10522 خريجًا وخريجة في مختلف التخصصات.. نائب أمير مكة المكرمة يشرف حفل التخرج بجامعة جدة    طموحنا عنان السماء    فراق زارعة الفرح    هنأت رئيس الكاميرون باليوم الوطني.. القيادة تعزي في وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    نائب أمير مكة يرعى تخريج طلاب جامعة جدة    "مطارات القابضة" وشركاتها التابعة تطلق برنامج المحتوى المحلي "جسور" في مطارات المملكة    اطلعا على برامج صندوق «الموارد البشرية».. أمير الشرقية ونائبه يثمنان دعم القيادة لأبناء وبنات الوطن    الذكاء الاصطناعي ومستقبل الوظائف    رحلة نحو الريادة في السياحة العلاجية    الراجحي يصدر قراراً بتعديل تنظيم العمل المرن    وزير الإسكان يفتتح منتدى سلاسل الإمداد العقاري    القضاء على الفقر وليس القضاء على الفقراء    عبدالعزيز بن سعد لأهالي المنطقة: حائل البديل المناسب للمناطق المزدحمة في المملكة    القوات المسلحة تواصل تدريبات" الأسد المتأهب"    مكعّب روبيك.. الطفل العبقري    واتساب يختبر ميزة تلوين فقاعات الدردشة    بعد وفاة رئيسي في حادث تحطم طائرة.. مخبر رئيساً مكلفاً للسلطة التنفيذية في إيران    المسألةُ اليهوديةُ مجدداً    بعد وفاة رئيسي.. لا تغيير في السياسة الإيرانية    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    أنديتنا وبرنامج الاستقطاب    في الرياضة.. انتظار الحقائق والتطوير    اجتماع اللجنة الأمنية والعسكرية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي - القطري    تعزيز العلاقات مع "تحالف الحضارات"    رسمياً .. الاتحاد يعلن رحيل "جروهي" و "رومارينيو" عن صفوفه    "البلاد" كانت حاضرة.. المنتخب السعودي للجولف يتوج بوصافة دولية الأردن    أتعبتهم ولم يتعبوني    إحباط تهريب 200 كلغ من القات المخدر    خادم الحرمين الشريفين يخضع لبرنامج علاجي    "تعليم جدة" يصدر نتائج حركة النقل الداخلي لشاغلي وشاغلات الوظائف التعليمية    أمير الرياض يستقبل منتسبي جمعية المتقاعدين    إجازة لمكافحة التعاسة    ابحث عن قيمتك الحقيقية    لجين تتألق شعراً    مواجهة الظلام    مبادرة الأديب العطوي    أبطال آيسف يحققون 27 جائزة للوطن    ما الذي علينا فعله تجاه أنفسنا ؟!    سعود بن نايف وكتَّاب الرأي !    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    لا عذر لخائن    تسهيل وصول أمتعة الحجاج لمقار سكنهم    العجب    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    مفتي الهند يدعوا الله بأن يشفي خادم الحرمين    "العامري" بين استعراض المنجزات، لثانويات مكتب تعليم حلي    الجنائية تتحرك لاعتقال قادة من حماس وإسرائيل    د. العيسى يتسلَّم مفتاح محافظة الإسكندرية أعلى وسام في المدينة    قدوم 267657 حاجا عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"وأذن في الناسِ بالحج": الحج والعلاقة بالمكان من خلال دعوة النبي إبراهيم
نشر في الحياة يوم 20 - 12 - 2008

تحتل شخصية إبراهيم عليه السلام حيزاً مهماً في الخطاب القرآني، فهي شخصية مركزية بين مجمل الرسل الذين ذكروا في القرآن الكريم، ولعل هذا الاهتمام بشخصيته يرجع إلى مكانتها لدى مختلف الطوائف والنحل منذ عصر الرسالة، فالمشركون، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، يعترفون بفضله ويتشرفون بالانتساب إليه، فهو واحد من أهم الشخصيات في التاريخ الديني، حتى إن علم الأحافير لم ينحصر في البحث عن تاريخ أحد كما بحث عن تاريخ إبراهيم.
وقد ورد ذكر إبراهيم في القرآن تسعاً وستين مرة، وتوزع ذكره في خمس وعشرين سورة من القرآن الكريم - معظمها مكية - تناولت مختلف أخباره، ومجموع الآيات التي تناولت ذكره 190 آية، كما أشار القرآن إلى تلقي إبراهيم صحفاً تشتمل على مبادئ وقيم جاء بها الرسل على مختلف العصور، وبتتبع الآيات التي ورد فيها ذكر إبراهيم أو القص عنه نجدها تناولت محاور عدة، ولا يكاد يخلو محور منها من علاقة بالتاريخ الزمن الماضي أو المستقبل من خلال الحديث عن علاقته بالرسل والرسول الخاتم بالخصوص، أو علاقته بالجغرافيا من خلال الحديث عن المكان وبناء البيت الحرام بالخصوص، مع تأكيد دائم على وحدة رسالات الأنبياء عبر المنهج الإبراهيمي الحنيفي الذي أبرز التوحيد عبر التساؤل والتجربة التي مر بها في إثبات وحدانية الله عز وجل.
وتتخذ علاقة إبراهيم بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم مركزية خاصة واهتماماً في معظم مواطن سرد أخباره، وذلك عبر الإشارة الإبراهيمية إليه، أو استرجاع إبراهيم في الرسالة الخاتمة واستحضار مرجعيته الجامعة بين الرسل، ويمثل النداء الإبراهيمي للحج إلى البيت الحرام نموذجاً صريحاً لعمق رسالة الإسلام وتجاوزها الطائفيات المحدثة بعد إبراهيم، فتشريع الحج يمثل التجسيد المكاني الرابط بين مختلف الرسل، فقد كلف الله إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام - ببناء البيت، فرفعا القواعد منه سائلين الله أن يتقبل منهما وأن يجعلهما مسلمين داعين لذريتهما بأن يبعث فيهم نبياً يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، في إشارة إلى المستقبل حول هذا البيت، وبعد إعمار البيت وتطهيره جاءت دعوة إبراهيم لربط العالم بهذا المكان،"وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ- وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ- لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ"[الحج/26-28]، ففريضة الحج ربطت المؤمنين بالمكان كرمز للوحدة والتوجه، في هذا النداء الإبراهيمي - الغيبي بطبيعة الحال - تأكيد للبعد العالمي للدعوة الإبراهيمية التي أضافت إلى دعوة الرسل السابقين وضوحاً وتفصيلاً جديداً، فالإسلام أصبح عنواناً للدعوة باعتباره الدين القيم والملة التي لا يقبل الحيد عنها والتي سميت بالحنيفية، وإمامة الناس أصبحت بعداً جديداً في دعوة الرسل، وهذه فريضة الحج تربط الناس بالمكان الذي يشهد على رسالة إبراهيم وسيشهد ختم الرسالات لاحقاً.
وخصوصية إبراهيم في الدعوة إلى الحج تشير إلى علاقته بالمكان التي لم تفارقه منذ بدء اعتراضه على قومه، فالاطمئنان إلى قدرة الله على إحياء الموتى ثم بناء إبراهيم للبيت ورفع القواعد، كل ذلك يشير إلى المدى الذي لازمت المكانية فيه تفكير إبراهيم، وهو في هذا ينطلق من الإحاطة الإلهية بالمكان كما أدركها، فكانت دعوته تنطلق بالإسلام من البعد المكاني ليسمو به أتباعه إلى آفاقه الكونية.
هذه المكانية كانت مركزاً لعالمية الدعوة الإبراهيمية، ليس من خلال الحج فقط، إنما من خلال الصحف الإبراهيمية أيضاً، والتي تضمنت مبادئ وأسساً توالت على تأكيدها الرسالات وجاء سياق ذكرها في القرآن يحمل هذا البعد، ولعل أهم ما تضمنته هذه الصحف التأكيد على منهج الرسل في دعوتهم أقوامهم، إذ استندوا إلى الفطرة والدعوة إلى إعمال الفكر والنظر وتحمل كل إنسان مسؤوليته أمام المصير الذي يقابله وبالتالي لا يعود التاريخ والنسب والأجداد عذراً يحمي الإنسان من وهن فكره الذي ينحرف به عن الرؤية السديدة التي يفرضها النظر، فهو يتحمل مسؤوليته ولا أحد يسأل سواه، كما لا يُسأل هو عن سلوك غيره، كما اشتملت الصحف على التذكير بصفات الله، والأمر بالتذكير والنصح والسعي إلى إقامة العدل وإشاعة الخير بحكمة ورشد.
وتتأكد هذه العالمية بغياب البعد القومي الذي كان واضحاً في خطاب الرسل الآخرين، فنجد إبراهيم اختير إماماً للناس، وغدت ملته ملة لكل الناس أمروا باتباعها، وأمر بالتأسي بإبراهيم، وقضية التوحيد واليوم الآخر من القضايا التي تواترت في الآيات حول إبراهيم، ولم يقتصر الأمر على الجانب العقدي بل شمل بعض العبادات، فالدعوة إلى الحج كانت شاملة لكل الناس، وإقامة الصلاة دعوة إبراهيم الى ذريته.
فلئن تجسد مع آدم مفهوم الخلافة في الأرض بعد أن تلقى كلمات فتاب الله عليه، فمع إبراهيم نجد مفهوم الإمامة بعد أن ابتلاه الله بكلمات فأتمهن، وثمة ربط مباشر بينه وبين معظم الأنبياء في الخطاب القرآني، فلوط عليه السلام معاصر له وأنبياء بني إسرائيل هم أبناؤه وكذلك الأنبياء قبله آدم ونوح وهود وصالح عليهم السلام يقترن ذكره بذكرهم بما يحمل هذا الربط من معاني الوحدة والاشتراك في الاصطفاء والوحي والميثاق والشرع الإلهي، والأهم من كل ذلك العلاقة بين دعوته والرسالة الخاتمة، هذه العلاقة المتبادلة، إذ يستحضر إبراهيم في رسالته شخصية رسول خاتم من ذريته يبعث في المكان الذي وضع أسس البيت فيه، ومن ناحية أخرى يستدعي القرآن شخصية إبراهيم باعتبارها العمق التاريخي للرسالة المحمدية، فذكر إبراهيم في النص القرآني ينهض بوظائف تتعلق بالرسالة الخاتمة.
فالمنهج في الرسالة الإبراهيمية كما يعرضه القرآن يؤسس لحياة الأمم، فقد انتقل بالناس إلى الأفق الكوني من خلال بناء البيت ونداء الحج وما ارتبط بهما من دعوة إلى الأمن والسلام والألفة بين الناس، مكرساً بذلك أسساً تؤهل الإنسان للتقدم بمهمة الاستخلاف في الأرض وذلك باستحضار المنهج الإبراهيمي في التعلم والسؤال، هذا المنهج الذي يفتح الأفق على الحق المتعالي الذي تصبو إليه الحنيفية التي ميزت رسالة الإسلام، وبالأخص في رفضها الاستئثار بالله كما ستؤول إليه دعوة موسى عليه السلام مع أتباعه، أو الاستئثار بالحقيقة كما ستؤول إليه دعوة عيسى عليه السلام مع أتباعه.
* كاتب سوري
نشر في العدد: 16696 ت.م: 20-12-2008 ص: 26 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.