لعل وفرة التجارة الدولية وتسارعها وتأخرها وتعقد العلاقات الناشئة عنها هو خلفية طبيعية لظهور خلافات كثيرة بشأن التبادل التجاري الدولي، نظراً إلى تعارض المصالح الطبيعي في مجال التجارة، كل ذلك كان مدعاة من جانب المجتمع المحلي والدولي للنظر من أجل خلق آليات عادلة لفك وحل وتسوية الخلافات الناشئة عن التبادلات التجارية الدولية، وبذلك تمخض النظر والتشاور داخل أروقة المنظمة العالمية للتجارة عن إنشاء الآلية الدولية لتسوية المنازعات التجارية التي تعتبر أحد الانجازات المهمة لمنظمة التجارة العالمية، ونجد أن الآلية الدولية المذكورة لها أجهزة وهياكل وإجراءات خاصة بمعالجة المنازعات، وذلك بدءاً من مرحلة وجوب موافقة الأطراف ورضاهم على التحكيم أمام الآلية سواء كان ذلك مدرجاً في تعاقد الأطراف أم ملحقاً لذلك التعاقد في ما يعرف اصطلاحاً بمشارطة أو شرط التحكيم، وانتهاء بما يصدر من أحكام بواسطة الآلية. يذكر أن التحكيم بصفته أحد الخيارات المتاحة أمام الآلية الدولية لتسوية المنازعات هو من أيسر طرق حل النزاعات التجارية، وذلك لما يتميز به هذا النوع من القضاء من خصائص ايجابية ذلك أنه يتم بتراضي الأطراف منذ بدايته وحتى انتهائه كما أنه قلل التكاليف وسهل في إجراءاته ومدته قصيرة بالمقارنة مع مدة التقاضي العادي. إضافة إلى ذلك نجد أن المحافظة على سرية المعلومات التجارية الخاصة بالأطراف المتنازعة هي ميزة أخرى لهذا النمط من القضاء، وقد جاء في شأن اتفاق التفاهم الخاص بالقواعد والإجراءات التي تحكم المنازعات وبالمادة 1 من ذلك الاتفاق أن قواعد وإجراءات التفاهم تطبق على المنازعات التي تتم وفق أحكام التشاور وتسوية المنازعات الواردة في الاتفاقات المدرجة في الملحق رقم 1 من التفاهم ويشار إليها بتعبير"الاتفاقات المشمولة" وتطبق قواعد وإجراءات التفاهم أيضاً على المشاورات وتسوية المنازعات بين الأعضاء المتعلقة بحقوقها والتزاماتها، بموجب أحكام اتفاق إنشاء منظمة التجارة العالمية الذي يشار إليها في التفاهم بتعبير"اتفاق منظمة التجارة العالمية" وأحكام هذا التفاهم منفرداً أو بالاشتراك مع أي اتفاق آخر يقع في نطاقه. كما تطبق أحكام وإجراءات التفاهم رهناً بأية قواعد وإجراءات خاصة أو إضافية بشأن تسوية المنازعات ترد في الاتفاقات المشمولة المحددة في الملحق رقم 2 من التفاهم... وفي حال وجود اختلاف بين قواعد وإجراءات التفاهم والقواعد الخاصة أو الإضافية المدرجة في الملحق رقم 2، تكون الأولوية للقواعد والإجراءات الخاصة والإضافية. وفي حال المنازعات التي تتطلب قواعد وإجراءات بموجب أكثر من اتفاق مشمول، وإذا تضاربت القواعد والإجراءات الخاصة أو الإضافية للاتفاقات محل النظر، وإذا أخفق طرفا النزاع في الاتفاق على قواعد وإجراءات خلال عشرين يوماً من تشكيل فريق تحكيم، يجب على رئيس جهاز تسوية المنازعات أن يحدد بالتشاور مع طرفي النزاع، القواعد والإجراءات التي ينبغي اتباعها وذلك بعد 10 أيام من تلقيه طلباً من أحد الطرفين، وينبغي أن يسترشد الرئيس بالمبدأ الذي يقضي بأن تستخدم القواعد والإجراءات الخاصة أو الإضافية حيثما أمكن وأن القواعد والإجراءات المنصوص عليها في هذا التفاهم تستخدم إلى الحد الضروري لتجنب النزاع. وأما عن أهم المراحل والخيارات المتاحة أمام آلية تسوية المنازعات التجارية الدولية فهي أولاً المساعي الحميدة، وثانياً التوفيق والوساطة وهي إجراءات يتم اتخاذها طوعاً بعد موافقة الطرفين أو أطراف النزاع على ذلك، وهذه الاجتهادات أي المساعي الحميدة والتوفيق والوساطة يجوز لأي طرف من الأطراف المتنازعة طلبها في أي وقت من الأوقات، كما يجوز انتقال الأطراف إلى طلب إنشاء فريق للتحكيم أو مواصلة إجراءات المساعي الحميدة أو التوفيق أو الوساطة في نفس الوقت الذي تجرى فيه إجراءات الفريق الخاص بالتحكيم إذا وافق الأطراف على ذلك. كذلك يعطي الاتفاق الأطراف وبشأن اختيار القانون الواجب التطبيق على نزاعهم الحق في ذلك. يذكر أن هنالك شروطاً خاصة موضوعة لتحديد اختصاص محكمة المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار، وهي: أن يكون أحد الأطراف المتنازعة دولة متعاقدة وان يكون الطرف الآخر مواطناً أو مواطنين من دولة أخرى متعاقدة، وأن يصدر الرضاء بالتقديم إلى تحكيم المركز من كل من الطرفين، وأن تكون المنازعة قانونية أي متعلقة بحق أو التزام قانوني ومتعلقة كذلك باستثمار. مستشار قانوني [email protected]