على طريق "القادومية" التي تجمع بين قريته جون ومدرسة دير المخلص، حمل ناصر مخول الناي صوتاً له. نشأت بين الصديقين قصة حميمة، فعشق مخول الفن اللبناني وحمل رايته ليصبح واحداً من محرري الثقافة الشعبية. احب الموسيقى ورغب الغوص في ماضيها المتجذر، فبات رفيقاً للآلات التاريخية والحديثة، باحثاً ينبش تاريخها ليشكل ذاكرة حية تحفظ التراث وتؤرخه، وفناناً خلاقاً يطور الآلات ويقدم فناً أصيلاً غنياً. في الثامن من تشرين الأول أكتوبر المنصرم، شهدت العاصمة اللبنانية إطلاق معرض "الآلات الموسيقية منذ 300 سنة ق.م." أقامه الفنان مخول تحت رعاية "مؤسسة عصام فارس"، ودعا إليه مكتب اليونيسكو الإقليمي في بيروت، ووزارة الثقافة بالتعاون مع "مركز التراث اللبناني" في "الجامعة اللبنانية - الأميركية". ضم المعرض الذي أقيم في قاعة المعارض في قصر اليونيسكو، 48 آلة موسيقية منذ 300 سنة قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر، و45 آلة موسيقية من القرن السابع عشر حتى اليوم، فضلاً عن مستندات تشرح كيفية البحث عن الآلات وجمع المعلومات، الى المراجع الأكاديمية التي عاد إليها مخول في مراحل بحثه وتصنيعه الآلات. بدأ مخول مسيرته الفنية عضواً في الكورس وراقصاً في فرقة جون الشعبية، تحت رعاية ابن بلدته نصري شمس الدين. استقى بالتالي روحية الفن الرحباني وعمل رساماً في مصلحة الإنعاش الاجتماعي. ولما كان عاشقاً للفن الفولكلوري ومحرراً للثقافة الشعبية، كلفته دائرة استقبال الشباب في "المجلس الوطني لإنماء السياحة" في لبنان، تأسيس الفرقة الفولكلورية السياحية اللبنانية. وبدأت الفرقة إحياء المهرجانات السياحية واستقبال البواخر التي كانت تزور لبنان قبل إتمام رحلاتها في مياه البحر المتوسط. حملت الفرقة تراث لبنان ناقلةً واقع شعبه التاريخي والحضاري والفني إلى العالم. شملت العروض الآلات الموسيقية التراثية، الغناء الشعبي، الملابس الشعبية، الشعر الشعبي، التراث الريفي، الألعاب التقليدية، والرقص الشعبي، التي تعكس المناطق السياحية اللبنانية. وحافظ مخول في استعراضات الفرقة 172 مهرجاناً في العالم على الآلات اللبنانية الحية. وقدم عدداً من الآلات الموسيقية اللبنانية الهوائية والوترية إضافة إلى بعض الآلات المستحدثة كآلة البوز أورغ، التي تجمع البزق وآلة الأورغ الإلكتروني، و آلة "العود اورغ" التي تحوي آلات أوركسترا كاملة، والكلارينات الشرقية، وسارة الوترية التي تجمع بين العود والبزق، وآلة الأنيس، وأخيراً آلة المثلث التي تجمع بين البزق والناي والكلارينات. ولقب مخول ب"سندباد التراث". حاز جوائز عالمية، وميداليات وأوسمة ودروعاً، وكؤوساً تقديرية. كرم في باريس عام 1972، ومثل لبنان في مهرجانات موسيقية عدة، وقدم باقة من الآلات الموسيقية الوترية في العالم، وكتيب "الرقص في لبنان"... المعرض التراثي خلال زيارات الفرقة إلى المدن العالمية، كان مخول يزور المعارض والمتاحف ليبحث عن الماضي المتجذر للآلات الموسيقية والفن التراثي. زار بغداد، القاهرة، لندن، باريس، بواتيه وميلانو... جمع المستندات، والآلات الموسيقية، والمخطوطات والحفريات، النقوش الأثرية، والمراجع الثقافية. صمم مخول على إعادة صناعة الآلات الموسيقية التاريخية استناداً إلى الوثائق والصور والمستندات التي جمعها من رحلاته في العالم. بدأ ورشته في مشغل صغير، ورسم تفاصيل الآلات ومقاييسها بخرائط نفذت بدقة. درس تفاصيل آلات وفقاً لطبيعة الخشب والمواد والأوتار وطريقة العزف والاستعمال. لم تشكل صعوبات دراسة كيفية عطاء الآلات وكيفية عزفها عائقاً أمام التحدي الذي اختاره "سندباد التراث"، فقرر الغوص في التحاليل الموسيقية وفلسفة الموسيقى عبر التاريخ. وبعد 1200 ساعة عمل نحو سنتين أُنجز الالات التي أتت من بابل والأهرام وأثينا وروما وجبيل وميلانو لتجتمع في بيروت. آلة الكنارة الآرامية، الجلجلة التي تبعد طير الشر، الشيخ خليل الذي يستعمل خلال تحنيط الفراعنة، العرعارة، الهزازة، الطقطاقة، لير الشعراء الإسبانية، الربابة العباسية، لير نيرون، الكنارة السومرية، المزمار الفخاري الفرعوني... شواهد لمحطة ثقافية تسجل للبنان على يد أحد مبدعيه، تنتقل في جولة عالمية، قبل ان تزور بعض الجامعات اللبنانية وتعود لتستقر في قصر اليونيسكو.