"مجمع ثقافي"، يمكنك أن تقولها بعربية منقوصة لسائق تاكسي أجنبي في أبو ظبي ليفهم ما تقصده، فالمجمع الثقافي هو العنوان الوحيد للنشاطات الثقافية في أبو ظبي منذ إنشائه عام 1981. ومع افتتاح قصر الإمارات عام 2005، بات هذا الصرح المصمم على الطراز العربي والهندي، المركز الأساسي للنشاطات الثقافية والفنية في العاصمة أبوظبي. كما بات واجهة أبو ظبي، ويشبهها إلى حد بعيد، في تلك الصيغة التي تريدها لنفسها والتي تصنع لها مكاناً خاصاً على خريطة المنطقة الثقافية باستحضارها الماضي بصوره أكثر ابهاراً وفخامة. القصر بقببه ال114 افتتح بإنشائه حقبة ابو ظبي الجديدة، حقبة"الماركات"الثقافية الكبيرة، التي أرادت بها المدينة أن تكرس رياديتها الثقافية في المنطقة. ففي قصر الإمارات، افتتح المهرجان الأول للمفكرين المبدعين الذي استضاف الحائزين جوائز نوبل في مختلف المجالات، وكما احتضن لوحات فان غوغ وسلفادور دالي وبابلو بيكاسو، في إطار معرض"آرت باريس"للفن الحديث والمعاصر الذي بات يعقد سنوياً، وأصبح له فرع خاص باسم المدينة" آرت باريس - ابو ظبي"، ومعرض"بيكاسو"الذي افتتح في آخر شهر أيار مايو الماضي ويستمر حتى الشهر المقبل. كما يضم القصر مجسم جزيرة السعديات، المشروع الضخم الذي من المفترض ان يضم منطقة ثقافية ودار أوبرا كبيرة ومركزاً لمتحف اللوفر - أبو ظبي ينجز عام 2012. وينزل في القصر ذي الألف ثريا والسبعة آلاف باب رؤساء الدول والشخصيات البارزة، ويتحدثون من على منصة مسرحه الضخم. "إميراتس بالاس"، عنوان ثقافي إضافي في ابو ظبي، وإليه انتقلت الكثير من النشاطات الثقافية الكبيرة، فهو صورة أفضل عن المدينة اليوم، أكثر مما هو المجمع الثقافي الذي كان يشبه المدينة أكثر في تطورها التدريجي وفي"حميمية"حياتها الثقافية الأولى التي لم تكن"مفلوشة"إلى هذا الحد. كانت أبو ظبي تجاهد لتكتسب مكاناً على الخريطة الثقافية، في محيط يتعاظم فيه الهم الاقتصادي، وفي المجمع الثقافي المبنى"الأصم"من الخارج المقفل على كتلة باطونية واحدة صممت لتكون"ثورية"في حينه، يحوي في داخله مركزاً جميلاً حميماً بطبقات ثلاث مفتوحة على بعضها بفضاء مشترك. وأقيم في المجمع أول معرض للكتاب وأمسيات لنزار قباني ومحمد الماغوط ومحمود درويش. لكن المبنى الذي ما زال مشغولاً بالكثير من النشاطات، بدأ يفقد نجوميته مع بروز قصر الإمارات واستضافته أضخم المعارض الفنية في العالم. ويعيش المجمع الثقافي اليوم فترة استعداد الى التحول، ليصبح متجانساً أكثر مع صورة أبو ظبي الجديدة. فهو كان مؤسسة قائمة بذاتها ولكنه تحول لاحقاً مع إنشاء هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث العام عام 2005 إلى مركز للهيئة ليس إلا. وما زالت تفاصيل مشروع تحوله غير واضحة، ولكنها تذهب كما القصر، نحو"الضخامة"والاتساع، فاستراتيجية ابو ظبي التي أعلنت أخيراً حتى عام 2012 لحظت إنشاء منطقة ثقافية في أبو ظبي، سيبقى المجمع الثقافي مركزها الرئيس لكن مع إضافات كثيرة تناسب المشاريع الجديدة، التي ستضم عدداً من المتاحف الخاصة بالتراث البدوي وتراث المنطقة، ومكتبة وطنية جديدة. وقد يسقط السور الأبيض الذي يحيط بالمجمع ويشكل جزءاً من"شخصيته"، على ما يبدو. فالسور الذي اعتاد اهل المدينة على وجوده، يحجب داخله "قصر الحصن"وهو المعلم الأثري الأقدم في مدينة أبو ظبي والأهم في الإمارة. وعلمت"الحياة"أن المخطط الجديد سيعيد الى القصر مكانته، وهو جزءاً من مرحلة جديدة بدأت عام 2005 مع إنشاء"هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث"، اي مرحلة العودة إلى النشاطات التراثية، لتشهد الحقبة الجديدة مهرجان الصقور وشاعر المليون وأمير الشعراء وجمع التراث الشفهي. غيرت المدينة وجهها فغيرت مجمعها الثقافي الذي كان يشبه شيئاً حداثياً ينمو. إنها اليوم مزيج من"قصر الإمارات"بماركاته الثقافية العالمية الكبيرة و"قصر الحصن"بتاريخيه.