كانت الرحلة في بلدان القطن ذريعة الى تناول العولمة ومحاولة فهمها. فمئات الملايين من البشر، في القارات كلها يعملون في القطن، زراعة وحياكة ونسيجاً وتوزيعاً وتجارة. ونحن نلبس الملابس القطنية. وهذا كله بعضه مترابط ببعضه الآخر وينافسه. ولهذا وجهان. فالتجارة العالمية تحسّن أحوال الناس عموماً. والقرينة الساطعة على الهرب من البؤس هي تطلّع 500 مليون صيني، من الداخل، الى الساحل طمعاً في العمل في مجالات تمت الى القطن بصلة. وهذا شأن البرازيليين الذين يجوبون الغابات الكبرى. وحين يرتفع مستوى المعيشة بتايلاند وكوريا وتايوان، يتقاضى أهل ماليزيا رواتب أعلى من رواتبهم السابقة. ومن يسدد ثمن العولمة هو المنتج. فهو مشدود الى محل إقامته، بينما الممول والموزع حرّان طليقان. والرابحون هم الرحّل المتنقلون، وأما المقيمون فخاسرون. وليس أحد بمنأى من العولمة، شأن سجين في غرفة شديدة الإنارة يجهد في سبيل قليل من الظل، على صورة مساعدات أو عمليات مالية أو جمركية، أو خلاف على المعايير. وحدها البرازيل، في مجال الزراعة، تلعب لعبة العرض والطلب. وفي مالي الأفريقية يعتاش 3.5 مليون شخص من القطن وعليه، فإذا انهارت هذه الصناعة علينا أن نتوقع توجه الملايين هؤلاء الى المدن، ومن ثم الى العالم الأوسع. والإدارة الأميركية تدعم زراعة القطن. وفي الصين، انقلبت التوتاليتارية السياسية الى خدمة الرأسمالية الاقتصادية. ورأيت كولخوزاً عملاقاً في مالي، نظير نظام اشتراكي قديم في مصر. وفي أنحاء الأرض كلها، تتدخل الدولة. والشعور الوطني حاضر. فالعامل البرازيلي ينشد النشيد الوطني كل مساء. والصيني يعلّق ملصق مدينته على دراجته. والتكساسي يكتب على بطاقة الزيارة"يشرفني أنني مزارع أميركي". ونحن نحسب أن العائلة، أفلت واندثرت. ولكنني وجدتها في آسيا وأفريقيا. فهي مصدر اليد العاملة، ومنظمة العمل، وموزعة الأرباح. وهي تقرر مقدار المنافسة، وتعرف كيف تفيد من توسع الآفاق وامتدادها. فهي، في الصين، القوة الاقتصادية العظمى، والشبان يقصدون الساحل للعمل يرسلون نصف رواتبهم الى من بقي من العائلة بالريف. ويحملنا هذا على التأمل في"التجارة المربحة". وهي فكرة مجزية ومفيدة، ولكن معاييرها عسيرة على التطبيق: فلماذا نرى عمالة الأطفال خطأ في أوزبكستان ونمجّد الوحدة العائلية بأفريقيا؟ ففي كلا الحالتين، العمال هم الأطفال. وتكلفة الانتقال والنقل القليلة أدت الى زوال المكان. ويسعى، اليوم، في زوال الوقت. ولكن الوقت وليد علاقة بالتقدم. ففي مجتمعات أفريقية كثيرة يتصور الوقت في صورة دورية. ويأمل الأفريقيون بألا تأتي السنة الآتية بالخسارة التي جاءت بها السنة الماضية. والبرازيليون لا يفكرون إلا في المستقبل. فلم تقطع الأشجار منذ مجيء لولا الى السلطة. وفي الصين، العلاقة بالوقت مختلفة. ويريد الصينيون استعادة السيادة السابقة التي كانوا يتربعون في سدتها. والممولون الدوليون يوقتون الحوادث على"الوقت الحقيقي". وأما الصناعة فلا تثمر إلا في أعقاب سنوات من الاستثمار. فعلى سبيل المثال، تستطيع مالي أن تعالج القطن الذي تنتجه. ولكنها إذا أنشأت شركات في هذا السبيل، كان عليها أن تتصدى للمنافسة منذ انطلاقتها. والأمر ليس بمتناولها. وينبغي أن يُترك لبلدان مثل مالي، ولمناطق أو شركات على شاكلتها، الوقت الذي تحتاجه في إعداد نفسها للمنافسة. فمستحيل أن تقفز هذه البلدان، أو الشركات فوراً الى مرحلة متقدمة. والسياسة منقطعة من الاقتصاد، على كوكبنا. وأكثر الأشخاص ليبرالية يقرّون بضرورة حوكمة عالمية تتولى ضبط قواعد العمل في مسائل مثل عمالة الأطفال وحماية الطبيعة والصحة. والملعب واسع جداً ولا نعرف من هو الحكم إذا استثنينا منظمة التجارة الدولية. والذين أفرحهم فشل المفاوضات مع منظمة التجارة الدولية لا يتحلّون بروح المسؤولية. فمن غير اتفاق تبقى الغلبة للأقوى. والحق أنه آن أوان إدراك ذلك. عن إيريك أورسينا كاتب فرنسي،"لكسبريس"الفرنسية، 1 - 7/6/2006