رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان صار بطلاً قومياً في نظر بعض العرب. هذه البطولة تتوهج يوماً بعد آخر. وحين تمعن النظر تجد أن الرجل يجيد لعبة الإعلام والدعاية السياسية. وهو افتعل معركة كلامية في منتدى"دافوس"مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وانسحب من المنصة التي كان يجلس عليها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى. وكرر البطولة ذاتها في قضية السفينة التركية، وأصدرت حكومته، قبل يومين، بياناً قالت فيه إنها لن تفكر في تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما لم تعتذر هذه عن غارتها الدموية على السفينة التركية المتجهة إلى قطاع غزة العام الماضي، وترفع الحصار عن القطاع. والصحيح هو أن الحكومة لن تعيد العلاقات وليس تطبيعها، فالتطبيع بين البلدين بات محسوماً. لكن، وسط هذا الضجيج الإعلامي المفتعل، الذي يجيده أردوغان، وعلى نحو مثير، لا أحد يسأل عن خطورة هذه المناكفة السياسية على مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي. تركيا أردوغان هي التي هدمت الجدار الذي يمنع حركة التطبيع العربي - الإسلامي مع إسرائيل، من دون ثمن لمصلحة الحقوق الفلسطينية. فالتعاون التركي - الإسرائيلي استخدم كَسْرَ خاطر سفينة إغاثة إعلامية وإغلاق مقهى يقدم القهوة التركية في تل أبيب، بازاراً إعلامياً هدفه تحويل الصراع مع الدولة العبرية الى مجرد خلاف على سفينة ومقهى. وتركيا في تعاملها مع إسرائيل لا تختلف عن إيران، كل منهما يبيعنا مواقف مجانية يجري تصويرها على أنها تحالف مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، على رغم أن الدولة العبرية سعيدة بهذ"المناكفات"التركية، التي تخدم معاودة تفسير جوهر الصراع بين العرب والإسرائيليين، وتستبدل التوتر وبرودة العلاقات باحتلال الأرض والصراع على الوجود. لا شك في أن تركيا تعاود اليوم تشكيل مفهوم العلاقة مع إسرائيل، وعلى نحو خطر. هي لا تختلف عن إيران في هذه القضية، كل منهما يسعى الى خطف القضية لمصلحة نفوذه في المنطقة، ويكرس بناء مثلث"أنقرة - طهران - تل أبيب"لتطويق العرب. ولعل الأزمة المذهبية بين المسلمين، أفسحت في المجال لتركيا، أكثر من إيران، فضلاً عن أن أنقرة تتسلح بمقومات مذهبية وتاريخية وثقافية، وتستغل دور الوسيط، المقبول من كل الأطراف، لتحقيق أهدافها ومصالحها في المنطقة.