في ليلة واحدة، وفي اللحظة ذاتها، كان الجاز يصدح عند طرفي شاطئ أبو ظبي، في هوائها الطلق. الجاز مكثفاً، وكأنه مزاج المدينة الأصلي. ففي ليلة الجمعة الماضي، وعند التاسعة ليلاً، كان العازف الشهير الجنوب أفريقي عبدالله ابراهيم ، ومن على مسرح كبير مفتوح على شاطئ قصر الإمارات، يعزف خلف البيانو مع فرقته"ايكايا"مقدماً"مناظر أفريقية"استقى مصادرها من الإيقاعات الأفريقية مدموجة بجاز القرن العشرين، في إطار برنامج"موسيقى أبو ظبي الكلاسيكية". وكانت مغنية الجاز والسول ناتالي ويليامز من على مسرح أصغر، ربما أكثر حميمية ولكنه أيضا مفتوح على هواء المدينة، تغني في إطار مهرجان أبو ظبي للجاز الذي عاد إلى المدينة بعد انقطاع سنتين، وأقيم على مدى ثلاثة ليال متتالية في فندق"روتانا بيتش"في أبو ظبي، من الخميس وحتى السبت وقدم 12عرضا تنوع بين ال"real jaz"في شكل أساسي انيا ووردل، ابرام ويلسن، لاري غارنر، ناتالي ويليامز...، والبوب روك و"الروك أند رول"والبلوز جوناس ديزي، كورماك كنفي، غاي منوكيان.....وايضا بين عروض لفرق موسيقية شبابية جديدة وتحديدا لبنانية، أفتتحت بها الليالي الثلاث، وكانت"مروان والمجوس"وبول عقيقي في حفلتي بوب وروك، و"الرباعي عفيف وأخوانه"في حفلة جاز نجح فيها روني عفيف وفرقته بتقديم جاز خاص بروح لا تنتمي إلى الموسيقى العربية كما درجت العديد من التجارب مؤخرا، وإنما إلى روح شرقية تشد عصب موسيقاه، ومن بين معزوفاته"من عندك كوبي شاي أخضر"و"بعد النون"... وجد جمهور الجاز إذن، نفسه فجأة مقسما بين مكانين، هو الذي لم يكن يحظ من قبل بليلة جاز واحدة، فالمهرجانات الموسيقية كانت في أبو ظبي في الفترة الأخيرة تحتفل بشكل أساسي بالموسيقى الكلاسيكية وبالأوبرا والمسرح الاستعراضي الراقص، حيث أن هناك مهرجانين للمموسيقى الكلاسيكية، الأول المسمى"مهرجان أبو ظبي للموسيقى الكلاسيكية"وآخر باسم برنامج"موسيقى أبو ظبي الكلاسيكية"يتنافسان على تقديم واستقطاب نجوم عالميين. ولكن أبو ظبي لم تربك فقط جمهور الجاز، وإنما أربكت جمهور الموسيقى عموماً خلال الثلاث ليال المتتالية من نهاية عطلة الأسبوع. فبين الخميس والسبت، شهدت المدينة أكثر من 15 عرضاً موسيقياً. دوتشي التركية المقيمة في أبو ظبي، والتي حضرت افتتاح مهرجان الجاز، كان على أصدقائها أن ينقسموا، كما قالت، ليل الخميس، بين افتتاح حفل الجاز وبين الحفلة الأولى ل"بيت العود"الذي أسسه ويشرف عليه الموسيقي نصير شمه، والذي قدمت خلالها الدفعة الاولى من خريجي"بيت العود"أعمالا موسيقية عديدة منها"زمان النهاوند"و"دعاء السنديان"و"كان في الأندلس"و"أرض الإسراء"وغيرها. كما أربك جمهور الموسيقى مرة أخرى ليل السبت بين عازف الترمبيت الشهير أبرام ويلسن ومغنية الجاز أنيتا وورهل والعازف لاري غارنر في ليلة جاز حقيقية في اطار مهرجان الجاز وبين حفل آخر لبرنامج"موسيقى أبو ظبي الكلاسيكية"مع مغنية الاوبرا الشهيرة سيسيليا بارتولي. إذاً ثلاث ليال موسيقية محتشدة ضاع فيها جمهور أبو ظبي بين حفلتين"موسيقى أبو ظبي الكلاسيكية"وحفلات"مهرجان الجاز وحفل"بيت العود"، منهم من قضى وقته مهرولا بين المسارح وآخر حسم أمره وميوله، ولكن كما يبدو، فإن لكل نوع موسيقي جمهوره في هذه المدينة. ويبدو ان جمهور الموسيقى في أبو ظبي يتمدد، أو أنه يكتشف نفسه أكثر، وهو جمهور يشبه المدينة كثيراً في تنوعها، ولكنه جمهور"فاتح اللون"عموماً، حيث تتوزع بين المهرجانات في شكل أساسي وجوه بسمات أوروبية غربية، ولكن أيضا عربية ولو بنسبة أقل بالإضافة إلى الجنسيات الأخرى. ولكن ما بدأت تحققه كل تلك الحمى الموسيقية في أبو ظبي، هو ذلك الخلط النسبي في الجمهور، فبيت العود اكتظ بوجوه غربية وتوزع العرب والجنسيات الاخرى بين حفلات الأوبرا والجاز والبوب. وإن كانت حفلات الموسيقى بكل أنواعها قد بدأت منذ نحو العامين بجمهور محدود، يأتي ببطاقات مجانية، باتت اليوم، حفلات مدفوعة وبأسعار عالية أحيانا وبقاعات ممتلئة. إذن نهاية أسبوع موسيقية محتشدة في أبو ظبي، قد تعكس بجانب ما قلة تنسيق ولكنها أيضا تترجم سباقا تقوم به المدينة مع الوقت لصناعة دور واسم ثقافيين في المنطقة، وهذا ما يظهر بوضوح أكبر لو أضفنا إليه معرض"آرت باريس"للفن الحديث والمعاصر الذي اقيم أيضا في الفترة نفسها واختتم ليل الجمعة، ولو اضيف له أيضا مثلا افتتاح معر ض الفنان التشكيلي حمزة بونوة اليوم، بعد ان اختتم في المكان نفسه في غاليري غاف معرض"الطباعة العربية"والذي ضم اعمالا للفنانين نجا المهداوي، منى السعودي، ليلى الشوا، جمال عبد الرحيم... بالإضافة إلى أجندة طويلة مقبلة للأنشطة الثقافية. نشر في العدد: 16670 ت.م: 24-11-2008 ص: 39 ط: الرياض