شاءت الصدفة وأنا أقرأ بالعربية والانكليزية في آخر الليل طلباً للنوم، لا الثقافة، ان وقعت على موضوع الفضائل والرذائل باللغتين، ما اطار النوم من عيني تلك الليلة إلا أنه وفّر لي مادة رأيت أن أشارك القراء بها. كنت بدأت قراءة صفحات في كتاب"مجاني الأدب في حدائق العرب"من تأليف الأب لويس شيخو اليسوعي الذي تولى اعادة طباعته في مجلد ضخم فخم الزميل والصديق عثمان العمير، وأهداني نسخة هي هديته الأولى والأخيرة لي. ولا ألومه لأنني لا أذكر أنني اهديته شيئاً عبر علاقة ربع قرن. وانتقلت الى كتاب"منوعات شوت"من تأليف بن شوت الذي يضم معلومات وقصصاً من هنا وهناك، ووجدت انه يسجل الفضائل والرذائل من دون شرح، وتذكرت أن دانتي في"الكوميديا الالهية"يأتي على ذكر الفضائل، وهكذا كان واستعنت بالانترنت والقواميس الالكترونية... وكانت ليلة. ثمة اتفاق في الثقافة الغربية على تصنيف الفضائل، لأن الأصل ديني، مع أن هناك قوائم عدة تطول وتقصر، وأهمها"الخطايا السبع المميتة"، وهي الشهوة، أو الرغبة الجنسية، ودانتي يخشى أن يصرف هذا الحب صاحبه عن حب الله، والجشع أو النَهَم، أي حب الطعام، والطمع وهذا مثل الشهوة، والجشع أساسه المبالغة وهي هنا في حب المال، والكسل والمعنى معروف، والغضب وعلامته الانفعال السريع بما يمنع القرار الصائب، والكبرياء وهذه في الثقافة الغربية أساس كل رذيلة أخرى فهي التي تسهل وجود تلك الرذائل. في مقابل الخطايا المميتة السبع الأشهر هو الفضائل الأربع، وهي الحصافة، أو حسن التدبير، والاعتدال، والشجاعة والعدل. غير أن هناك تصنيفاً آخر يقدم سبع فضائل في مقابل الخطايا السبع، وهي التواضع والحنو والامتناع عن الإغراق في شيء مثل شرب الخمر والعفة والصبر ورحابة الصدر والجلَد، بمعنى الصبر. الأب لويس شيخو اليسوعي يتوكأ على التراث العربي والإسلامي، وعلى الفكر اليوناني والفارسي، في فصل بعنوان"الفضائل والنقائص". وهو يبدأ بالصبر، إلا أن شرح المقصود يكاد يجمع الفضائل كلها، فالصبر عنده عن شهوة البطن، عن المعصية، على الغضب وضد هذا الحلم، عند النوائب، وعلى حفظ السر أو الكتمان. والإمام علي يقول: الصبر صبران، صبر على ما تكره، وصبر عما تحب. يكمل المؤلف بعد ذلك بفضائل محددة يشرحها، واختصر فهناك الحلم وهو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، والعدل الذي هو ميزان الله على الأرض، وقيل: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان، ثم الوفاء ومنه قول الحجاج بن يوسف: ما خلقت الا فريت أي اذا صمم على عمله يتّمه وما وعدت الا وفيت. وقيل: وعد الكريم نقد ووعد اللئيم تسويف. ثم هناك الصداقة والخلة، من معنى: الأخ الصالح خير لك من نفسك لأن النفس أمّارة بالسوء، وقول المغيرة بن شعبة: التارك للاخوان متروك. وأيضاً المشورة وهي نصح القرآن الكريم، وفي المثل: اذا شاورت العاقل صار عقله لك. وقرأت قصة بالمعنى نفسه عن رجل من عبْس قيل له: ما أكثر صوابكم. وقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد، فنحن نشاوره، فكأنا ألف حازم. ومن الفضائل أيضاً كتمان السر، كما في قول الشاعر: ولست بمبدٍ للرجال سريرتي/ ولا أنا عن أسرارهم بمسائل. ثم هناك الصمت وحفظ اللسان ويقال: يستدل على عقل الرجل بقلة مقاله، وعلى فضله بكثرة احتماله. وقال رجل: أصمت فأَسلم، وأَسمع فأَعلم. ولا ننسى الكرم فضيلة، ما لا يحتاج الى شرح، والشاعر يقول عن كريم: تعوّد بسط الكف حتى لو أنه/ أراد انقباضاً لم تطعه اصابعه. وقال شاعر آخر: أنت للمال اذا امسكته، فاذا انفقته فالمال لك. وأزيد من المؤلف القناعة وهي الاكتفاء بالموجود وترك التشوق الى المفقود، والشكر كما في القول الكريم: لئن شكرتم لأزيدنّكم. الفضائل، كما سجلها الأب لويس شيخو احدى عشرة، وهو سجل بعدها نقائص وجدتها خمساً، فهناك الكذب وعنه القول: لو لم ادع الكذب تورعاً لتركته تصنّعاً، وأيضاً: لكل شيء حلية وحلية النطق الصدق، ثم الكبر، أي نقيض التواضع، ولعل حديث ابن خلدون عن العصبية هو أيضاً عما توجِد من كبر، والحسد، وقد قال الشاعر: واذا أراد الله نشر فضيلة/ طويت أتاح لها لسان حسود، وقال ابن المقفع: الحسد والحرص دعامتا الذنوب. والمؤلف لا ينسى الحسد وكلام القرآن الكريم عنه معروف، والشاعر قال: لله در الحسد ما اعدله/ بدأ بصاحبه فقتله. ونزيد الغيبة وقيل: إستحِ من ذمّ من لو كان حاضراً لبالغت في مدحه، ومن لو كان غائباً لسارعت الى ذمه. والمؤلف يقول إن الغيبة من أقبح القبائح، وأكثرها انتشاراً. وهو يزيد المزاح الذي يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب، والبطنة، وقد قيل البطنة تذهب الفطنة، وهناك حديث شريف في معناها هو: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا أكلنا لا نشبع. لاحظت ان الثقافتين، أو الحضارتين العربية - الإسلامية والغربية تلتقيان في المعنى فالبطنة هي الجشع، والحسد نفسه، والكبرياء أو الأنفة هي الكِبَر، والغضب واحد، وقد تحدث عنه الأب لويس شيخو من دون أن يدرجه كبند مستقل، إلا ان هناك الحديث الشريف لا تغضبْ. وهما تلتقيان في الفضائل الأربع كما تلتقيان في النقائص، فالجلد هو الحلم، أو الصبر، والاعتدال واحد، وكذلك العدل، والشجاعة واحدة. واذا عدنا الى تفصيل الفضائل السبع عند الغربيين لتقابل الخطايا المميتة السبع، نجد الاتفاق مستمراً فهناك التواضع والعفة والصبر بكل معانيه مرة أخرى. الرذيلة الوحيدة في الثقافة الغربية التي لم أرها بين ما عندنا هي الكسل، فهذا من الخطايا المميتة السبع وعبارة خطيئة مميتة تظهر اصلاً دينياً يعتبر الكسل تأشيرة لدخول جهنم، غير اننا شعب"مرتاح"، ولن أقول كسول، وننام بعد الظهر، فلعل المؤلف نام عن كسلنا وكسله، وابتعد عن الغيبة.