مرة أخرى يعتب عليّ قراء لأنني لم أكتب عن الجزائر أو دارفور أو لبنان وقضايا كثيرة أخرى، فكل قارئ، لأسباب الجغرافيا او الرأي السياسي، يقدم قضية واحدة على كل قضية غيرها، ويتوقع ان يكون الكاتب مثله مهتماً بها. كل القضايا مهم، والكل يستحق متابعة مهنية وجهداً، الا انني أتكلم عن نفسي وأقول انني لا أستطيع متابعة كل قضية مطروحة، فبينها قضايا لا أعرف عنها الكثير، ولا أستطيع ان أقدم للقراء شيئاً جديداً أو مفيداً. وكمثل على ذلك فقد امتنعت عن التعليق على مأساة دارفور، لأنني لا أعرف عنها غير ما أقرأ، ولكن لم أستطع في النهاية تجاهل مأساة انسانية كبيرة، فاتصلت بمنظمات حقوق الانسان وسألت عاملين زاروا المنطقة قبل ان أكتب شيئاً. مع بدء تظاهرات المعارضة في لبنان تلقيت رسائل تنبهني الى انني لم أعلّق عليها. السبب هنا ليس الجهل فأنا ابن البلد، وإنما انني وجدت انني لن أزيد شيئاً على ما كتب الزملاء مثل غسان شربل ووليد شقير وحازم صاغية وعبدالله اسكندر. وكنتُ عندما اغتيل الوزير بيار الجميل في القاهرة، فأخّرت مقالاً معداً للنشر لأكتب عن الوزير الشهيد الذي تجمعني بوالديه صداقة قديمة متينة مستمرة. عندي في المقابل عتب مقابل على قراء كثيرين، فهم اذا لم أكتب عن موضوع بعينه أو كتبت غير ما يشتهون يقرّرون انني جزء من مؤامرة كبرى على قضيتهم الأولى أو الوحيدة، أو انني في الخندق الآخر، وقد اتهم بالجبن. أعترف بأنني لست عنتر عبس زماني، الا ان الجبن ليس وارداً في ما لا أعلّق عليه، فأنا أقيم في لندن، وبعيد ألفي ميل عن أسباب التخوف التي يشعر بها الصحافي العربي في بلاده. وبالنسبة الى لبنان بالذات، فأنا أؤيد رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وحكومته، وأؤيد التظاهرات ضدها طالما انها جزء من اللعبة الديموقراطية ومن دون عنف. وأزيد ان فؤاد السنيورة وطني جداً، وأي تهم بالخيانة أو العمالة ترتد على أصحابها، وهم لا يعرفونه مثلي فقد عرفته في لبنانولندن على امتداد سنوات وأعرف يقيناً انه وطني مهما اختلف معه المعارضون. أسوأ ما نفعل هو تخوين الآخر لمجرد اننا لا نلتقي معه في رأي، والمقال الذي جلب أكبر عدد من رسائل القراء في الأسبوعين الأخيرين كان عن الإرهاب وإدانتي المطلقة له. كانت هناك رسائل موضوعية كثيرة، وأشكر الأخ محمد بن فالح الدوسري الذي دان الارهاب ضد الأبرياء، ثم عتب على وسائل الإعلام فهو رأى انها"لا تنشط أبداً الا بعد حدوث الكارثة الارهابية ولمدة محدودة فقط ثم تعود الى سبات عميق". وأبدى الأخ انطوان ضمار رأياً مماثلاً، الا انه انحى باللائمة على أميركا وإسرائيل في مشاكل لبنان. أما القارئ محمد عبدالمنعم فتحدث بطريقة المختصر المفيد وكانت رسالته الإلكترونية كلها"الإرهاب حالة جاءت بسبب اسرائيل واذا زالت اسرائيل زالت القاعدة". وقالت القارئة مريم عبدالكريم بخاري ان"كل ارهاب وراءه اسرائيل وأميركا، لأن اسرائيل تخطّط وأميركا تنفّذ والعالم المغبون يخرج غلّه في ارهاب عشوائي..."وقال القارئ أكرم:"اننا نعيش أزمة مفاهيم دينية خاطئة زاد عليها تزاحم الفضائيات وتزاحم الدعاة والأفكار ووجهات النظر ما فتح الباب واسعاً لاختلاط الأمور على عدد كبير من الناس...". وأعتذر من الأخت ليلي التي تطلب منّي ان أهتم بالارهاب في الجزائر الذي تجاهلته وسائل الإعلام العربية، وأعترف لها بضآلة معرفتي بالجزائر، واقتصار معلوماتي على ما أقرأ في وسائل الإعلام العربية والأجنبية. وكنتُ عندما كتبتُ عن الفكر الارهابي قلت انني أصبت به عن بعد، ففي انفجار المحيا قتل ابنا صديقين عزيزين، الا انني قمت باتصال لاحق مع الأخ الشيخ عبدالله البليهد عن الموضوع، وعندي تصحيح، فهو فقد ابنه البكر والأخ العزيز نافذ عودة فقد ابنه الوحيد في انفجار مجمع الحمرا في 12/5/2003 الذي كان ضحاياه أربعة سعوديين وثمانية عرب، بينهم طفلان، وأوروبي واحد مع عدد كبير من الجرحى. كان هناك انفجاران آخران تلك الليلة والضحايا كلهم تقريباً مسلمون. أقول مرة اخرى ان رضا الناس، خصوصاً اذا كانوا قراء، غاية لا تدرك، وعندما كتبتُ عن تركيا وزيارة البابا وبعض الطرف البابوية، تلقيت اعتراضاً من زياد ومباركة من مبارك صالح الذي رأى المقال شيّقاً. في المقابل الأخ أحمد عامر قال ان تركيا لن يسمح لها بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي، فهذه تزعم انها علمانية الا انها ليست كذلك في الحقيقة. وقد أرسلت الى الآخرين ردوداً خاصة، أكثرها بالبريد الالكتروني. كان المقال الذي نافس موضوع الارهاب بأكبر قدر من تعليقات القراء في الأسبوعين الأخيرين حديثي عن الاقتصاد المصري مع الأخ جمال مبارك، والقارئ خالد بن سعود العنزي ربط بين ذلك المقال وما سمعت في اسطنبول من نائب الرئيس الإيراني برويز داودي عن اقتصاد بلاده، وقال القارئ ان يبدأ المد الاقتصادي من أعلى الى أسفل، كما هي وجهة النظر المصرية، هي وجهة نظر محافظة، اما ان يبدأ الاصلاح الاقتصادي من تحت بالفقراء، ليصعد الى فوق، وهي وجهة النظر الإيرانية، فهي وجهة نظر ليبرالية، وأقول أنا انها اشتراكية والقارئ يقول ان الفقراء غير قادرين على الخروج من محيط الاقتصاد المحلي، وينتهي ما ينفقون في جيوب الأغنياء، أما رأس المال فقد يبحث عن فرص أفضل له في الخارج. كنتُ قلتُ في مقالي ان الحكومة المصرية، في جزء من عملية الاصلاح الاقتصادي، تركز على القطاعات الشعبية فالدعم مستمر للسلع الاساسية، مع تركيز على تحسين المرافق العامة، وكل حكومة في العالم، مصرية كانت أم ايرانية أم غيرها، يجب ان تهتم بالمواطنين جميعاً لا أي فريق واحد، وأرجو ان تكون مصر وكل حكومة عربية تفعل ذلك.