من الجائز أن لا نجد اسم "واترفورد" في الخرائط القديمة، فقد سميت على مر مراحل التاريخ بأسماء مختلفة آخرها الاسم الذي تحمله حالياً وهو "واترفورد". غير أن خارطة الكشوف الاثرية ربما تجعل هذه المدينة واحدة من اقدم المدن في جزيرة ايرلندا على الاطلاق، فقد كانت أولى المستعمرات الاستيطانية التي بنيت في نهاية المنحدرات المائية التي استقبلت حشود الغزاة "الفايكينغ" عم 852. وقد سميت ب "فيدرا رفبوردر" وتطورت بسرعة حتى غدت منذ العام 914 واحدة من أكبر المدن الجنوبية في ايرلندا، حيث شيدت القلاع والمتاريس والصوامع والبيوت. وكل هذه الآثار التاريخية ما زالت تحتفظ برونقها وملامحها القديمة حتى الآن تقريباً. ومن بين هذه المعالم الاثرية عدد من الأبراج الموزعة في أجزاء المدينة، خصوصاً على شواطئ المياه، ومنها برج قلعة "بيغنالدسي" الشهير الذي يعتبر أقدم بناية في عموم المدن الايرلندية. "واترفورد" كانت على الدوام وعبر التاريخ، بوابة مهمة في الجزيرة، وتميزت عن غيرها من ثغور البلاد بجملة من المميزات جعلتها تتصدر قائمة المدن المحببة للايرلنديين وربما بعض الأوروبيين أيضاً. ففيها يتمثل البحر بكل معطياته الاقتصادية والجمالية والسياحية، وقد استثمره الايرلنديون منذ أقدم الأزمان استثماراً وافراً في جميع المجالات. والآن يعتبر البحر مصدراً مهماً، حيث يدر على البلاد ملايين الدولارات سنوياً، لما يقدمه من صناعة متطورة في مجالات السياحة عموماً. أما الجانب الآخر الذي يضع مدينة واترفورد في مصاف المدن المزدهرة، فهو مجال الاستثمار في قطاعات الخدمات المختلفة التي تندمج في بعض فروعها بقطاع السياحة والفندقة، فضلاً عن التجارة حيث تستخدم هبة البحر في تسيير السفن التجارية من هذه المدينة العريقة وإليها. كانت واترفورد تنتمي الى التاج البريطاني منذ سقوطها بيد الجيوش الانكليزية وإلى فترة تاريخية طويلة، ربما حتى الفترة التي تركها القائد الانكليزي المعروف كرومويل العام 1650، وخلال تلك المراحل شهدت ازدهاراً كبيراً في مرافق الحياة المختلفة. ولكن أثناء الفترة التي ثارت فيها لندن ضد بابا روما، ربما تراجعت مكانة المدينة، وقد أثر فيها كثيراً اجتياح جيش كرومويل الذي ارتكب مذابح هائلة من أجل ربط المدينة بالتاج الانكليزي. ومنذ القرن السابع عشر غيرت المدينة ملامحها من جديد، منذ انطلقت حملة معمارية هائلة، فظهرت المباني الحديثة في حينها، وشيدت الأبراج واعيد تعمير الكنائس والبيوت التاريخية والأثرية. وقد ظهر المعماري الشهير الذي ينتمي الى المدينة نفسها واسمه جون روبرتس الذي شيد بنايات جديدة ومرتفعة مغلفة بألواح زجاجية جذابة للغاية. واسم روبرتس مختوم على زجاج هذه البنايات منذ العام 1783، والزجاج هذا انتجه الاخوة بينروسي في معملهم الخاص "معمل كريستال واترفورد". وبعد مئة عام أصبحت منتجاتهم تطوف العالم وتحط في العديد من الدول الأخرى، حيث اكتسبت شهرة عالمية فريدة. وقد نظم المعمل معرضاً فريداً من نوعه في لندن، حيث عرض نماذج مختلفة من المنتجات الزجاجية وكان ذلك عام 1851، لذلك اكتسبت صناعة الزجاج في هذه المدينة تقاليد راقية ما زالت حاضرة الى وقتنا الراهن. بيد أن المعمل توقف لاحقاً عن الانتاج، وتعطلت استمراريته بعد أن اغلق أبوابه، لكن معلمين تشيكيين هما فاستلاف ياجيك وميروسلاف هافل وبمساعدة بعض المحبين للصنعة، جاءوا الى هذه المدينة واشتروا المعمل وأعادوا اليه الحياة، فأصبحت واترفورد من أهم المدن الأوروبية بانتاج أنواع راقية من زجاج الكريستال الذي يحتوي على ألوان متنوعة. اليوم تعتبر واترفورد مدينة سياحية من الطراز الأول، وتتوزع اهتمامات الزوار الذين يفدون إليها حسب رغباتهم الشخصية، ولكن الجميع ربما يلتقي في نقطة مشتركة وهي التعرف على معالم المدينة التاريخية والأثرية قبل كل شيء، وربما يمكن الانطلاق لاستكشافها من مركز المدينة الذي يضم معالم سياحية عدة. ويفضل أغلب السياح التوجه أولاً الى معمل الصناعات الزجاجية الذي يبعد بضع دقائق عن مركز المدينة باتجاه الجزء الجنوبي. ففي هذا المعمل يقوم العمال وأمام أنظار السياح بصناعة الأدوات الزجاجية المختلفة، خصوصاً الكريستال، وخلال ذلك يتعرف هؤلاء السياح على سر النجاح الذي أحرزه هذا المعمل في ما يتعلق بتلوين المصنوعات وتهذيبها. ولكن مشاهدة مستعمرة "الفايكينغ" السكنية في مركز المدينة لها طعم خاص، فهناك القلاع والمواقع التي اجتاحتها الجيوش الانكليزية النورمندية، والأبراج المرتفعة ومن بينها برج قلعة "ريجنايلد"، حيث سميت هذه القعلة باسم رئيس أو قائد الفايكينغ ريجنيال مايتسليكهاير الذي احتل المدينة، وحسب الاسطورة، فإن يعقوب الثاني قد عمّر البرج بعد معركة نهر بويني العام 1690. وفي جنوب البرج توجد بوابة القديس مارتين والقلعة الفايكينغية، أما في قلعة "واج" التي لا تبعد كثيراً عن شارع كاستيل، فإن برجها بني في القرن الثالث عشر، ولم تكن فيه شبابيك. وفي نهاية الشارع يوجد البرج الفرنسي، وهو أقدم بناية مبنية في الكنيسة الفرنسية من القرن الثالث عشر. معالم سياحية كثيرة تنتشر في عموم المدينة، فنادقها فارهة، وشواطئها غاية في النظافة، مطاعمها في كل مكان، والسياح مخيرون في ولوجها أو تفضيل المقاهي التي تجمع بين طبيعة المقهى كمقهى والمطعم الخفيف. شواطئ المدينة البحرية والنهرية تتميز ببلاجاتها الجميلة. وفي عمق البحر الكثير من وسائل اللعب أو الرياضة والسباقات، بينما تحولت المتنزهات المنتشرة في كل مكان الى مراكز تجمع للناس والعوائل والأطفال، وفي أحيان كثيرة الى مراكز للمهرجانات المتنوعة.