يعلو صوت الاتحاد المغاربي كلما تعلق الأمر باستحقاق اقليمي في حضور شركاء أوروبيين، كما في منظومة"5+5". ويخفت الى حد الهمس عندما يكون محوره قضايا مغاربية صرفة من قبيل البحث في عقد القمة المؤجلة الى ما لا نهاية أو تنفيذ التزامات التكامل الاقتصادي واجراءات التنسيق السياسي. وإذ يرى وزير خارجية اسبانيا موراتينوس ان كلفة عدم وجود اتحاد مغاربي"جد مرتفعة"فإنه يجمل تمنيات الشركاء الأوروبيين إزاء عدم استمرار وضع أقل من عادي في المنطقة الأقرب الى امتدادهم الجغرافي جنوباً. غير أن هذه التمنيات لا تعفي الأوروبيين من أنهم تجاهلوا الفضاء المغاربي ردحاً من الزمن وانشغلوا بترتيب البيت الأوروبي عبر الانفتاح أكثر على البلدان الأوروبية الشرقية الخارجة من المعسكر السوفياتي سابقاً. وكما أنه لا يبدو أن انفتاح شهية الأوروبيين على بلدان الشمال الافريقي معزولة عن سياق المنافسة الأوروبية - الأميركية، فإن وضع المنطقة المغاربية ليس منفصلاً عن حال التشرذم والتصدع التي تعتري أجزاء في العالم العربي. فقد تنبهت مصر يوماً أنها معنية بالانتساب الى الفضاء المغاربي بحكم الروابط التاريخية والتمدد الجغرافي على الخريطة الافريقية. إلا أنها صرفت النظر عن طلب الانضمام إليه بعد أن عاينت أنه لا يكاد يختلف عن تجارب عربية شبه موؤودة، وحدث ابان فترة فرض العقوبات على الجماهيرية الليبية أن هذه الأخيرة لوحت بانتسابها الافريقي على حساب الهوية العربية، فيما انكفأ المغرب والجزائر على خلافاتهما وانشغالاتهما الداخلية. يوم تأسس الاتحاد المغاربي في عام 1989 بدا وكأنه استشعار عن قرب لتحولات قادمة وساد اعتقاد بأنه سيشكل رديفاً لمجلس التعاون الخليجي في غرب العالم العربي، إلا أن تجربة صمود الخليجيين على رغم حروب المنطقة لم تجد ما يماثلها في الشمال الافريقي الذي ظل أسير حروب من نوع آخر يصنعها بنفسه وليس مفروضة عليه. ومع أن المغاربيين يسعون للإفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي، فإنهم يكتفون بالنظرة الآسفة حيال وفاق تاريخي أنجزه الألمان والفرنسيون على رغم ما دار بينهم من عداوات، في مقابل حسرة وحذر وفقدان ثقة لا تزال قائمة بين قطبي المنطقة الجزائر والمغرب، ومن غير الوارد تصور أي اتحاد مغاربي خارج سياق الوفاق المحتوم بينهما. ليس الترهل ما أصاب خيار الاتحاد، فهو بالكاد كان يحبو حين تمكن منه الوهن ولم يجرب حظه في أن يترعرع في مناخ الثقة والإرادة المشتركة، ولا يعني التمسك به مجرد مسودة نيات سوى أن لا خيار بديلاً منه. ولعل الأوروبيين في تمنياتهم يحتمون بالمرجعية التي حولت التعاون في تسويق الفحم الحجري إلى احداث السوق الأوروبية المشتركة ثم الاتحاد الأوروبي والعملة الموحدة. وإذ يشاركهم المغاربيون النبرة المتفائلة نفسها التي يعززها وجود روابط دينية وتاريخية وسلالية ولغوية مشتركة، فإنهم يختلفون في ما بينهم حول منهجية البناء المغاربي وهل يكون إطاراً قانونياً وسياسياً واقتصادياً لاستيعاب المشاكل والخلافات وحلها عن طريق الحوار والتزام أسس الاتحاد، أم ان الاتحاد يأتي تتويجاً لحل الخلافات العالقة. بمعنى آخر، هل تترك جانباً الخلافات التي تحول دون المضي قدماً في المسار المغاربي، كما في حال قضية الصحراء مثلاً ويكون الانصراف الى معاودة بناء العلاقات الثنائية وتكريس مناخ الثقة؟ أم يصار الى تسوية تلك الخلافات في إطار منظور مغاربي يراعي المصالح المشتركة لأطرافه كافة؟ في أي حال فالعبرة يجب أن تستلهم مما اضاعه التشتت المغاربي من فرص كان في وسعها ان تجعل الاتحاد المغاربي محاوراً نداً للاتحاد الأوروبي شمالاً ومجلس التعاون الخليجي أفقياً ومنظمات غرب وأعماق افريقيا جنوباً من دون اغفال الحوار المغاربي - الأميركي الذي يتم على انفراد في سياق الانشغالات الأميركية بما يحدث في جواره عند معابر منطقة الساحل والصحراء. بيد ان الأكثر أهمية في استيعاب دروس الاخفاقات ان ينظر الى الفرص التي كان يتيحها الاتحاد على صعيد النهوض بالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة كي لا يظل الحديث عن اتحاد كهذا مجرد ترف فكري وسياسي. لا عواطف تدفع الأوروبيين على حض شركاء الضفة الجنوبية للبحر المتوسط على تجاوز معوقات الوضع السائد، وأكثر ما يجول في خاطرهم ان الانفلات الأمني القادم من منطقة الساحل والصحراء والمنتشر عبر التنظيمات المتطرفة في المنطقة يشكل أخطر تهديد لمصالحهم. فهم لا ينزعجون من كون الهجرة غير الشرعية تغرق اسواق العمل السوداء لأنهم يحتاجون الأيدي العاملة والموارد البشرية المؤهلة. ولكنهم يخشون تسلل النشطاء المتشددين في أوساط ملايين المهاجرين المتحدرين من أصول مغاربية وافريقية. وهم لا يتخذون من خطة المساعدة في التنمية صك غفران إزاء مستعمراتهم السابقة، ولكنهم يتوخون أن تحد من ذلك الانفلات الذي يبدأ اجتماعياً ثم يصبح ارهابياً. والمشكلة ان المحاور المغاربي لم ينتقل الى الدرجة ذاتها من السرعة في استيعاب اسبقيات المرحلة. ولا بأس فالنصح الأوروبي أفضل من عناد التوقف في دائرة اسمها الفراغ.