هنا فقط تتهادى إلى مسامعك ترنيمة تتصاعد الهوينى، فتتمكن من التقاط "نوتات" تائهة "حبسها" موسيقي لبناني مبدع في قمقم فأشبعها تمحيصاً ودراسة، مطلقاً العنان لإبداعه... "في كلّ بلد وصلت إليه من أصل 37 بلداً في العالم خلال 39 سنة، جمعت الكثير من المعلومات والبحوث والمستندات من مخطوطات ونقوش وحفريات أثرية وتحف... حتى أنجزت هذا العمل في مشغلي المتواضع الذي صرفت فيه أكثر من 2500 ساعة عمل". هكذا يقدّم ناصر مخّول بحوثه وتصميماته الفريدة المتعلّقة بالآلات الموسيقية. ناي القصب كان رفيق دربه منذ طفولته عندما كان يمشي من ودايا، بلدته الشوفية، الى جون قبل أن يشارك في"فرقة جون الشعبية"مع المطرب الكبير الراحل ابن ضيعته نصري شمس الدين... الى أن أسس"الفرقة الفلكلورية السياحية"تحت رعاية المجلس الوطني لإنماء السياحة عام 1968، والتي مثّلت التراث اللبناني في العالم عبر حفلات كان أهمها"الليلة اللبنانية في الأممالمتحدة"في نيويورك عام 1979. وفي العام 1983 تلقى تهنئة الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي التقاه في العاصمة الفرنسية، بعد مشاركته في معرض الآلآت الموسيقية التراثية في العالم... وكان قد كرم قبل ذلك في قصر المؤتمرات في باريس. أما نقطة التحوّل في مسيرة مخول الموسيقية، فكانت بعد تعرّفه الى الباحث الموسيقي المستشرق الفرنسي جان - كلود شابرييه الذي أصدر له اسطوانتين:"موسيقى الأغاني الشعبية اللبنانية"و"بزق من لبنان"، فنال على أسطوانته الثانية الجائزة الأولى في مجموعة"أرابيسك". ثم كرّت سبحة"التكريمات"المحلية والعربية والعالمية، فحصد عشرات الميداليات... والأوسمة. وطوال نحو ربع قرن من العمل المضني، وبإمكانات ذاتية بحتة، مارس مخّول هوايته في"تصنيع"الآلات الموسيقية في مشغله المتواضع في بلدة عجلتون الجبلية، بعد دراسات معمّقة وموثقّة في تاريخ هذه الآلات منذ العصر الحجري وحتى اليوم. وكانت البداية مع تأليفه مخطوطة الآلات الموسيقية الوترية التراثية في العالم. واستقى لذلك ووثّق معلوماته من زياراته لمتاحف بغداد ولندن وباريس... فضلاً عن مشاركته في معرض بواتييه فرنسا والذي جمع فيه أدقّ التفاصيل والبحوث والمستندات عن الآلات ومنشئها... وتاريخها. وكان لدى مخّول حلم إقامة متحف موسيقي خاص يحضن تنوعاً موسيقياً يعود الى حضارات إنسانية غابرة ومعاصرة. ولمّا كانت جولاته الموسيقية العالمية تمنعه من التركيز على تحقيق هذا الحلم، كان يتحّين الفرص بين جولة وأخرى لصناعة آلة موسيقية. فبدأ في العام 1980 بصناعة آلة"الكنار السومرية"، وهي الأغلى على قلبه لأنها الأولى في قائمة آلاته التاريخية. وغدا حلم مخول حقيقةً. وهو يقسّم متحفه الى 4 أقسام: الآلات الإيقاعية، الآلات الوترية، آلات النفخ الهوائية، وآلات موسيقية وترية مستحدثة وجديدة لبنانية وشرقية. علماً ان بينها آلات وأدوات كثيرة مصنوعة من جلود الحيوانات والأخشاب والفخار والشعر والعظام، أي من مواد أولية بدائية. وتمّكن مخوّل أيضاً من إبتكار الآت موسيقية"مخوّلية"، مثل"العود - أورغ"و"البزو - أورغ"، وهي مزيج بين الأورغ والعود والبزق... وسواها من الآلات التي حازت إعجاب موسيقيين أدخلوها تدريجياً في موسيقى"التخت الشرقي".