تطرح الروائية الفرنسية دانيال سالناف سؤالاً مزعجاً يتناول كذب جان بول سارتر ورفيقته، صاحبة الرأي النسوي الأول، سيمون دو بوفوار، على أبناء جيلهما. وتكتب هل أسطورة دو بوفوار البراقة مصطنعة ومنحولة؟ وفي محاولة الإجابة عن السؤالين هذين، أجرت سالناف بحثاً دقيقاً تناول دفاتر ورسائل ووثائق دوبوفوار. وقارنت المعلومات الواردة في مذكرات الكاتبة مع مصادر مختلفة. وتبين لها أن سيمون دو بوفوار اخفت ما أرادت أن يبقى طي الكتمان، وأعلنت ما أرادت إشهاره عن نفسها. فهي"أخرجت"صورتها، على ما يفعل المخرجون السينمائيون. وتبدو صورة"الزوجين"، سارتر ودو بوفوار، المثالية والمتحررة ضعيفة الصلة بالواقع. فسارتر رجل ذكوري ومستبد وبارد المشاعر ومبالغ في الغيرة. ولم تكن العلاقات الحميمة بين الزوجين مقتصرة عليهما. فدو بوفوار كانت صلة الوصل بين زوجها وبين نساء أخريات. وهي في مثابة مدير علاقاته الحميمة، تنهي علاقة زوجها بمن يفقد اهتمامه بها. ونزعت دو بوفوار الى التضحية، واخفت اضطرابها وتظاهرت بالقوة والتماسك. وغداة مشاركة سارتر في ندوة" هل الوجودية انسانوية؟"، في 1946، حملت الشهرة دو بوفوار على كتابة عمل موجه الى الجمهور، هو"الجنس الثاني"1949، كتابها الأشهر وأحد"البيانات"النسوية الأكثر رواجاً في القرن. وفي حين نزع سارتر الشاب الى معاداة البورجوازية ومناوأة أفكار الآخرين، ورأى ان التاريخ كابوس رهيب، احتفت دو بوفوار المراهقة بجمال الطبيعة والحياة، وراحت تبحث عن السعادة. وكان اهتمام سارتر ودو بوفوار بالسياسة وشؤونها قليلاً وضعيفاً. ولم يحمل الاحتلال الألماني الزوجين على العدول عن لا مبالاتهما بالسياسة. ولم يغير سارتر عادات عمله في أثناء الاحتلال الألماني. وكان يمضي ساعات طويلة في الكتابة في غرفته المشبعة بالتبغ ودخان السجائر. وانتظر الزوجان نهاية الحرب منذ 1941. ولكن موقفهما بقي مبهماً. فمن يربح هذه الحرب وكيف، وأي جهة يؤيدان؟ واكتفى الزوجان الشهيران بالجلوس في مقاهي مونبرناس وسان جيرمان دي بري في انتظار وصول الأميركيين وقوات الحلفاء. وفي 1943، طردت بو فوار من الجامعة بتهمة التحرش بقاصر، فعملت في إذاعة"راديو فيشي". وفي سنوات الحرب الباردة، مال سارتر الى ابداء الرأي في الشؤون السياسية، ونزع على الماركسية. وطغت ميوله الماركسية على مجلته"ليه تان مودرن"العصور الحديثة. ولم يعصم أصدقاءه المفكرين، على غرار موريس لوبونتي وألبير كامو، من النقد اللاذع. وغالى سارتر في العصبية السياسية، وفي ازدراء من يخالفه الرأي. فمناهضو الشيوعية، على حسبه"كلاب". ودرج سارتر على زيارة موسكو في العهد الستاليني، والصين وكوبا. ومدح أنظمة هذه البلدان، وغض النظر عن معسكرات الاعتقال التعسفي والتصفيات الجسدية. ويستوقف القارئ مجاراة دو بوفوار"زوجها"أو صديقها وصاحبها، مماشاتها إياه الرأي. فكاتبة"الجنس الثاني"تخلت عن مواقفها الشخصية، وتبنت مواقف"رجلها"، وانقلبت، هي داعية الاستقلال بالنفس وبالرأي، وأصبحت السيدة سارتر. فجان بول سارتر ألقى بظله على المناضلة النسوية، وقيد حريتها، وانقادت هي الى قيدها. فدو بوفوار أغلقت باب سجن سارتر العقائدي عليها، وارتضت أن تكون سجينة أفكاره وأهوائه. عن جاك - بيار أميت، "لوبوان" الفرنسية ، 3/1/2008