انتقلت عدوى التشاؤم أخيراً إلى قطاعات من الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من العام الحالي، بعد تفاقم الاضطرابات المالية في أسواق المال العالمية وتخوّف كثيرين مما يخبئه المستقبل. وفي وقت تراجع حجم استثمارات الشركات والمؤسسات للمرة الأولى منذ عامين، سجلت الصادرات الألمانية والاستهلاك الداخلي ضموراً ملموساً في مقابل صمود سوق المال الداخلية وتحسن سوق العمل. وإذ أكد المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن رسمياً تراجع النمو الاقتصادي للبلاد 0،5 في المئة في الربع الثاني، دلت مؤشرات على أن التراجع سيستمر في الربع الثالث ليسجل 0،2 في المئة. وكان معدل النمو في الربع الأول سجل 1،3 في المئة، وهو الأفضل ألمانياً وأوروبياً خلال السنوات الأخيرة. وأفادت غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية في نشرتها الاقتصادية الشهرية الأخيرة، بأن المستهلكين الألمان أنفقوا في السوق الداخلية 0،7 في المئة أقل مما صرفوه في مطلع السنة الحالية، بحسب تحليل خبراء، فيما ساد اعتقاد بارتفاع الاستهلاك نتيجة الزيادات الأخيرة على الأجور العالية نسبياً، وتوفر مزيد من فرص العمل مع تراجع البطالة في البلاد. وعزا هؤلاء أسباب انكماش المستهلكين عن الإنفاق، إلى القلق المتنامي لديهم من استمرار الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية على اقتصاد ألمانيا، وتتمثل في ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم التي تأكل جزءاً من معاشاتهم. وفي رأي كبير خبراء بنك"يوني كرديت"، ريس أندرياس، أن المستهلكين يفضلون ادخار أموالهم لدى المصارف بدلاً من إنفاقه، لافتاً إلى أن معدل التوفير ارتفع من 01،3 إلى 01،8 في المئة. واستبعد مؤشر مؤسسة الاستهلاك في ألمانيا" جي أف كي"الصادر أخيراً، أن يكون الاستهلاك تحسّن في أيلول سبتمبر الماضي. وأشار مؤشر"إيفو"الشهري لمعهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ، إلى أن أجواء الاقتصاديين الألمان تعكّرت أكثر في آب أغسطس، ما أدى إلى تراجع المؤشر الأهم في البلاد من 79،5 إلى 49،8 نقطة، وهو التراجع الثالث على التوالي الذي يعني في لغة الاقتصاد نقطة تحول إلى الأسوأ. ونقلت نشرة الغرفة عن تقرير دوري صادر عن مصرف"كوميرس بنك"إشارته إلى أن الشركات الألمانية والأجنبية في البلاد"خفضت استثماراتها في قطاع الآلات والأجهزة وقطع الغيار 0،5 في المئة، ما وضع حداً للانتعاش الذي سجله حجم الاستثمارات منذ ربيع 4002". أما الاستثمارات في البناء فتراجعت 3،5 في المئة، علماً أن الأمر كان منتظراً بعد القفزة الكبيرة التي حققها القطاع في الربع الأول من العام الحالي وبلغت5،7 في المئة بفضل اعتدال الشتاء. وعلى رغم تراجع الصادرات الألمانية 0،2 في المئة خلال الفترة الماضية، بقي هذا العامل داعماً للنمو في البلاد إلى جانب الاستثمارات الكبيرة التي نفذتها الدولة في مجالات متعددة وزادتها 0،3 في المئة. وقال كبير خبراء المصرف المذكور يورغ كرامر إن الاقتصاد الألماني"المتمتع بقدرة كبيرة على المنافسة في العالم، قد لا يكون قادراً على مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهه"مشيراً إلى أن إسبانيا دخلت مرحلة ركود اقتصادي في وقت يتعثر فيه نمو إيطاليا وقد يسجل صفراً. وتواجه فرنسا تراجعاً كبيراً في نموها ويتهدد بريطانيا الركود. أما بالنسبة إلى ألمانيا فلا تزال الحكومة متمسكة بمعدل نمو لهذه السنة مقداره 1،7 في المئة. وينتظر اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية نمواً بپ2 في المئة على الأقل. أما المنظمة الأوروبية للتعاون والإنماء، فخفّضت في تقريرها الصادر مطلع أيلول الماضي، توقعها لمعدل النمو في ألمانيا من 1،9 إلى 1،5 في المئة. لكن الجميع يتوافق على النظر بتشاؤم كبير إلى حجم النمو المتوقع في ألمانيا العام المقبل، ويتدنى بوضوح عن معدل واحد في المئة. إلى ذلك أعلن أخيراً كل من معهد الاقتصاد الدولي في هامبورغ ومعهد الراين ووستفاليا لبحوث الاقتصاد في هسِّن، أنهما لا ينطلقان بدورهما، من حصول ركود في الاقتصاد الألماني، ويريان"ضوء أمل في آخر النفق"بعد تراجع أسعار النفط ومواد الخام الأخرى، وكذلك سعر اليورو أمام الدولار وأسعار مواد الغذاء عموماً، ما يعزز، بحسب رأيهما،"الموقع التنافسي للصادرات الألمانية إلى الخارج". وتوقعا أن يمكِّن هذا التطور قطاع التجارة الخارجية الألماني من مواصلة دوره في دعم النمو في البلاد. كما توقعا أن يؤدي تراجع التضخم إلى تشجيع المستهلكين على الإنفاق، لافتين إلى أن معدل التضخم سيسجل 3 في المئة هذا العام و2،3 في المئة العام المقبل.