يترقب سكان المنطقة الشرقية تحويل المخططات التطويرية التي وضعتها الهيئة العليا للسياحة لشاطئ العقير، إلى أرض الواقع ليجدوا متنفساً آخر في المنطقة، فضلاً عن الفرص الاستثمارية، التي قدرتها الهيئة ب1500 فرصة، وكذلك الوظائف، التي أشارت الهيئة إلى أنها تناهز 150 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. ولا يقتصر العقير على الشاطئ، الذي يصل طوله إلى 60 كيلومتراً، فهناك جزر عدة، أبرزها الزخنونية، التي استوطنتها منذ عقود قبيلة الدواسر، بعد ان منحهم إياها الملك عبد العزيز، فور وصلهم إلى المملكة مقبلين من منطقة البديع في البحرين، كما منحهم منطقة عين السيح في الخبر. وتقع الزخنونية التي زارتها"الحياة"أخيراً، على امتداد شاطئ العقير، وتبعد عنه مسافة تقدر بنحو أربعة كيلومترات من ناحية الجنوب من عند نقطة دوحة رحوم إلى رأس الصغيرة، ويتوغل هذا الرأس في البحر إزاء الطرف الجنوبي للجزيرة، ويبلغ طوله من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي زهاء 60 كيلومتراً وامتداده إلى الداخل قليل. ويبلغ طول الجزيرة نحو 12 كيلومتراً، فيما لا يتجاوز عرضها الكيلومترين. ويوجد في هذه المنطقة مرفأ العقير، وهو خليج يتوغل إلى الداخل مسافة سبعة كيلومترات تقريباً، ويبلغ اتساع مدخل الخليج في الجنوب مسافة تتراوح بين 200 إلى 300 ياردة، فيما يتراوح عمق قناة مدخل الخليج من ثلاث إلى أربع قامات، والخليج في بعض أجزائه غير عميق وخطر على السفن. وكانت المياه الصالحة للشرب في العقير قريبة من سطح الأرض، بحيث يستطيع المرء استخراجها بعد حفر مسافة لا تتجاوز 50 سنتيمتراً. بعد خلاف بينهم وبين المندوب البريطاني في البحرين في العقد الثاني من القرن الميلادي الماضي، هاجر أفراد قبيلة الدواسر المقيمون في منطقة البديع البحرينية إلى الساحل الشرقي من المملكة، بعد ان لمسوا ترحيب الملك عبد العزيز بهم، فأمر بمنح شيخهم عيسى الدوسري وأفراد القبيلة منطقتين، هما عين السيح في مدينة الخبر إضافة إلى الزخنونية في العقير، التي لم يكن يوجد فيها سوى قلعة، تحوي أربعة أبراج، يقال إنها من بقايا الحكم العثماني للمنطقة. وعلى رغم ان المشكلة التي تسببت في هجرتهم زالت، إلا ان أفراد القبيلة لم يرغبوا في العودة مرة أخرى إلى البحرين، مفضلين العيش في المنطقة الشرقية. وكان أفراد من القبيلة يقصدون جزيرة الزخنونية لكثرة الخير الموجود في هذا البحر من الأسماك المتنوعة، الذي يعتبره الصيادون من أفضل الأسماك في الخليج. ويمتد موسم الغوص الرئيس من كل سنة على مدى أربعة أشهر وعشرة أيام، من مطلع أيار مايو إلى أيلول سبتمبر، وهناك فترتان ثانويتان إحداهما في شهر نيسان ابريل، وتسمى لدى سكان الخليج"الخنجية"، والأخرى في تشرين الأول أكتوبر وتسمى"الردة"أو"الرديدة"، إذ تخرج سفن قليلة في هاتين الفترتين، وتكون عادة من السفن الصغيرة، وتمارس عملها في المغاصات القريبة من الشواطئ. وتكون عائدات الغوص في هاتين الفترتين من حق المشتغلين فيها من البحارة، ولا تندرج تحت الحساب العام للغوص. ويذكر جاسم الدوسري أنه جاء إلى الجزيرة قبل 40 عاماً، ويقول:"بدأت العمل مع والدي في صيد الأسماك منذ كنت صغيراً، وقد عشت في هذه الجزيرة وتربيت على أرضها، وكانت منازلنا مبنية من الأخشاب الصنادق، وكل عائلة لها بيتها، والبعض الآخر كان يسكن في قلعة الأتراك". وتروي أم تركي، التي عاشت في الجزيرة سنوات طفولتها، ذكرياتها بأسى. وتقول:"أحن إلى الأيام التي قضيتها بين أمواج بحر العقير، الذي أعتبره من أجمل أيام العمر، وتلك النفوس الطيبة والأرزاق المباركة، التي يأتي بها زوجي وأبناء العائلة من هذا البحر، فكنا نعيش وكأننا في عالم آخر، إلى ان خرجنا من الجزيرة بعد ما نضب الماء ودخول الأبناء المدارس"، وتتمنى أم تركي التي بلغت عقدها الخامس"قضاء بقية حياتي في الجزيرة، حتى أتذكر تلك الأيام الجميلة". وعاشت سارة الدوسري 95 عاماً هي الأخرى سنوات في الجزيرة. وتقول:"بقيت هنا سنين طويلة، تقريباً 13 عاماً، ولعلي ولدت هنا"، مضيفة"كانت حياتنا جميلة، ولم نكن نعاني أي أمراض، وأكثر ما واجهنا صعوبة هو إحضار الزوار من البر إلى الجزيرة، فأحياناً تكون هناك رياح، ولا نتمكن من نقل الزوار، وكان الرجال ينقلون الماء من البر إلى الجزيرة، فلم يكن في الجزيرة ماء صالح للشرب، فقط في الشتاء عندما تسقط مياه غزيرة تتكون الجلبان الغدران، التي تتجمع فيها المياه فنستفيد منها". وسكنت سارة وعائلتها في"غرف داخل القلعة بنيناها من الحجارة المتساقطة منها، وتسمى الغرفة"كبر"، وهناك قطعة نستخرج منها الملح، فعندما تسقط الأمطار في تلك القطعة نجمع منها الأملاح". ولم يكن يعيش في الجزيرة سوى 18 عائلة، ينتمون جميعاً إلى قبيلة الدواسر. ويذكر خميس بن راشد"لم يكن يوجد حرس حدود، وقد قمت أنا مع بعض الشبان والرجال بمراقبة السفن، ونطلب منها اخذ تصاريح العبور من فرضة العقير، إذ كانت السفن تأتي من البحرين محملة بالخشب والحصى البحري". ويتذكر جاسم"كانت الحياة شاقة وصعبة، إذ كانت النساء تحمل الماء وكميات كبيرة من الحطب على ظهورهن". وبسبب تلك الظروف اضطر بعض من عاشوا في الجزيرة إلى تركها، والعمل في وظائف حكومية أو أهلية، وعلى رغم ذلك بقوا يترددون على الجزيرة في إجازتهم السنوية، لممارسة صيد السمك. أسماك مميزة واشتهرت الزخنونية بوجود أفضل أسماك الهامور والكنعد والصافي في المياه القريبة منها. إذ تتميز عن باقي أماكن الصيد في الشرقية بنكهتها وطعمها، ويعزو الصيادون ذلك إلى"المرعى الجيد والبيئة الأكثر جودة لنمو الأسماك، فمن المعروف إننا كلما اتجهنا إلى الجنوب أصبحت الأسماك أكثر جودة". ويقول الدوسري:"إن موسم الصيد في فصل الشتاء يمتد ثلاثة أشهر، لصيد الكنعد تحديداً، الذي لا يظهر كثيراً في الليالي المقمرة، أما في الصيف أربعة أشهر للهامور والصافي، وكنا نصيد من الكنعد في الشهر الواحد ما يعادل عشرة أطنان، وأحيانا خمسة، وإذا قل ما نصطاده ارتفع السعر، وإذا زاد قل سعره". وعن الكميات التي يجلبونها من البحر، يقول:"ليست هناك كميات ثابتة في اليوم، فأحياناً نصطاد بمعدل ثلاث ثلاجات أو خمس، بحسب طبيعة الجو، ووجود السمك قريباً منا، وقد يصل حجم سمكة الكنعد إلى متر ونصف المتر". واعتمد سكان الزخنونية لسنوات طويلة على مهنة صيد السمك. ويقول ناصر راشد مصبح:"كانوا يصدرون الفائض عن حاجتهم إلى المناطق القريبة مثل الهفوف والمبرز والقرى المحيطة، سواءً لبيعه أو مقايضته بالتمور، التي يعتمد عليها سكان الخليج كرافد غذائي مهم، ولم يكن أمام سكان الجزيرة موارد أخرى أو أي نشاط حرفي غير صيد الأسماك وتجفيفها، وكذلك استخراج الملح بكميات محدودة، فالجزيرة لم تكن بها مقومات الزراعة، كما لم تكن بها كثافة سكانية تمهد لنشاط حرف أخرى، كالبناء والنجارة وغيرها من الحرف التي يعتمد عليها سكان الجزر والتجمعات السكانية الكبيرة"، مضيفاً"كان الصيد في الزخنونية وفيراً، إذ كنا نصطاد في اليوم أكثر من مئة مَنٍّ المَنُّ يعادل 240 كيلوغراماً، وكان عدد الصيادين قليلاً جداً، وكنا نذهب لبيع الأسماك من الزخنونية إلى العقير على ظهور الحمير، إما إذا كان الهواء جيداً فنذهب بالمراكب عبر البحر، وكنا نبيع الأسماك إلى عبد العزيز عثمان الملحم، وهو من أهالي الأحساء". وشهدت السنوات الأخيرة انخفاضاً في كميات اسماك الهامور التي يحصل عليها الصيادون في الزخنونية، بعد ان كانت متوافرة بكثرة، ويضيف الدوسري"لا أعلم هل أصيب الهامور بمرض معين"، متمنياً من المسؤولين"متابعة هذا الموضوع والكشف عن أسبابه". بيد ان خميس الدوسري يخمن السبب، ويقول:"إن الجهات المختصة منحت تراخيص كثيرة للصيادين، ما جعل من مهنة صيد الأسماك متاحة للجميع، وهو ما أدى إلى قلة المحصول". آثار تنتظر التنقيب ولا تقتصر الجزيرة على الأسماك، التي يعتبرها الدواسر"الأفضل"، فهناك آثار تعود إلى حقب زمنية مختلفة، ويقول خالد العكروش:"قامت بعثة آثار بالتنقيب في الجزيرة قبل نحو 14 عاماً، إذ تم الكشف عن الكثير من الأواني الفخارية، التي نُقل بعضها إلى متحف الدمام". فيما يشير تركي الدوسري إلى ان"الجزيرة تضم آثاراً ربما تقدم معلومات وفيرة عن تاريخها والشعوب التي استوطنتها خلال الحقب التاريخية المختلفة"، بيد أنه يقول:"إن الحديث عن الآثار الموجودة في الجزيرة قد يكون تخميناً أو فرضيات غير مؤكدة، ما لم تدعمها عمليات تنقيب ودراسات أثرية تقوم بها بعثات أثرية، زار بعضها المنطقة سابقاً". ويتذكر سكان الجزيرة الأوائل قلعة مربعة الشكل، تضم في زواياها الأربع أبراجاً دفاعية، ولا تزال آثار من تلك الأبراج تظهر على هيئة تلال رملية مرتفعة، يعلوها ركام الصخور وحجارة بحرية بعد سقوط الجدران الأصلية، كما يشير آخرون إلى"وجود قبور قد تعود لحقب تاريخية موغلة في القدم". حرب الخليج لم يكن نقص الأسماك والظروف المعيشية الصعبة التي مرت على سكان الجزيرة هما السببان الوحيدان اللذان أجبرا سكانها على ترك الزخنونية، والانتقال إلى مدن الدماموالخبر والظهران، إذ ساهمت الظروف الأمنية أثناء حرب الخليج الثانية في دفعهم إلى الانتقال منها. ويقول ناصر بن مصبح:"إن أفراداً من حرس الحدود نصحونا بالانتقال من الجزيرة قبل الحرب، فلم تكن الصورة واضحة عما سيفعله الجيش العراقي حين تشتعل الحرب، فانتقلنا جميعاً منها". كما يشير إلى أسباب أخرى، منها"حرص الجهات المعنية على الحياة الفطرية في الجزيرة، إذ حدثت مشادة كلامية بين احد الصيادين وحرس الحدود، الذي رفض ان يقوم أولادنا بصيد وتجميع بيض الطيور المهاجرة، التي تأتى إلى الجزيرة". الصيادون يقطعون 600 كلم لتجديد الرخص على رغم خلو جزيرة الزخنونية من السكان، إلا ان كثيرين ما زالوا يقصدونها، من أجل صيد الأسماك، بيد ان أولئك الصيادين يواجهون ظروفاً صعبة، أبرزها قطعهم مسافات طويلة، من أجل تجديد رخص قواربهم. ويقول الصياد جاسم الدوسري:"تجديد رخص الصيد يستلزم منا قطع مسافة تزيد على 600 كيلومتر، ذهاباً وإياباً من العقير وإلى سلوى، على الحدود السعودية القطرية، إذ ان الجزيرة تابعة لمركز حرس الحدود هناك، وهو الجهة المخولة بمنحنا التصاريح". ويطالب الدوسري"بوضع مكتب في العقير أو السماح لنا بمراجعة مكتب الخبر أو الدمام، كما كان عليه الوضع في السابق، ليوفر علينا عملية شاقة ومضنية نتكبدها أثناء ذهابنا إلى سلوى، إضافة إلى خطورة الطريق وترك أعمالنا، علماً بأن غالبية الصيادين لديهم وظائف حكومية أو يعملون في شركات خاصة". ويؤكد"نحن نحرص على تطبيق النظام والالتزام به واتباع القوانين، على رغم كثرة الإجراءات والتعقيدات في إتمام المعاملات وتخليصها من وزارة المواصلات، لإثبات صلاحية القارب ثم إلى الثروة السمكية لتجديد رخصة بحار فحرس الحدود أثناء التردد اليومي للإيجار والعودة، إلا أننا ملتزمون بكل ذلك، غير أن مسألة ذهابنا إلى سلوى مضنية وشاقة وتكلفنا الكثير من الجهد والعناء والوقت، ونتمنى السماح بإعطاء الصلاحيات كاملة لمركز العقير في عمل التصاريح والإجراءات وإنهائها، بدل الذهاب إلى سلوى، خصوصاً أن يوجد في مركز العقير ضابط برتبة مقدم، ومعه موظفون أكفاء، يحملون رتباً وكفاءة عالية، ولديهم المقدرة على إنجاز مثل هذه الأمور".