يستيقظ ميتسومي كوبونا عند الخامسة صباح كل يوم، ويتوجه الى سوق تسوكيجي الكبير في طوكيو لشراء ما يلزمه قبل الذهاب الى مسمكته حيث يمضي يومه حتى الثامنة مساء. صحيح أنه تجاوز ال73 من العمر، لكن هذا روتين غير مستغرب في اليابان، حيث يواصل الناس العمل حتى سن متقدمة جداً. ويعمل كوبونا 6 أيام في الأسبوع في المسمكة التي توارثها أسلافه لأربعة أجيال. ويقرّ بأن العمل يرهقه، منذ سنوات، لكنه"سعيد"ويأمل مواصلة العمل سنتين أو ثلاثاً. في اليابان، يعمل الرجال الى ما بعد ال69 كمعدل عام، فيما تحدد سن التقاعد في غالبية الدول المتقدمة المنضوية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ب64 سنة. أما في فرنسا، فحددت سن التقاعد ب59 سنة ونصف السنة. وتشجع السلطات اليابانية مواطنيها على العمل حتى سن متقدمة في مسعى منها لمواجهة آثار تقدم المجتمع في السن والتراجع المتواصل في اليد العاملة. ويقول كوجي سايتو 75 سنة الذي يدير مقهى في حي كاغورازاكا في العاصمة:"إذا توقفت عن العمل سأشعر بأنني عجوز". ويؤكد أنه يعمل ستة أيام، وأحياناً سبعة، أسبوعياً بمعدل 12 ساعة يومياً:"أعمل منذ 50 سنة في هذا الركن، أحاول التوقف تدريجاً، لكن ذلك يعني أن حياتي ستنتهي". وتنتشر طريقة التفكير هذه في أوساط اليابانيين، خصوصاً بين أجيال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وهي مرحلة كان العمل الجاد فيها الطريق الوحيد لإعمار البلاد ومكافحة الفقر. المحامي كينجي 73 سنة، المتخصص في حقوق الملكية الصناعية، أسس مكتباً قبل 40 سنة، وما زال يحظى بثقة الشركات اليابانية:"الشركات تثق بي، بلا قلق من تقدمي في العمر، ولا يمكنني أن أخيب أملها". ويلزم قانون صدر الصيف الماضي أصحاب الشركات إبقاء أجرائهم الراغبين في العمل حتى سن ال65 من العمر، وفي موازاة ذلك ترفع سن دفع رواتب التقاعد تدريجاً من 60 إلى 65 سنة عام 2025. ولم تثر هذه التعديلات القانونية أي ردود فعل سلبية بين السكان الذين تنتشر بينهم عبارة"العمل يعني الصحة الجيدة". وفي حين تزداد الدراسات في الغرب عن السعادة في العمل، يعتبر اليابانيون أن لا معنى لهذا المفهوم في بلد يتمتع سكانه بحس الواجب وقد لا يطرحون على أنفسهم مسائل وجودية من هذا النوع، لا سيما في العمل. ويؤكد سيشيري فوكوي 64 سنة، الذي أمضى 41 سنة من حياته وهو يعمل في مجال السمسرة العقارية أو التأمين أو حتى بيع الكعك:"لم أسأل نفسي يوماً هل عملي ممتع أم لا... فوالدي عمل حتى الثمانين وأنا أنوي أن أحذو حذوه. بنيت حياتي على هذا الأساس، ولن أغيّر عاداتي بكل بساطة! إذا تقاعدت، ماذا عساي أفعل؟". سؤال يتردد صداه في أوساط اليد العاملة المتقدمة في السن التي تسعى إلى إيجاد معنى لحياتها بعد التقاعد، ووجد البعض الحل لهذه المشكلة بالعمل من جديد. أحيلت المدرسة يوميكو توميناغا 61 سنة على التقاعد مبكراً منذ 10 سنوات بسبب مشاكل صحية. وقررت بعد شفائها من المرض أن تخصص وقتها لهوايتها المفضلة، ألا وهي تحضير الشاي والخبز. وتقول:"أشعر بالسعادة والنشاط عندما أزاول عملي".