تلتصق الاسيرة المحررة فاتن ضراغمة بأطفالها السبعة كأنها تخشى ان ينتزعها احد منهم ثانية، ويعيدها الى هناك، الى السجن الذي امضت فيه ثلاث سنوات ونصف سنة هي الأسوأ في سنوات عمرها ال45. قالت فاتن في بيتها المتواضع في قرية اللبن الشرقية شمال مدينة رام الله:"لم أنم لحظة واحدة طيلة الليل، فقد بقيت مع اطفالي وزوجي الى ان انشق الفجر، أردت ان احيط بهم لنعوض بعضنا بعضا عن سنوات البعد الطويلة". وفاتن التي اعتقلت وحكم عليها بالسجن خمس سنوات واحدة من 255 أسيرا فلسطينيا أطلقتهم اسرائيل اول من امس الجمعة في ما اسمته"بادرة حسن نية تجاه الرئيس محمود عباس"، لكن نسمة الحرية الخفيفة التي هبت على هذه الأُسر لم تصل الى حوالي 11 ألف اسرة أخرى ما زال ابناؤها يقبعون خلف قضبان الأَسر، بعضهم امضى فيها اكثر من ثلاثين عاما. والدة الاسير سعيد العتبة المعتقل منذ 31 عاما، والتي بلغت الثامنة والسبعين من العمر تحمل امنية واحدة لها في الحياة: ان تراه قبل ان تموت. ووالدة الاسير جمال حويل من مخيم جنين التي اصيبت بجلطة في الدماغ قبل عام تحمل هي الأخرى الامنية ذاتها. واختارت اسرائيل الاسرى الذين افرجت عنهم من فئة واحدة هم اولئك الذين"ليس على ايديهم دماء يهود"والذين لم تبق فترات طويلة على انتهاء احكامهم. ويقول وكيل وزارة شؤون الاسرى زياد ابو عين ان المعدل الوسطي للفترات المتبقية لمن تحرروا بلغت ثلاث سنوات. وبما ان اسرائيل كانت في السابق تطلق اسرى لم يتبق لهم في الأسر سوى اشهر عدة، في"بادرات النيات الحسنة"، فقد اعتبر الفلسطينيون خطوتها هذه المرة تقدما. وقال ابو عين:"هذه اشارة تثير التفاؤل". اما الرئيس عباس فقال:"انها البداية، وسنواصل العمل من اجل ان يرى 11 الف أسير آخر الحرية ويعودوا الى وطنهم وعائلاتهم". وتظهر اسرائيل تشددا كبيرا ازاء اطلاق سراح اسرى دانتهم بالمشاركة في عمليات وهجمات اسفرت عن مقتل وجرح يهود، وهو ما يعيق انجاز صفقة تبادل أسرى مع حركة"حماس"التي تحتجز الجندي الأسير غلعاد شاليت منذ حزيران يوليو العام الماضي. وتطالب"حماس"بإطلاق 1500 أسير لقاء الجندي شاليت في مقدمهم جميع الاسرى الذين امضوا أكثر من عشرين عاما، وجميع اولئك الذين اعتقلوا قبل اتفاق"أوسلو"وقادة جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام. وتقول مصادر في"حماس"ان المفاوضات الدائرة مع اسرائيل بوساطة مصرية تواجه صعوبات وتعقيدات هائلة جراء تحفظ اسرائيل عن الغالبية العظمى من الأسرى الذين تطالب الحركة باطلاق سراحهم. ويحمل الاسرى المحررون قضية زملائهم الباقين خلف قضبان الأسر ما يعطي قضيتهم زخما في المرحلة المقبلة. وقال عبدالرحيم ملوح نائب الامين العام للجبهة الشعبية الذي أفرج عنه بعد خمس سنوات خلف القضبان:"مطلوب ان تتحول قضية الاسرى الى قضية وطنية جماعية، وان تتحول المؤسسات التي ترعى شؤونهم الى مؤسسة واحدة". واقترح ملوح ان يرفع الفلسطينيون دعوى قضائية ضد احتجاز اسرائيل للاسرى الفلسطينيين امام محكمة العدل الدولية. وقال ان بين الاسرى الباقين خلفهم مناضلون يعانون امراضا مزمنة طويلة، وبعضهم في حاجة الى اطراف او علاج مستديم مثل مرضى القلب والسكري والضغط والفشل الكلوي وغير ذلك. ورغم حجم الألم في نفوس أهالي الاسرى الا ان الافراج عن عدد منهم أثار نسمة ولو صغيرة من التفاؤل. وقالت والدة عميد الأسرى سعيد العتبة الذي تضاعف عمره خلف القضبان:"اعتقل في الخامسة والعشرين واليوم بلغ السادسة والخمسين. لم يبق لدي سوى الامل، الامل في ان اراه قبل ان تغمض عيناي".