريد، ومنع استيراد المنتجات الجورجية، ما يضيق على جورجيا خياراتها الاقتصادية، ويضيف أعباء إضافية على الاقتصاد الجورجي المعتمد بالأساس على العلاقات مع روسيا والتعامل معها، لأنها كانت إحدى جمهوريات ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي الذي ورثته روسيا سياسياً واقتصادياً وتمثل الجزء الأكبر من جمهورياته سكاناً ومساحة وموارد... إن التصعيد بين روسياوجورجيا بدأ يأخذ منحى جديداً بعد إسقاط طائرة التجسس الجورجية من دون طيار فوق إقليم أبخاريا المحمي من روسيا. إن الخيارات الروسية في مواجهة تمدد حلف الأطلسي متعددة، منها السياسي والاقتصادي والعسكري وحتى الاثني، ما يساعدها في استخدام هذه الخيارات في الوقت الذي تراه مناسباً لتعزيز مواقفها أمام منافسيها أعضاء حلف الناتو. ما زالت روسيا تتجنب سباق تسلح جديداً وحرباً باردة جديدة تفرض عليها، ولكن إلى أي مدى تستطيع روسيا تجنب هذا الخيار الذي تشعر بأنها إذا خاضته فإنه سيستنزف اقتصادها المتنامي بقوة؟ والسؤال المطروح هو: هل تستطيع روسيا الموازنة بين أمنها القومي المهدد بتمدد الحلف حتى حدودها، وبين نموها الاقتصادي واستقرارها السياسي ومحافظتها على مصالحها القومية وتنمية علاقاتها الدولية؟ وهل ما زالت لدى روسيا خيارات أخرى تستطيع استخدامها في حال مُضِي حلف الناتو في توسّعه وتمدده باتجاه الحدود الروسية؟ كل هذه الأسئلة سنشهد إجاباتها في الفترة المقبلة التي سيطلق عليها فترة بوتين ? ميدفيديف. * عضو مجلس الشورى.