«غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    الأمير سعود بن نهار يرعى حفل اطلاق الاستراتيجية الجديدة لغرفة الطائف    المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.. 50 عاماً من العطاء    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    حملة مشتركة تسفر عن رفع ما يقارب الطنين من الخضروات والسلع المختلفة من الباعة الجائلين المخالفين بشرق الدمام    التطوع في منطقة الحدود الشمالية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    طالبتان من تعليم الطائف تحصدان الميدالية الذهبية والفضية على مستوى العالم    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    الرئاسة العامة تشارك في ورشة عمل "الأثر المناخي في حج عام ١٤٤٥ه"    نعمة خفية    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    انجاز 40% من مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر    ضبط 16023 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    تن هاج : تركيزي منصب على آخر مباراتين لمانشستر يونايتد    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    المشتبه به في الاعتداء على رئيس الوزراء السلوفاكي يمثل أمام المحكمة    مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات الهدنة في طريق مسدود    المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو" حتى 2026م    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    القاهرة : لاتراجع عن دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    دراسة: الشركات الألمانية لا تسوق للسيارات الكهربائية بشكل جيد    توطين تقنية "الجينوم السعودي" ب 140 باحث سعودي    «المركزي الروسي» يرفع الدولار ويخفض اليورو واليوان أمام الروبل    سان جيرمان يسعى لفوز شرفي لتوديع مبابي    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    تيليس: ركلة جزاء الهلال مشكوك في صحتها    "تيك توك" تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    جيرارد: فخور بلاعبي الاتفاق    آلية الإبلاغ عن الاحتيال المالي عبر "أبشر"    "الذكاء" ينقل مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبدًا    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    مهارة اللغة الإنجليزية تزيد الرواتب 90 %    الهلال يتعادل مع النصر في الوقت القاتل في دوري روشن    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    رقم جديد للهلال بعد التعادل مع النصر    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفصال الديني عن السياسي في التجربة الإسلامية
نشر في الحياة يوم 30 - 03 - 2013

كانت حصيلة المسار التاريخي للتجربة السياسية الإسلامية، أن المؤسسة السياسية قد انفصلت عن المؤسسة الدينية تدريجياً حتى اكتمل ذلك مع الانفصال بين الخلافة والسلطنة، ومع ظهور الأمراء والسلاطين واستتباب أوضاع ذات أبعاد تراتبية، حيث استأثر بالسلطة أرباب السيف الأتراك ثم البويهيون وظلت المناصب الدينية وبعض المناصب الإدارية في يد"أرباب الأقلام". وهكذا حدث تمايز بين مجالين أحدهما سياسي، والآخر ديني، ولكل منهما أربابه وناسه. انفصلت السياسية عن الشريعة، واستمر الصراع على حواشي المجالين وبقيت المرجعية العليا للإسلام بأبعاده القيمية والرمزية.
ويخلص المرء، في نهاية تأمله، التجربة السياسية الإسلامية ومآلاتها، إلى نتيجة تشير إلى ذلك الانفصال العميق بين الشرعية ومسوغات الفقهاء وعلماء الشرع ومعهم الجمهور، وبين قوة السلطة وسيطرتها على إدارة الشأن العام دون التقيد بما يتعارض ومصالحها، وممارساتها الفعلية في التاريخ. فالصورة التاريخية لذلك الانفصال بين الشرعية العليا وحركية السلطة وأفعالها هو قديم في تجربتنا السياسية، وليس حديثاً، كما يروّج لذلك الإسلاميون المعاصرون، وأيضاً بعض العلمانيين العرب لأهداف مختلفة.
وتعبر، هذه التجربة السياسية المديدة، عن افتقارنا إلى وجود دولة حقيقية في تاريخنا، أو عن عدم تكون دولة بالمعنى الكامل لذلك في تاريخنا الفعلي، أي أن القوى المهيمنة على السلطة بقيت تسخّر مؤسسات الدولة لمصالحها التي غدت مع الأيام، وفي أغلب الأحيان، منفصلة عن المجتمع وعن الهيئة الدينية، وتمنع المشاركة ولا تأخذ بقيم الشورى. ولعل هذا التحليق الطوباوي، الذي موضوعه التعلق بشرعية مرفوعة إلى بداية المرحلة النبوية والراشدية والتمسك بها، هو وراء عدم اكتراث الناس بالدولة الواقعية وبمؤسساتها، ومنعهم من الاتجاه نحو محاولة تغييرها بطرق واقعية، وانطلاقاً من تطوير آلياتها، والعمل على توسيع دائرة المشاركة في مؤسساتها، وفي اتخاذ القرار فيها، وإتاحة الفرصة لتفعيل المشاركة الشعبية. فبقي الفكر الإسلامي ينوس بين حدّين أقصيين، إما الرضوخ للسلطة وإسباغ الشرعية عليها، أو المعارضة المطلقة استناداً إلى مثال الخلافة بعد تحويل ذلك المثال لديهم إلى ما يشبه الأسطورة أو الطوبى. أي بين الرضوخ والاستسلام لها، أو إنكار مطلق عدمي لا يقود إلى شيء، سوى إلى الانتحار السياسي.
فإن الصورة السائدة لدى الفقهاء والمؤرخين وكتاب نصائح الملوك، تعكس الاعتقاد بأن السلطة كانت دائماً ناقصة الشرعية إما لخروجها عن مقتضيات الدين أو عن مقتضيات العرف أوكلاهما معا، ورغم ذلك، فقد نظروا إليها على أنها ضرورية لمنع الفوضى وسقوط المجتمع، وهذا معنى القول: سلطان غشوم خير من فتنة تدوم. وقد أدى ذلك إلى تعميق فكرة الخلافة الراشدية، أو الأفكار المهدوية، وأدى ذلك أيضاً في الحقبة المعاصرة إلى ظهور فكرة تطبيق الشريعة أو مفهوم"الدولة الإسلامية". فلا يوجد في مجال التنظير للدولة بطريقة عقلانية وواقعية سوى تيارات هامشية في القديم والحديث ترى إمكان الدولة العقلانية أي الدولة المدينة.
مشكلة الدولة في الإسلام الوسيط، أنها كانت ضعيفة الجذور في أصل المشروعية وأنها لم تستطع التغذي باستمرار من ذلك النبع الفياض للشرعية من جهة، وما استطاعت التحول إلى"دولة بحد ذاتها"من جهة ثانية. صحيح أن الأمة ظلّت تحظى بمراتب القداسة، غير أن المفكرين والفقهاء المسلمين لم يبدعوا في مجال الفقه الدستوري، تأطيراً لوسائل تحقيق حضور الأمة في السلطة، وتنظيم آليات واقعية لتفعيل الشورى، وتحقيق مرجعية الأمة فعلياً لتكون هي المرجع والحكم والحاكم، لتفضي إلى ديموقراطية الحكم وسلطة الأمة على نفسها.
فلم يساهم الفقه الإسلامي في رفع مكانة الأمة، والإعلاء من شأنها، ومن شأن مفهوم الشورى، في تدعيم فكرة سلطة الشعب أو من مفهوم سلطة الأمة على مصيرها وإدارتها لشؤونها، وذلك لأنه ظل ملتصقاً بطوبى الخلافة الراشدية من جهة، ومتعايشاً مع السلطان تجنباً للفتنة من جهة أخرى، فلم ينتج ما يؤسس لفكر مؤسسي للدولة والمشاركة. لهذا فإن مفهوم حق الأمة والجماعة في التأسيس وفي اختيار السلطة والسلطان لم تقم من أجله حركات أو أحزاب ذات توجه واضح فبقي كلاماً نظرياً في كتب الفقه وأصول الدين وتقارير المصادر التاريخية. وذلك لأن تاريخ السلطة الإسلامية مع الشريعة وممثليها، هو تاريخ صراعي أفضى إلى انفصال السياسة عن الفقه وأحياناً عن الشريعة، وبالتالي إلى قيام مجالين أحدهما سياسي والأخر شرعي. فالصورة التاريخية السائدة التي يروج لها الإسلاميون، والتي ترى أن انفصال الشريعة عن السلطة، هو أمر حديث ومرتبط بدخول الغرب إلى بلاد الإسلام، هي صورة زائفة بحاجة إلى تعديل وتصويب بتأكيد قدم هذا الانفصال في التجربة السياسية الإسلامية، كما أن ظهور حركات الإحيائية الإسلامية الداعية لقيام الدولة الإسلامية، وتطبيق الشريعة، يدل على أن مسألة علاقة الدين بالدولة في مجالنا الثقافي والسياسي لا تزال تبحث عن مستقر لها، دون أن تجد حلولاً ناجعة.
ولعل ثورات الربيع العربي، التي انخرط الإسلاميون فيها وتفاعلوا معها وقاموا بدور في تغيير الحكومات القائمة، ثم وصلوا إلى الحكم في أكثر من بلد عربي، قد فتحت لهم فرصة كبرى من خلال وصولهم للحكم كي يبرهنوا عن احترامهم دور الشعب في السياسة والحكم، وأن يحافظوا على مرجعيته السيادية، وأن يثبتوا جدارتهم في إدارة البلاد وأن ينزلوا من علياء الشعارات العامة إلى الواقع المتحرك بمصالحه ومشكلاته وتنوعه وطموحه، أو أن يركبوا الخيارات الأسهل والأكثر خسارة، وذلك بإعادة إنتاج تجربة الحزب الواحد، على الطريقة الإيرانية أو الطريقة البعثية. عندها لا يسعنا إلّا أن نقول: ألم يكتف العرب من المصائب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.