غداً.. تثبيت الهجن المشاركة في كأس الاتحاد السعودي 2025    تعادل الأهلي والدحيل في نخبة آسيا    «مطوفي الدول العربية» تحتفل باليوم الوطني ال 95 بفعاليات تراثية وفنون شعبية    فيصل بن نواف يطلع على تقرير "سهل التعليمية"    استثمار في الثقافة    "الجيوسياسية".. تحرك سوق النفط    غزة.. قصف إسرائيلي يوقع 50 شهيداً خلال يوم واحد    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    سعود بن بندر يستقبل قائد المنطقة الشرقية    الاتحاد يودع بلان.. وخليفة يطالب لاعبيه بنسيان النصر    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    ليلة الخذلان من لوران بلان    سعود بن نايف يكرم شركاء نجاح "سند"    مطالبات شورية لتطوير مبادرات تعزز أثر القطاع غير الربحي    المعلم أولًا..    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    جمعية تكتب الأدب كما يُصنع الفن    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الأهلي يتعادل إيجابياً مع الدحيل القطري في نخبة آسيا    100ألف ريال للاسم التجاري الجديد    167 ألفا مخالفات المنشآت لحماية الأجور    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    ترحيب سعودي عربي إسلامي بالدور القيادي للرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في غزة    السعودية تنضم إلى الشبكة العالمية للهيئات الإشرافية على الذكاء الاصطناعي في اليونسكو    9 بنود في خطة ترمب لإنهاء حرب غزة    الهلال يتغلّب على ناساف الأوزبكي بثلاثية في دوري أبطال آسيا للنخبة    الانتماء الوطني والمواطنة: ركيزتان لبناء المجتمع وترسيخ الهوية    81 مليار ريال استثمارات السعودية في البنية التحتية الثقافية    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    7 موضوعات ملهمة تعزز الوعي والتحصين بجازان    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    جمعية رعاية ا الأيتام بنجران تحتفل مع أبنائها الأيتام في برنامج عناية باليوم الوطني 95    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    "سعود الطبية" تنظّم ملتقى "صوت المستفيد يقود التغيير"    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    محافظة الفرشة بتهامة قحطان تحتفل باليوم الوطني 95 وسط حضور جماهيري واسع    الخريف يبدأ زيارة إلى هانوي.. تعزيز التعاون الصناعي والتعديني بين المملكة وفيتنام    وزارة الرياضة تعلن نتائج التحقيق في أحداث مباراة القادسية والعروبة    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    معرض الكتاب.. نافذة على عوالم لا تنتهي    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    5.5 مليار ريال فائض تجاري    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    طهران توعدت برد حازم ومناسب.. إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران يشعل التوتر    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن مقابل الكهرباء
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 2013

إن استعصى عليك فهم الواقع الرديء، ابنِ له صرحاً في الخيال.
ستقوى"حماس"يوماً ما، وسيصبح لديها ترسانة من الصواريخ عابرة للقارات، وحين تبدأ بصناعة الماء الثقيل في أول خطوة نحو تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي، حينها فقط ستضطر إسرائيل للدخول في مفاوضات مع الحركة على مبدأ"الأمن مقابل الكهرباء".
تكون"حماس"قد بنت هذه الترسانة العسكرية مستندة إلى المولدات الكهربائية الضخمة التي هربتها من مصر عبر الأنفاق. لاحقاً، تدمر مصر كل الأنفاق ما يحول دون تهريب الديزل لتشغيل المولدات.
يجلس رئيس وزراء حكومة"حماس"في غزة إسماعيل هنية وجهاً لوجه قبالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على طاولة واحدة.
ويبدأ النقاش بطرح من هنية بإعادة انتشار"المرابطين"على الحدود الشرقية من قطاع غزة مع إسرائيل، كبادرة حسن نية. في المقابل، يقترح نتانياهو تزويد القطاع لشهر كامل بالديزل المخصص لتشغيل محطة الكهرباء في غزة، كاختبار لجدية الحركة في ضبط الحدود.
ينتهي الاجتماع ببيان إعلان مشترك من الطرفين يحمل اسم"الأمن مقابل الكهرباء". وما أن ينتشر الخبر حتى تحتشد جموع الغزيين أمام حاجز إيريز لاستقبال الوفد الفلسطيني المفاوض. يصل الوفد إلى الأراضي الفلسطينية، يُكبّر فيهم هنية من أجل سجدة الشكر لله على تراب وحشيش أرض بيت حانون، ثم تحملهم الجماهير على الأعناق، وتجوب بهم شوارع غزة.
ينهار الاتفاق بعد أيام، بسبب إطلاق عناصر من حركة الجهاد الإسلامي صواريخ على جنوب إسرائيل، خصوصاً أن الحركة أعلنت مسبقاً حقها في تقرير المصير عبر حكم ذاتي في إقليم مستقل شرق غزة، يمتد من حي الزيتون حتى حي الشجاعية.
وبما إن الحركة بنت في الإقليم المستقل محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، فإنها تحاول إحراج"حماس"مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته تريد إجبار"حماس"على شراء فائض الطاقة لدى الإقليم بأسعار مخفضة لتعزيز القطاع الاقتصادي هناك.
تخرج الأقلية الحمساوية في الإقليم في تظاهرات احتجاج على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، وفي الوقت نفسه، داعمة لحق"حماس"في اتفاقها المبرم مع إسرائيل"الأمن مقابل الكهرباء". تقمع شرطة الإقليم التظاهرات بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. تدين"حماس"قمع أنصارها بأقوى العبارات، وتطالب قيادة الإقليم باحترام حقوق الأقليات.
تستمر التظاهرات أياماً من دون توقف، ويستمر معها إطلاق الصواريخ من الإقليم على إسرائيل. توقف إسرائيل تصدير الديزل إلى محطات الكهرباء في غزة، فيعم الظلام من جديد. وفي الليلة نفسها، تغير الطائرات الإسرائيلية على محطات الطاقة الشمسية للإقليم وتدمرها بالكامل.
"حماس"لا تدين الغارات، وتلتزم الصمت، فيفهم ذلك على أنه موافقة مبطنة من الحركة على ما أقدمت عليه إسرائيل، وتتهم قيادة الإقليم"حماس"بالتواطؤ مع إسرائيل، ويعلن الإقليم"حماس""جارة عدوة"، ما يزيد حدة التوتر بين الإقليم والمركز.
تمضي أيام على العتمة في غزة، بعدها تدخل"حماس"في مفاوضات مكوكية جديدة مع إسرائيل في محاولة لمعاودة تصدير الديزل إلى غزة، لا سيما بعد خروج تظاهرات ضخمة تطالب فيها الجماهير"حماس"بسرعة إنجاز أي اتفاق من شأنه أن يعيد الحياة إلى مكيفات الهواء المركزية الضخمة التي أنشأتها الحركة مجاناً للتجمعات السكانية الغزية، إذ إن درجة الحرارة في ذلك الصيف بلغت 74 درجة مئوية.
بعد سلسلة جديدة من المفاوضات بين"حماس"وإسرائيل، تشترط الأخيرة لتزويد غزة بالديزل، أن تتصدى"حماس""للإرهاب"في الإقليم المتمرد، والقيام بإجراءات فورية في هذا الاتجاه. بعد يومين، تعلن"حماس"وضع الإقليم على قائمة الإرهاب، وتجمد حسابات أبرز قادته في البنوك لديها، وكذلك تفعل الولايات المتحدة وأوروبا. مرة أخرى يتهم الإقليم في بيان له، الغرب بالتواطؤ مع"حماس"لتضييق الخناق عليه.
تشدد"حماس"قبضتها الأمنية على الإقليم من جهة الغرب، فيما تتكفل إسرائيل بذلك من جهة الشرق. ولزيادة الضغط على الإقليم، تقطع"حماس"علاقاتها الاقتصادية معه، وأبرز خطواتها في هذا الاتجاه، سحب كل"بائعي الفلافل"المنتمين إلى"حماس"من هناك. تُبقي الحركة على توريد الأدوية والمستلزمات الطبية للإقليم، لكن بأسعار باهظة جداً.
ترتاح إسرائيل لهذه الخطوات، لكن بحذر، ومن ثم تستأنف العمل باتفاق"الأمن مقابل الكهرباء"، فتضيء غزة من جديد. لا يرتاح مقاومو الإقليم أن تكون غزة مضاءة بينما يغط ساكنوه في ظلام دامس. تخرج جماهير الإقليم إلى الشوارع لمطالبة سياسييه ومقاوميه بالتحرك.
فجأة، تخرج السلطة في رام الله عن صمتها، لتذكر"حماس"بفترة التسعينات، حين كانت تقوم الأخيرة بعمليات تفجير داخل إسرائيل في كل مرة تقترب فيها السلطة من إبرام أي اتفاق جديد مع إسرائيل. تدور الدائرة حالياً على"حماس". فما أن تضيء إسرائيل غزة، حتى يطلق مقاومو إقليم الجهاد الإسلامي الصواريخ على جنوب إسرائيل، لتغط في موجة جديدة من الظلام، تليها سلسلة جديدة من المفاوضات لتعديل بنود اتفاق"الأمن مقابل الكهرباء".
تدخل"حماس"وإسرائيل في دوامة لا تنتهي من المفاوضات للحفاظ على ما تبقى من اتفاق"الأمن مقابل الكهرباء". مفاوضات تشبه كثيراً تلك التي تجريها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عشرين عاماً، على مبدأ"الأرض مقابل السلام".
وتستمر المفاوضات سنوات،"حماس"تفاوض إسرائيل من أجل الحصول على كهرباء، فتعيش معظم أيامها في ظلام. والسلطة تفاوض إسرائيل من أجل الحصول على أرض تقيم عليها دولة موعودة، فيزداد التهام المستوطنات لها. وفي كلا الحالتين يتحقق لإسرائيل الأمن المنشود وبأيد فلسطينية، وتضمحل الرغبة في المقاومة شيئاً فشيئاً.
بعد خمسين عاماً، تشيب أجيال وتولد أخرى. تدور عجلة الزمن، تطوي أحداثاً وتفرز أخرى. تتغير تضاريس المكان، وينحت الزمن على خريطة ما كان يسمى"وطن"معالم جديدة، سيكون لها تأثير في الوعي الجمعي للجيل الجديد من الفلسطينيين والعرب.
تغير"حماس"خريطة فلسطين في المناهج الدراسية، لتتحدد تضاريس الوطن الجديد وفق تموضع محطات الكهرباء في غزة. وتصبح محطة الكهرباء علامة سياحية مميزة لغزة، تماماً مثل محطات التليفون العمومي التي تميز لندن، أو أبو الهول والأهرامات في مصر.
أما لدى السلطة في الضفة الغربية، فتنحصر معالم الدولة الوليدة في ما لفظته المستوطنات الإسرائيلية من أراض لا لزوم لها. ويشيع في الإعلام العربي والغربي مفردتان جديدتان مرادفتان لفلسطين:"كهرباء وأمن". وتغزو العالم كوفية جديدة مليئة بصور محطات كهرباء، تربطها أسلاك شائكة، بدلاً من الكوفية الفلسطينية المعروفة حالياً.
يشيخ جيل الفايسبوك الحالي، وينصب حديث الآباء للأبناء عن النكبة التي حلت بهم عقب انهيار اتفاقي"الأمن مقابل الكهرباء"، و"الأرض مقابل السلام"، وتضمحل ذكرى النكبة الحقيقية في وعي الجيل الجديد، ويصبح تاريخ انهيار هذين الاتفاقين"نكبة جديدة"، تحتفل الأحزاب الفلسطينية"الافتراضية"بذكراهما السنوية في الإنترنت.
الإمارات العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.