هل يستحوذ «السيادي السعودي» على 15 % من مطار هيثرو؟    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    الذكاء الاصطناعي يسهم في تصعيد الحجاج إلى عرفات    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    الأهلي وصفقات الصيف    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة «السلام في أوكرانيا» بمدينة لوتسيرن السويسرية    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    الأجهزة اللوحية والبصمات تلاحق غير النظاميين    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    «الهلال الأحمر» ل «عكاظ»: إسعافات «طويق» و«طمية» تخترق الصعاب    جماعات الإسلام السياسي وحلم إفساد الحج    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    سعود عبدالحميد مطلوب في الدوري الإنجليزي    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية لضيوف الرحمن في مشعري عرفة ومزدلفة    "البيئة" تفسح أكثر من (2,1) مليون رأس من الماشية منذ بداية "ذو القعدة"    أمير الشرقية يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    المتحدث الأمني ل"الوطن": المملكة مدرسة في إدارة الحشود    ضبط (12950) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    40 نيابة قضائية لمباشرة القضايا الخاصة بموسم الحج    خالد الفيصل يطمئن على سير الخطط والأعمال المقدمة لضيوف الرحمن    أمير منطقة الحدود الشمالية يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يتفقد قوات الأمن الخاصة المشاركة ضمن قوات أمن الحج    نائب أمير مكة يُعلن نجاح نفرة الحجيج إلى مزدلفة    أمير منطقة القصيم يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الشيخ السديس يهنئ القيادة بنجاح نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة    مفتي عام المملكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    إيطاليا تفوز بشق الأنفس على ألبانيا في يورو 2024    «ميترو» الهلال جاهز    الملك وولي العهد يتلقيان تهنئة قادة الدول الإسلامية بعيد الأضحى    الوقوف بعرفة.. يوم المباهاة    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    أمير القصيم يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    خبراء صندوق النقد: استمرار ربط الريال بالدولار مناسب للاقتصاد    وزير الداخلية يؤكد اعتزاز المملكة واهتمام القيادة بخدمة ضيوف الرحمن    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    النفط يسجل مكاسب أسبوعية بفضل توقعات الطلب القوية رغم انخفاضه    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    "الصحة" تُحذر الحجاج من أخطار التعرض لأشعة الشمس    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    أبحاث تؤكد: أدمغة الرجال تتغير بعد الأبوّة    انضمام مسؤول استخباراتي سابق إلى مجلس إدارة شركة Open AI    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    120 مليون نازح في العالم    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدام أول من سعى الى جذب التنظيمات الأسلامية ثم ندم . "وقائع" المفاوضات بين الأميركيين والمجموعات الاسلامية العراقية الأقل تطرفاً من الزرقاوي 2 من 2
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 2008

تبقى قضية الاتصالات الأميركية بالمسلحين العراقيين، وأجواؤها وأماكنها ووسائلها هي الابرز في تطورات الاحداث العراقية... لكن تلك المفاوضات ان صحّت التسمية مرت بمراحل عدة.. في الحلقة الثانية من هذا التحقيق عرض للعلاقة بين المجموعات العراقية الاقل تطرفاً وپ"القاعدة"وأسباب التوتر بين الجانبين ووسائل الاتصال الأميركية والإشكاليات السياسية الكبرى التي ما زالت تعرقلها وتمنع تفعيلها إضافة إلى خريطة للمجموعات العراقية المسلحة.
بعد معركة الفلوجة الاولى كان الاتجاه العام يشير الى امكان ايجاد حلول"مشرفة"تشمل تسلّم القوى المحلية زمام الامور في مناطقها بمعزل عن القوات الأميركية. كانت القوى المحلية تنظر الى نتيجة المفاوضات على انها"نصر"لكن الزرقاوي وجد عكس ذلك تماماً... فظهور"لواء الفلوجة"بقيادة محلية يضم مئات الضباط وابناء العشائر كان يعني نهاية حلم السيطرة على المدينة التي تحاذي بغداد وتتميز بمكونات نادرة لتمويه العمليات المسلحة إضافة الى احتضانها العدد الاكبر من المقاتلين.
خطة الزرقاوي بحسب علي النمراوي، وهو من وجهاء المدينة، كانت تنصب على نسف شروط الاتفاق الموقع مع الأميركيين والذي يضمن"لواء الفلوجة"من خلاله عدم استهداف القوات الأميركية عند مرورها على الطريق الدولي السريع الذي يعبرها متوجهاً الى الرمادي ومن هناك الى الأردن أو سورية. فنفذت"جماعة التوحيد"التي بدأت منذ ذلك الحين تستعين بپ"مرتزقة"ما بين 2000 الى 2500 عملية استهدفت القوات الأميركية على ذلك الطريق في الفترة ما بين حزيران يونيو وتشرين الثاني نوفمبر عام 2004 ما أثار استياء قادة المفاوضات مع الأميركيين وفي مقدمهم الشيخ عبدالله الجنابي الذي، وإن أبدى اعتراضه على سلوك جماعة الزرقاوي، الا انه لم يكن يجرؤ على منعهم خشية ان يوضع موضع من يدافع عن تلك القوات بوجه المجاهدين.
زاد تعقيد الموقف بروز الخلافات داخل المجموعات التي شكلت لواء الفلوجة بين جبهتي الاسلاميين والبعثيين... ففيما كانت الاولى تطلب توسيع الاتفاق حتى يشمل كل الانبار وان يتم استثمار الهدنة في الحصول على الاسلحة ونقل المقاومة الى أماكن اخرى للحصول على اتفاقات مشابهة تمهّد لإجبار القوات الأميركية على الرحيل عمد البعثيون الى محاولة فرض سياسة تركز على اعادة حكم صدام والتعاون مع جماعة"التوحيد والجهاد"التي فتحت ابوابها ذلك الحين لتبني موقف البعثيين واستقطابهم لمصلحتها.
اختطافات واغتيالات
الارباك الداخلي في صفوف المسلحين العراقيين ساعد الزرقاوي على اختراق الفلوجة مرة اخرى، لكنه اكتشف ان العمليات ضد القوات الأميركية هناك لم تكن تؤتي ثمارها. فكان ان امر بتوسيع سياسة الاختطاف والاغتيالات. وبدأ تنفيذ حملة اغتيالات واسعة ضد الشرطة المحلية التي تكونت بعد الاتفاق وضد افراد لواء الفلوجة الذي رفضت حكومة اياد علاوي آنذاك منحه مستحقات مالية. وكان الأميركيون بحسب العميد ر.ع من قادة اللواء المذكور يريدون ربط الضباط والجنود المنخرطين في اللواء بقيادة اميركية مباشرة تتيح تنفيذ مهمات حفظ النظام هناك وحماية الارتال الأميركية، فيما يرفض اولئك القادة العمل مع تلك القوات أو حتى وقف عمليات استهدافها، وكان واضحاً ان الأمور تتجه نحو الانهيار بانسحاب الكثير من الضباط من اللواء وانخراطهم في تنظيمات مسلحة جديدة وفرت لهم مردوداً مالياً.
اتخذ الزرقاوي الفلوجة منذ ذلك الحين ايضاً مقراً لاستقبال المختطفين من مناطق مختلفة في العراق مستثمراً جغرافياً المدينة المفتوحة وشبكة الطرق الزراعية المفتوحة على بغداد شرقاً وبابل جنوباً وصلاح الدين شمالاً إضافة الى ارتباطها بالعمق الاستراتيجي لمجموعة الزرقاوي الذي يتدرج وصولاً الى مدن سعدة وحصيبة غرباً والتي تردد ان الزرقاوي اقام فيها شهوراً. وشهدت تلك الاشهر اي 1ضاً ما بين 100 الى 120 عملية اختطاف لعرب واجانب وعراقيين تم تنفيذ احكام الاعدام نحراً بالكثيرين منهم.
ويصف مقرب من المجموعات المسلحة العراقية تكتيكاً آخر استخدمته جماعة الزرقاوي لارباك الأوضاع فيقول:"لاحظنا في الفلوجة في الفترة بين نيسان ابريل وتشرين الثاني 2004 انبثاق عشرات التنظيمات بأسماء مختلفة ادعت انها تحمل اهدافاً محلية وليست مرتبطة بجماعة الزرقاوي وساقت أدلة على ارتباطها بتنظيمات عربية. وكان هدفها بالأساس استقطاب المسلحين. لكن تبين لاحقاً ان كل تلك الأسماء كانت وهمية وانها على ارتباط مباشر بتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وانها نفذت خلال تلك المرحلة العشرات من عمليات الخطف والاغتيال والابتزاز التي قادت الى تفجير الأوضاع مرة اخرى في الفلوجة لتشرع القوات الأميركية في تنفيذ كبرى عملياتها في العراق منذ احتلالها هذا البلد بمواجهة مجموعات جلّها من العراقيين بعد هروب تنظيم القاعدة خارج المدينة".
الفلوجة ثانية... وعودة الزرقاوي
لكن معركة الفلوجة الثانية في نهاية عام 2004 والطريقة العنيفة التي اجتاحتها بها القوات الأميركية قادتا الى نقل الزرقاوي نشاطه الى مناطق أخرى خصوصاً ديالى شرق بغداد.
ويقول أحد أبناء المدينة: العنف وپ"الهمجية"الأميركية اللذان صاحبا اجتياح الفلوجة حققا أهداف الزرقاوي الذي دعا الى ارتباط كل المقاتلين به مرة ثانية بعد ان وفر للمسلحين ممن غادروا الفلوجة المأوى والمال لهم ولعائلاتهم للاستقرار في مناطق أخرى خصوصاً في بغداد التي أصبحت منذ ذلك الحين الساحة الأكبر لصراع القوى في العراق". وزاد من تأزم الأوضاع اجراء انتخابات في ظل مقاطعة سنية ثم تشكيل حكومة بمعزل عن السنة فكانت المرحلة بين كانون الثاني يناير 2005 حتى تموز يوليو 2006 زرقاوية بامتياز هيمن فيها الزرقاوي على مجريات الأحداث فيما عادت القوى المسلحة الكبرى بعد توقف أعقب معركة الفلوجة الثانية الى عمليات استهداف القوات الأميركية بعد ان رفضت عروضاً من جماعة الزرقاوي بإعادة التنسيق معها، لكنها لجأت من اجل الحصول على التمويل الى اتباع سياسة اختطاف مسؤولين وصحافيين اجانب وعراقيين ومقايضتهم بالمال الذي يوفر الاسلحة. كما انها فتحت منذ ذلك الحين خطوط اتصال عربية لاستقبال الانتحاريين والدعم.
وعلى رغم ان"الجيش الاسلامي"في العراق الذي نفذ اكثر عمليات اختطاف الاجانب اثارة للجدل برر تلك الاختطافات بالحصول على التمويل الا ان أخطاء استراتيجية ارتكبها قادة هذا الجيش سهلت احياناً اختراق تنظيم"القاعدة"صفوفه حتى جرى اجتماع كبير منتصف عام 2005 في الرمادي ضم قادة فصائل مثل"الجيش الإسلامي"وپ"كتائب ثورة العشرين"وپ"جيش المجاهدين"لتنسيق الجهود في ما بينها.
الجيش الاسلامي قائد المرحلة الجديدة
وانتج اجتماع الرمادي لتنسيق العمليات بين المجموعات الثلاث خطاً عسكرياً اكثر قوة ساعد على اجتذاب العديد من المقاتلين من صفوف"قاعدة الجهاد"ممن اخذوا يستشعرون خطر هذا التنظيم واستهدافه المدنيين ونيته اشعال حرب اهلية مع شيعة العراق... بل ان الحدث الاهم هو تشكيل قيادة ذات رؤية سياسية استجابت لرسائل بعثت من"قادة عرب"حول الحاجة الى تحديد هوية المقاومة العراقية واهدافها والنأي بها عن حركة الزرقاوي وتنظيم"القاعدة".
تلك الرسائل التي لا يعرف حتى الآن أسلوب وصولها الى قادة المجموعات المسلحة العراقية كانت تشير بلا لبس الى ان أحداثاً مهمة سيشهدها العراق ستمهد لخروج القوات الأميركية.
رسائل متبادلة
في صيف 2005 كان الاتجاه الأميركي العام هو اعادة جدولة الأولويات في العراق والمنطقة بالاستناد إلى نصيحة"عربية"مفادها"انكم تحاربون على الجبهة الخاطئة". كانت القناعة العربية الرسمية تذهب إلى ان خلط الأوراق في العراق لا يخدم استقرار البلد ولا المنطقة، ووصم كل من يرفع السلاح بالارهاب أمر مناف للمنطق وللواقع ايضاً. وعلى هذا الاساس جرت الاتصالات الاولى ضمن"المحيط العربي"مع شخصيات قبلية وسياسية من الانبار وبغداد والموصل وديالى وصلاح الدين في محاولة للاقتراب من واقع المجموعات المسلحة في العراق والتهيئة لاشراكها في حلول سياسية مقترحة.
الخريطة الواضحة للقوى في العراق وصلت في تلك المرحلة إلى واجهات رئيسية معروفة يمكن اجمالها في شقين:
الأول: يمثل تنظيم قاعدة الجهاد وكل تفرعاته وانصاره ويتركز في محافظات الانبار والموصل ويبرم اتفاقيات مع بعثيين ينشطون في ديالى.
الثاني: المجموعات المتحالفة ضمن اتفاق الانبار وهي"الجيش الإسلامي"وپ"كتائب ثورة العشرين"وپ"جيش المجاهدين"التي انضم اليها العديد من المجموعات الاخرى إضافة إلى عشرات المقاتلين ممن كانوا منخرطين ضمن تنظيمات الزرقاوي.
تلك الخريطة تشكلت في ضوء متغيرات ثلاثة اعوام من العنف لكنها لم تكن تمتلك مقومات الحفاظ على مكوناتها الأساسية، وظل باب الانتقال بين الجهتين متاحاً بتأثير الخطاب السياسي احياناً أو التمويل احياناً اخرى. لكن الحراك الجديد في خريطة المجموعات المسلحة العراقية صاحبه ضوء اخضر اميركي للتدخل لدى المسلحين في العراق وفتح قنوات اتصال معهم...
وكانت التحركات العربية منذ منتصف عام 2005 تتسم بالسرية وتضمنت ارسال رسائل إلى قادة محليين سنة لايصالها إلى المسلحين تشير في العموم إلى رغبة"عربية"باحتضان"المقاومة العراقية"ودعمها مادياً وسياسياً في مقابل ان تكون مستعدة لحصر مشروعها في الاطار الوطني العراقي وفك اي ارتباط مع"القاعدة"أو الزرقاوي. وفي الشهر نفسه كانت التبرعات"العربية"تصل تباعاً إلى قادة المسلحين.
المفاوضات في ابو غريب
في وقت كانت عملية التفاهم مع السياسيين في احزاب سنية مثل"الحزب الاسلامي"وپ"أهل العراق"و"مجلس الحوار"معلنة وواضحة في خطواتها. لم يكن احد يفهم الاسلوب الذي تم الاتصال من خلاله بالمسلحين. ويؤكد احد القياديين في"جيش المجاهدين"ممن اعتقلوا في الفلوجة ثم اطلق سراحهم ان الحوار الأميركي ابتدأ اولاً في سجن"ابو غريب"الشهير حيث يعتقل آلاف المسلحين أو المقربين منهم.
ويضيف: الاستخبارات الأميركية عقدت معنا اتصالات مباشرة وسمحت لمعتقلين بإجراء اتصالات غير خاضعة للرقابة ووفق اجراءات امنية مشددة مع قادة بعض الجماعات لاستطلاع آرائهم في ما تعرضه الولايات المتحدة عليهم"، ويذكر الشاهد شرطين وضعهما الأميركيون للدخول في مفاوضات في مقابل شروط أخرى طرحها المسلحون. والشرطان الأميركيان كانا اقصاء التكفيريين من المعادلة العراقية المسلحة والاسهام المحلي في التصدي لهم ارضاء للمشروع الأميركي الاساسي في محاربة الارهاب واقصاء الصداميين أو اهمال الاهداف التي تدخل فيها فكرة العفو عن صدام أو اعادة النظام السابق ارضاء للقوى المحلية العراقية كالاكراد والشيعة...
ويضيف:"رجحنا عندما جرت دعوتنا الى لقاءات مع اميركيين في سجن ابو غريب ان الذين التقونا من الاستخبارات الأميركية ربما يكونون سياسيين من مجلس الامن القومي الأميركي اكثر من كونهم عسكريين... عاملونا خلال اللقاء كنظراء لهم وقالوا ان البيت الابيض يريد سحب القوات الأميركية من العراق في حدود نهاية عام 2007 لكن أياً من السياسيين لا يستطيع الحديث عن جدولة للانسحاب وان ما نسعى اليه هو الوصول الى اتفاق غير معلن يلتزم به الطرفان تضمن خلاله المجموعات المسلحة دعم الاستقرار الامني والسياسي في العراق".
الرسائل الأميركية نقلت الى قادة المسلحين بوسائل عدة وكانت تتم احياناً من طريق سياسيين سنة واحياناً من طريق معتقلين يطلق سراحهم أو من طريق زعماء قبليين.
المسلحون من جهتهم ردّوا على تلك الرسائل بشروط تضمنت جدولة الانسحاب واطلاق المعتقلين والانسحاب الأميركي من المدن واعادة الجيش العراقي ومنع تدخل القوى السياسية فيه وتعويض المناطق المتضررة في العراق ودفع دية عن ضحايا الاحتلال الأميركي للعراق والتمهيد لانتخابات حرة ونزيهة تضمن مشاركة الجميع وتتيح تداولاً سلمياً للسلطة على ان تضمن الولايات المتحدة منع ايران والاطراف المرتبطين بها في العراق من التدخل في الشأن العراقي.
ورد المسلحون على الرسائل الأميركية بفتح بوابة لما يمكن ان يكون حلاً في العراق يضمن خروجاً يحفظ ماء الوجه لكل الأطراف. وكان الساسة العراقيون والعرب والأميركيون يشعرون ان في الافق متسعاً لبحث هذه الشروط وتحقيق رؤية مشتركة.
مؤتمر القاهرة
كان الأميركيون يرغبون في وضع المواقف السياسية المحلية في واجهة الأحداث اذا صح التعبير. أرادوا ان يقولوا للمسلحين ان من"يرفض التفاوض معكم هم نظراؤكم العراقيون وليس الأميركيين"الذين ابدوا منذ منتصف 2005 استعدادهم الكامل للجلوس مع المسلحين وفتح باب الحوار معهم". مثل هذه الرسالة اوصلها الأميركيون الى ممثلين عن المجموعات المسلحة حضروا الى القاهرة خلال المؤتمر ولم يشتركوا فيه وانما اشتركوا في لقاءات خارج نطاق المؤتمر وطرحوا وجهات نظرهم.."لكنهم في العموم لم ينخرطوا في مفاوضات مباشرة"على ما يؤكد مقربون منهم.
ماذا اراد الأميركيون؟ اذ يبدو ان عراق ما بعد انتخابات كانون الثاني 2005 لم يرق للأميركيين كثيراً مع صعود متشددين شيعة الى السلطة. وعلى ساحة العمل المسلح في العراق لم يكن الامر اقل تعقيداً..."فأكثر من عامين ونصف العام من العنف حولت عشرات الآلاف من الضباط وأبناء العشائر والبعثيين الى منتسبين شبه رسميين الى المجموعات المسلحة. وهؤلاء تكيفوا تدريجاً مع آليات تلك المجموعات ونظامها وباتوا يعتمدون في معيشتهم على ما يتلقونه من أموال تقدم كتبرعات أو رواتب أو أجور... كما انهم يجدون انفسهم قادة لپحركة التحرر في العراق ومناضلين قدموا تضحيات بأرواحهم وأموالهم من اجل تحرير العراق وهم لن يقبلوا بأي حال بأن يتم التنكر لجهودهم واهمالهم في تسويات سياسية".
ويمكن إجمال وجهة نظر المسلحين العراقيين غير المتطرفين برغبتهم في تسوية سياسية تضمن نزع سلاحهم وانخراطهم في الاجهزة الامنية أو الجيش في مقابل دعم معنوي وشعبي.
في المقابل كانت الأفكار الأميركية تتجه إلى ان اعترافاً مباشراً بالمقاومة العراقية المسلحة سيضع السياسة الأميركية في مأزق جديد وسيضمن اعادة تسلط تلك المجموعات على المقدرات العراقية تحت بند نضالها ضد الاحتلال إضافة إلى ان قاعدة سياسية وشعبية واسعة الشيعة والاكراد ستعلن عصيانها ورفضها لمثل هذا الاتفاق ولن تتوانى عن اعلان انفصالها عن العراق.
اختارت الإدارة الأميركية ان تخوض في الأمر بحذر وتتلمس في شكل تدريجي إمكان الوصول إلى هدف معلن في العراق يشمل"الانتصار على الارهاب"حتى لو اضطرت إلى نقله إلى بلدان أخرى.
ويؤكد مراقبون عراقيون ان الاستخبارات الأميركية ومجلس الأمن القومي تبنيا قيادة مشروع المصالحة مع المقاومين العراقيين منذ بداية عام 2005 وخاضا من اجل ذلك حوارات متقطعة في سجني ابو غريب وبوكا العراقيين وفي القاهرة وعمان وموسكو والإمارات العربية وبيروت... وان الحوارات لم تكن جميعها جدية أو مثمرة بسبب الاجتماع احياناً مع شخصيات ليس لها تأثير في المجموعات المسلحة، فتم اجتماع في لبنان في تموز 2005 ضم ممثلين عن حركات اسلامية وبعثية عراقية مقيمة في الخارج. فيما ذهب إلى اجتماع موسكو قادة سابقون في نظام صدام وحضر اجتماع عمان شيوخ قبليون من محافظة الانبار. ويرجح ان المقربين الاكثر تأثيراً في المجموعات المسلحة اجتمعوا مع ممثلين عن الحكومة الأميركية برعاية مصرية في القاهرة وشرم الشيخ.
ويبقى القول ان كل تلك الاتصالات التي خاضتها الولايات المتحدة مع المسلحين في العراق كانت تعتمد على ارضية تكاد تكون واحدة، وتنص كما يؤكد احد المشتركين فيها، على عدم نقل ترتيباتها على الارض قبل الوصول إلى اتفاق نهائي، مشيراً إلى ان المسلحين رفضوا اقتراحاً اميركياً ب"هدنة"تتخلل المفاوضات ووعدوا فقط ب"هدنة"تتزامن مع انتخابات كانون الاول ديسمبر 2005 ووفى المسلحون بوعدهم على رغم انهم لم يحصلوا في المقابل سوى على اطلاق سراح خمسة من قادتهم بعد اجراء الانتخابات.
ويبقى التساؤل الأخير ان كان للمسؤولين العراقيين دور في تلك التحركات؟ وسنكتفي هنا بالإشارة إلى حقيقة يؤكدها كثيرون ومفادها:"ان الرئيس العراقي جلال طالباني عرض اكثر من مرة الإسهام في الجهود الأميركية للحوار مع المسلحين الا ان جهوده لم تثمر حتى هذه اللحظة تقدماً ملحوظاً في وقت خطت مفاوضات المسلحين ? الأميركيين خطوات أخرى عبر منافذ أخرى.
توزيع آخر للمجموعات المسلحة في "المثلث السني"
اولاً: مجموعات اسلامية سلفية متطرفة:
وهذه تشكلت في العراق منذ اوائل التسعينات وقامت بأولى انتفاضاتها عام 1992 ضد نظام صدام وسميت"انتفاضة الشيخ السعدي"وهو الشيخ محمود السعدي إمام جامع سعدة في الزعفرانية جنوب بغداد وضمت آلاف الشباب من بغداد والانبار والموصل ممن كانوا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي مرتبطين ب"شبكات تمويل"سميت حينها ب"دعم الشبان المسلمين"ومعظمهم اتم دراسته الجامعية وأسس مشاريع صغيرة بالاعتماد على مرتبات شهرية تصرفها جهات مجهولة.
يقول المقدم في الاستخبارات في زمن صدام عدي راشد الذي ساهم في قمع انتفاضة الشيخ محمود ونسف جزء من شبكة التمويل المجهولة ان"الاستخبارات العراقية اكتشفت في بداية التسعينات ان شبكة التمويل للشباب العراقيين كانت ذاتها الشبكة التي تمول تنظيم القاعدة والمجاهدين العرب في افعانستان"وان"القاعدة"فعّلت دور تلك الشبكة بعد ان علمت ان نظام صدام سائر نحو الزوال في العراق بعد احتلاله الكويت وان تحضيرات يجب ان تتم لتواجد"القاعدة"في العراق.
وكان صدام اصدر أوامر بإعدام الشيخ محمود السعدي في الغرفة رقم 7 من سجن"الامن العام"حيث كان معتقلاً وتمت تصفية مجموعات من انصاره في السجن وتعذيبهم حتى عام 1995 عندما تحولت الشبكة الى خلايا نائمة ولم تنهض مرة اخرى سوى مع دخول القوات الأميركية العراق عام 2003.
بعد سقوط نظام صدام فعّلت تلك المجموعات نشاطها واتصلت بتنظيمات"القاعدة"في دول عدة قبل ان تنخرط في النهاية في تنظيم"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"الذي يقوده ابو مصعب الزرقاوي.
لا يوجد احصاء دقيق لتلك المجموعات لكن يمكن تقسيم العاملين فيها حالياً الآتي:
أ - متطوعون عرب وأجانب -"سرايا الغرباء"-"جيش الطائفة المنصورة"وپ"سرايا الأهوال".
ب - ضباط سابقون وبعض ابناء العشائر العراقية -"جيش أنصار السنة"-"اسود التوحيد"-"التوحيد والجهاد".
ج - بعثيون - وهم ما تبقى من المجموعات البعثية في"جيش محمد"وپ"فدائيو صدام"ممن انخرطوا للعمل مع تنظيمات الزرقاوي.
- تجدر الاشارة الى ان مجلس شورى المجاهدين الذي اسسه الزرقاوي أخيراً اصبح اليوم الواجهة الرئيسة لجميع التنظيمات المتطرفة في العراق التي يمكن اعتبار المقاتلين العرب عمادها الأساس.
ثانياً: مجموعات اسلامية وطنية:
وهي المجموعات المتخصصة التي تشكلت منذ عام 2003 من ضباط عراقيين متخصصين في الصواريخ وحرب الشوارع وضمت ضباط الحرس الجمهوري والخاص وضباط امن واستخبارات. لكنها غيرت ولاءها بعد سقوط بغداد محملة صدام حسين وكبار الضباط في النظام السابق مسؤولية الانهيار العسكري في الحرب واختارت ان تعلن خطاباً اسلامياً اقل تشدداً من تنظيم"القاعدة"وهي"الجيش الإسلامي""كتائب ثورة العشرين"وپ"جيش المجاهدين"وپ"مجاهدو القوات المسلحة العراقية".
وهذه الفئة هي التي تعول عليها اميركا في الاستجابة لدعوات الحوار لاعتبارات اساسية أهمها وجود روابط عشائرية ودينية وسياسية تربطها بالواجهات الدينية السياسية"السنية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.