ساد الرعب والإحباط وتصاعد الغضب في المملكة المتحدة بسبب مأزق البحارة الثمانية التابعين للأسطول الملكي وسبعة من جنود البحرية الملكية الذين اعتُقلوا من قبل القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الايراني في الخليج في 23 آذار مارس الماضي. وتعرّضت حكومة توني بلير لهجوم كلامي متصاعد بسبب الحادث نفسه وبسبب فشلها في الإسراع في الإفراج عن جميع الرهائن. ويؤيّد اليمين البريطاني الفكرة القائلة إن الاسطول الملكي كان قادراً على بذل المزيد من الجهود، لا بل كان يتوجّب عليه القيام بخطوات لحماية بحّارته وجنود البحرية. في حزيران 2004، أسرت إيران اثنين من الجنود البريطانيين اضافة الى ستّة من جنود البحرية. وفي العام 2007 ترتفع الأصوات المنتقدة بسبب عدم اتخاذ المزيد من الاحتياطات في الوقت الذي تتميّز العلاقات بين العالم الغربي وايران بالسوء وبعد إلقاء القبض على خمسة من رجال الاستخبارات الايرانيين على يد الاميركيين في إربيل. لقد أذكت الجراح التعليقات التي أدلى بها المقدم البحري ايريك هورنر، نائب قائد الفرقاطة الاميركية العاملة ضمن القوة المتعددة الجنسية الخاضعة للقيادة البريطانية في شمال الخليج، وقال فيها:"نحن لا نملك فقط حق الدفاع عن النفس بل لدينا واجب الدفاع عن النفس، البريطانيون لديهم الحق الكامل والمبررات الكافية ليدافعوا عن أنفسهم عوض ان يقعوا في الاسر. وكانت ردّة الفعل لدينا"لماذا لم يدافع رجالكم عن انفسهم؟"". أظن أن جزءاً من الجواب على هذا السؤال يتمثّل في ان الإيرانيين كانوا يملكون عنصر المفاجأة. لكن كان يجب على سفينة"إتش أم أس كورنوول"التي تحمل فريقاً يشرف عليه ضابط ان تتنبّه الى اقتراب المراكب الإيرانية من خلال الرادار الذي تملكه، بخاصة أن الفرقاطة مزوّدة بأسلحة ثقيلة كما ان طوافة لينكس التي كانت تحوم فوق المكان في ذلك الوقت مزوّدة عادةً بالرشاشات الثقيلة. لكن لم تُطلق اي طلقات تحذيرية امام مراكب الدورية الايرانية. أما اليسار البريطاني فيشعر بالذعر لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اكتفى بإصدار بيان تأييد ضعيف اللهجة بعد جهد لإقناعه على التحرّك، فضلاً عن ان الجهود الديبلوماسية المكثفة التي بذلتها بريطانيا الى حينه لم تفضِ إلا الى نتائج هزيلة. ومجدّداً، يتكرّر الانتقاد بأن أولئك الذين يعرضون حياتهم باسم الأممالمتحدة لا يحظون سوى بمقدار قليل من الدعم الدولي في أوقات الازمات. الى جانب خيبة الامل حيال عدم قدرة مجلس الامن في 29 آذار الماضي على اتخاذ موقفٍ اكثر صلابة سادت أيضاً دهشة حقيقية. لقد اعتقدت المملكة المتحدة بأنها قدّمت حججاً مقنعة تفيد بأن اعتقال بحارتها على يد حراس الثورة تمّ على بعد 1.7 ميل داخل المياه الاقليمية العراقية. لقد حلّقت طوافة"لينكس"فوق المركب الذي يحمل على متنه البحارة البريطانيين والتقطت صوراً لموقع المركب، بحسب تسجيل جهاز الملاحة المرتبط بالاقمار الاصطناعية. لكن أبدت كلٌّ من نيويورك وروسيا والصين وقطر واندونيسيا وجمهورية الكونغو حذراً بشأن الاقتراح البريطاني بوجوب مطالبة مجلس الامن بالافراج الفوري عن البحارة وجنود البحرية. لقد تمنّت هذه الدول أن يُعتبر الخلاف بمثابة مسألة ثنائية متجاهلة كون سفينة"إتش أم أس كورنوول"في سياق تأدية مهمّة في منطقة بحرية خطرة بالنسبة الى الأممالمتحدة. هل كانت هذه الدول متأثرة بعدم شعبية المملكة المتحدة لارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة بشأن ايران ولبنان خلال الصيف الفائت؟ من جهة أخرى، وردت أخبار أكثر إيجابية بالنسبة الى بريطانيا من جانب الاتحاد الأوروبي في 30 آذار، إذ عبّر وزراء خارجية دول الاتحاد عن تضامنهم معها واتفقوا على النظر في تطبيق المزيد من الإجراءات"المناسبة"عند الحاجة، لكن في الوقت الراهن استُبعدت فكرة تجميد الصادرات المربحة الى ايران. أشعر بشيء من الغضب يسود في كل أنحاء المملكة المتحدة جراء سلوك إيران، ويبدو ان اعتقال او اختطاف البريطانيين الخمسة عشر كان مخططاً له بعناية رغم ان بريطانيا ليست على خلاف مع إيران، إلا بالمعنى الديبلوماسي. ولم يُسمح للسفير البريطاني الجديد في طهران، جيفري ادامس، بزيارة البحارة الخمسة عشر اثناء فترة احتجازهم؟ ان احد البحارة الثمانية هو المجندة البحرية، فاي تورني، التي لديها ابنة عمرها ثلاث سنوات، ظهرت على شاشة التلفزيون وقد وجّهت ثلاثة خطابات ذات طابع سياسي، يبدو وكأنها كُتبت لها، وأحدها موجّه الى"ممثّل"مجلس العموم. وفي مرحلة معينة بدا الأمر وكأنه سيُطلق سراحها وحدها، ثم أُلغي الأمر. من جهتي، أعتقد أن قبطان سفينة"إتش أم أس كورنوول"اتخذ القرار الصائب بعدم اطلاق النار. لربما كان تسبّب بإزهاق العديد من الأرواح من كلا الجانبين ولكانت الأزمة تفاقمت. لقد أثار إعجابي الأسلوب الهادئ ولكن الصارم الذي اعتمدته الحكومة البريطانية في الرد. فقد سعت بطريقة سليمة الى جمع أكبر قدر ممكن من الدعم الديبلوماسي لمواجهة هذا العمل الاستفزازي، في حين تفتقر إيران الى الأصدقاء. أعتقد أن إيران كانت تسعى الى عملية تبادل للرهائن يشمل الأميركيين أيضا، ومن المؤكد بأنها لا تعتقد فعلاً بأن بريطانيا ستغيّر رأيها بشأن سياسة ايران النووية. وتتحمّل إيران مسؤولية كبيرة في ازدياد حدة التوتر في الخليج. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين