ودّع الفلسطينيون امس الشاعر الكبير محمود درويش بالغناء والزهور والدموع والشعر. وبدأت رام الله استعداداتها لاستقبال جثمان الشاعر منذ الصباح الباكر: بوسترات للشاعر تحمل عبارة"على هذه الارض ما يستحق الحياة"وزعت في انحاء المدينة... واكاليل زهور في قصر الثقافة ومحيطه حتى لكأن زهور رام الله غادرت حدائقها وقدمت لاستقبال الشاعر... وقصائد مغناة للشاعر بصوت الفنانيْن اللبناني مرسيل خليفة والسوري سميح شقير تصدح عبر مكبرات الصوت في قصر الثقافة... وقصائد للشاعر بصوته. منذ الصباح، بدأ عشرات الآلاف من محبي درويش بالزحف من انحاء فلسطين والمهجر، من الناصرة وحيفا ونابلس وغزة والشتات، الى مدينة رام الله حيث شُيع الراحل الى مثواه الاخير في مراسم رسمية شارك فيها الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض واعضاء اللجنة التنفيذية والوزراء وقادة القوى والاحزاب ومثقفون. ووصلت والدة الشاعر حورية، وهي عجوز في الخامسة والتسعين من عمرها، من قريتها الجديْدة في الجليل على كرسي متحرك لوداع"الفتى الطيب". واستقطب حضور والدة محمود التي خلدها في قصائد جميلة مثل"أحن الى خبز أمي وقهوة أمي"، و"سلام عليك وانت تعدين نار الصباح"وغيرها، من الاهتمام اكثر ما استقطبه الحضور الكبير للسياسيين. وشارك في مراسم التشييع رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان، ووزيرة الثقافة الاردنية نانسي باكير، والقناصل وممثلو البعثات الديبلوماسية العربية والاجنبية في الاراضي الفلسطينية واسرائيل. وألقى الرئيس محمود عباس كلمة في مراسم التشييع قال فيها:"اليوم، نودع نجماً أحببناه إلى درجة العشق... ترجل الفارس العنيد عن صهوة الشعر والأدب، ليترك فينا شمساً لا تغيب، ونهراً لا ينضب، من عطاء الخير والبشائر والأمل". ودعا عباس"الجهات الحكومية والرسمية المعنية بجبهة الثقافة، إلى إيلاء هذه الجبهة ما تستحق من تركيز واهتمام ورعاية، وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لتمضي قدماً نحو تعزيز دورها ومكانتها والعبور إلى عهد جديد من الأصالة والتجديد". وألقى الشاعر سميح القاسم رفيق درب محمود درويش كلمة مؤثرة انتزعت الدموع من عيون المئات، قال فيها ان درويش كان يجب ان يدفن في مقبرة قريته البروة"الذبيحة"لكن المستوطنين يستخدمون مقبرة اجداده حظيرة لمواشيهم المستوردة. واضاف:"ان البروة، قرية الشاعر المدمرة، والرامة قرية القاسم ورام اللهوالقدس وغزة وعكا والخليل، انما تشكل الاطراف المتقابلة والمتكاملة في معادلة الوطن الواحد". وحمل بشدة على الصراع الداخلي الفلسطيني متسائلا:"هل عدنا الى الجاهلية، الى داحس والغبراء؟". وألقى شقيق الشاعر احمد درويش كلمة العائلة قال فيها ان محمود درويش يعود اليوم الى ثرى فلسطين. ونقل الجثمان عقب إلقاء نظرة الوداع الاخيرة عليه في مقر الرئاسة، على عربة عسكرية الى قصر الثقافة الذي اطلق عليه اسم قصر محمود درويش، حيث دفن على تلة مشرفة على القصر ومطلة على القدس. وتجمع الآلاف من المواطنين والضيوف العرب والاجانب في محيط قصر الثقافة للمشاركة في تشييع دوريش. وكان بين المشاركين وفد سوري من هضبة الجولان المحتلة ضم العشرات وقدم وصلات غناء وداعي جماعية. ومن بين المشاركين عشرات الاجانب الذين يعيشون او يعملون في فلسطين. وقالت سيدة فرنسية انها تستمع الى شعر درويش بالعربية، وانها تستمتع به رغم انها لا تفهم العربية بفعل ما يحتويه من موسيقى. وشارك في التشييع وفد من حركة"السلام الآن"الاسرائيلية برئاسة عضو الكنيست السابق يوري افنيري. وتلقى الرئيس عباس امس برقيات تعزية برحيل الشاعر من عدد من زعماء وشعراء العالم. ومن بين المعزين الرئيس نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي قالت في تعزيتها:"إن شغف الشعب الفلسطيني بدرويش سيظل يتردد صداه من خلال إرثه الأدبي"، مضيفة:"كلي أمل بأن يحل السلام، وأن تقام الدولة الفلسطينية الزاهرة كما كان درويش تواقا لها". ووصل جثمان الراحل قبل الظهر على متن مروحية اردنية ترافقه وزيرة الثقافة الاردنية نانسي باكير.