ربما يشعر سكان مدينة جدة، بنوع من "الغيرة" من مشروعي ناطحات السحاب في العاصمة الرياض، وهما برج المملكة ومجمع الفيصلية. هم يعيشون كل يوم حالة من الترقب والانتظار مع إعلان أي مشروع استثماري يقام على أرض هذه المدينة الممتدة شمالاً وجنوباً بطول 58 كيلومتراً. ويمنون أنفسهم بمبادرة أحد المستثمرين، لإنشاء"ناطحة سحاب"تعلو المباني المتنشرة على أطرافها، لتضاف إلى المعالم التاريخية الموجودة في المدينة. لكن هذه الأمنية لم تتحقق بعد لأسباب غير معروفة بالنسبة لهم. ويعبّر عن أماني الأهالي أحد سكانها عبد الله سالم"أحلم برؤية ناطحة سحاب في جدة فمدينتي تمتاز بجمال تكاد تضاهي مدن العالم بأسره، فوجود ناطحة سحاب فيها يسهم في إثراء نهضتها العمرانية، ويحدث ضجة إعلامية وإعلانية تسويقية كبيرة". ويرى أن مثل هذا المبنى سيجذب شركات عالمية لفتح مكاتب لها في جدة، لأن وجود ناطحات للسحاب يحول المدينة إلى حركة تجارية غير عادية. وكغيره من الأهالي يتساءل عبد الله سالم عن سبب عزوف المستثمرين عن بناء ناطحة سحاب في جدة، سيما وأن الأراضي متوافرة بمساحات شاسعة، ورؤوس الأموال موجودة، والحركة الاقتصادية منتعشة. وهنا يعلق المدير العام لمجموعة متاجر للمقاولات والتجارة العامة خالد المهنا"إن الأسباب الرئيسة في عدم توجه رجال الأعمال إلى بناء ناطحات سحاب، هي ارتفاع حجم الكلفة مقابل العوائد المتوقعة". ويؤكد أن هذا السبب جعل المستثمرين يفضلون التوسع في مشاريعهم أفقياً عوضاً عن تبني مشروع ناطحة سحاب. ويستدرك قائلاً"ربما تكون ناطحات السحاب غير مرغوبة سكنياً". بدوره يقول الخبير العقاري عصام داغستاني، إن المباني العالية تحدث ضجة إعلامية أكثر من تحقيقها لعوائد مادية، وهذا النوع من الاستثمار يعتبر مغامرة. ويضيف"هناك أسباب أخرى لعدم وجود ناطحات سحاب في جدة منها عدم تعود المجتمع في جدة على الملكية المشتركة بحيث يسدد رسوم الصيانة والخدمات في وقتها من دون تأخير". ويختلف المدير العام لشركة المسارات لأعمال الإنشاء والتعمير المحدودة عمار عدنان إبراهيم مع رأي داغستاني حيث يوضح أن السبب الرئيس في عدم توجه المستثمرين لبناء ناطحات سحاب يعود إلى رفض أمانة محافظة جدة إعطاء المستثمرين تراخيص لبناء ناطحات سحاب، حيث لا تسمح ببناء أكثر من 30 دوراً، مشيراً إلى أن هناك رغبة كبيرة لديه لبناء ناطحة سحاب. ويطالب إبراهيم الجهات المختصة بالموافقة على إعطاء تراخيص تسمح للمستثمرين ببناء"ناطحات السحاب"، نظراً لارتفاع نسبة الطلب على المساكن بالمقارنة مع المعروضة حاليا في جدة. لكن المهنا يشكك في صحة المعلومات التي أدلى بها عمار ويشير إلى أن أمانة محافظة جدة لايمكن أن تمنع أي مستثمر من بناء ناطحة سحاب في جدة، مرجعاً ذلك إلى أن بناء هذه المباني يسهم في دعم الحركة الاقتصادية للمدينة. ويرى عدد من الخبراء في جدة أن المياه الجوفية التي تختزنها التربة والتي تتسبب في ضعفها، تقف عائقاً أمام المستثمرين الذين يرغبون في إنشاء ناطحة للسحاب. ويقول المهنا: إن وجود نسبة كبيرة من المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي داخل تربة مدينة جدة، يعد سبباً رئيساً في عدم إقامة مثل هذه المباني. ويتفق المهندس المعماري زكي سعد مع ما قاله المهنا، ويقول إن ضعف التربة في مدينة جدة، الناتج عن ارتفاع نسبة المياه الجوفية، وكذلك عدم ملاءمتها لبرامج مقاومة الزلازل، تمثل صعوبة كبيرة في إنشاء مبان ذات ارتفاعات عالية. ويتعارض رأي المهندس المعماري الدكتور فتحي الدواليبي مع ما قاله المهنا وسعد حيث يرى أن ضعف التربة في مدينة جدة يمكن التغلب عليه تكنولوجياً، نظراً لاحتواء التربة على طبقات من الصخور المرجانة التي يمكن الاعتماد عليها في إنشاء اللبسة النواة المركزية للمبنى. ويضيف الدواليبي، أن ناطحات السحاب تتطلب تشكيل فريق كبير لا يقل عن 20 مهندساً من ذوي الخبرة، يتعاون على إنشائها بعيداً من الأنانية والانفراد بالرأي. تستقطب النسبة الأكبر من الوكالات العالمية بحسب آخر إحصائية رسمية، تستأثر مدينة جدة بنحو 38 في المئة من إجمالي أكبر 100 شركة سعودية. وتتميز بوجود مجموعة من الشركات المساهمة الرائدة التي يقع مركزها الرئيس في مدينة جدة، حيث تستوعب جدة 15 شركة رئيسة بنسبة 18 في المئة من إجمالي الشركات المساهمة في المملكة برأس مال قدره 11 بليون ريال. كما تستقطب النسبة الأكبر من الوكالات التجارية العالمية. ويبلغ عدد السجلات التجارية القائمة 91572 سجلاً تمثل نحو 19.04 في المئة من إجمالي السجلات التجارية، إلا أن ذلك لا يضمن للمستثمرين تحقيق عوائد مالية كبيرة من إنشاء ناطحات للسحاب، تستهدف هذه الشركات.