يتوقف محللون اقتصاديون طويلاً أمام ظاهرة الأحداث الاقتصادية التي وسمت 2007 بطابعها. ويخشى كثيرون أن يدفع العالم في 2008، ثمن الجمود الاقتصادي بسبب أزمات اختبرها العالم على مدى العام المنصرم. فالتقارير الاقتصادية العالمية تتناول تكهناتٍ لما سيؤول إليه واقعُ السنة الجارية على الصعيد الاقتصادي، وترى أنّ النشاط الاقتصادي العالمي، يواجه جبهةً مقلقة من الأخطار تهدّد جزءاً من مقوّماته وتسلبه حيويته. وتتراوح الاحتمالات في أن تكون السنة مرحلة الأخطار الكبيرة، أو سنةً محكومةً بتهديداتٍ منوّعة وفي مناطق مختلفة من العالم. فأزمة القروض العقارية الأميركية، التي ظن انه أمكن تجاوزها، تحدُّ راهناً من النمو في بريطانيا وبقية أوروبا. ويعتقد أن سعر برميل النفط، بعد أن اخترق حاجز المئة دولار، سيتجاوز مستوى 120 دولاراً، موهناً الدول المستوردة لهذه المادة الأساسية والفاعلة في بناء اقتصادها، وأن دورة المحادثات التي بدأت في بالي بهدف وضع ملحقٍ مكمّل لبروتوكول كيوتو الحافظ للبيئة والمخفّض لانبعاثات الغازات الدفيئة، قد تتحول إلى عراكٍ بين الصينوالهند من جهة والأوروبيين من جهة ثانية. حتى أن الألعاب الأولمبية في بكين يُخفتُ بريقَها التلوثُ الكثيفُ في البلاد. لكن العناصر الأساسية المكوّنة لمخاوف المحلّلين تنحصر في أزماتٍ ثلاث، الأزمة المالية وضعف الدولار واشتعال أسعار المواد الأولية، هي جميعاً سوف تلبّدُ غيوماً في فضاء الاقتصاد العالمي. فلا يبدو أن الأزمة المالية التي تسبب بها قطاع الرهن العقاري الأميركي، وهو ائتمانٌ عالي الأخطار، سوف تنتهي، فهي تجاوزت مفاعيل الخطوات التي اتخذتها السلطات النقدية، وبقي الحذر مسيطراً على سوق المال والنقد. ولا احد يمكنه أن يتوقع اليوم نتائجها طالما يُرخي الغموض ظله على خسائر البنوك ويعتم على مصيرها، وهي اكتفت بتشديد شروط إقراضها إلى المنشآت والأسر. ويوحي إصرار العملة الأميركية على الاستمرار في ضعفها، باستعادة شبح الانزلاق خارج إطار المراقبة والضوابط، فانخفاض الورقة الخضراء، يترجم من ناحية ثانية بارتفاع حاد في اليورو الذي بدأ يُقلق حتى أكثر المتحمسين إلى عملة أوروبية قوية. وفي المقابل يشكل هبوب أسعار المواد الأولية المدخل إلى أزمةٍ ثالثة. فالشبح التضخمي عاد يتردد على حكام المصارف المركزية في الدول المتقدمة، ويضعهم أمام معضلة دقيقة، فإما أن يدعموا نشاطاً مهدداً بخطر انزلاق تضخمي، أو يفضّلوا استقرار الأسعار ولو كان محكوماً بخنق النمو. هذه المعضلات لن تؤذي مناطق العالم بطريقة واحدة ومستوى واحد، فالدول الناشئة المستثناة من الأزمة المالية، لا بدَّ أن تثابر على المقاومة، تتقدمها الدول الناشئة الثلاث، الصينوالهندوروسيا وتعتبر في أساس تكوين نصف نمو العالم ويجب أن تبقى محرّكه الأساس في 2008، بحسب ما أفاد صندوق النقد الدولي. وأشارت إعادة تقويم نمو الاقتصادات المتقدمة، إلى تراجعٍ متتالٍ، شمل بلدان ضفتي المحيط الأطلسي. وفي أفضل الحالات احتمال أن ينحصر الانكماشُ في الولاياتالمتحدة لوحدها. ويبدو أن الدول الناشئة قادرة أن تستمر في تحقيق اقتصادٍ قوي، مستكملةً مسيرة عقد من الزمن في نمو غير مسبوق، محدثةً، لصالحها، اتساعاً في الفجوة بين معدلات النمو، مع منظمة دول التعاون الاقتصادي، لأن النمو الاقتصادي في الدول الغنية، خصوصا الأنكلو- سكسونية، تراجع في الأعوام الأخيرة. وفي البحث عن أسباب هذا التراجع، يتضح ان الاقتصادات المتقدمة اعتمدت على كثافة ديون الأسر التي غذّت ارتفاع الأسعار، ودعمَ هذا التوسع الكثيف في الإقراض، الطلبَ الداخلي على رغم النزف في دخل الأجراء. لكنّ تشديد شروط الإقراض لدى المصارف، للحد من أخطار القروض، سوف تنهي فترة النمو المعتمد على الاستهلاك الداخلي وتضع نهايةً لهذه الآلية. ويحتمل أن تدخل الدول الغربية في نمو هزيل. وفي مقارنة للتوقعات بين عامي 2007 و2008، بحسب مصادر منظمة دول التعاون الاقتصادي، فإن معدلات النمو المرتقبة سوف تنخفض عما كانت عليه، وتتراجع في فرنسا من 1.9 إلى 1.8 في المئة، في ألمانيا من 2.6 إلى 1.8، في بريطانيا من 3.1 إلى 2، في إيطاليا من 1.8 إلى 1.3، في منطقة اليورو من 2.6 إلى 1.9 في المئة. وفي أميركا من 2.2 إلى 2 في المئة، وفي اليابان من 1.9 إلى 1.6، البرازيل من 4.8 إلى 4.6، الصين من 11.4 إلى 1خ.7، الهند من 8.8 إلى 8.6 وفي روسيا من 7.3 إلى 6.5 في المئة. ويشكل الانكماش في الاقتصاد الأميركي مصدر إزعاجٍ للدول الناشئة. هذه يمكنها أن تصمد ولكن بعد حين. ومصدرُ الإزعاج يبدأ من تغيّر خريطة التبادل التجاري العالمي، حيث تقلّص وزن دول منظمة التعاون الاقتصادي، وفي صلبها الولاياتالمتحدة. وتعتمد الصين على تصدير 20 في المئة من إجمالي صادراتها إلى أميركا، ولا يمكنها ان تحقق نموها الاقتصادي ذاتياً يعوّضها خسارة التصدير. صحيح أن الدخل الحقيقي ارتفع 9 في المئة، لكن لا بد من اجتياز فترة زمنية للتكيف مع الواقع وتعويض تراجع التصدير بزيادة قدرة الإنفاق الداخلي وتكوين النمو ذاتياً. فالدول الناشئة سوف تتمتع بقدرة نمو ذاتي فاعل، لكنها ستكون في أساس ارتفاع الأسعار وتحقيق التضخم، لأنها تمثّل حجماً كبيراً في كفّة الطلب بعد إعلاء مستوى الفرد الإنفاقي.