النصر: تعيين البرتغالي سيميدو رئيسًا تنفيذيًا مكلّفًا    القبض على (3) أشخاص في القصيم لترويجهم مواد مخدرة    القادسية ينهي عقد لاعبه الغابوني "بيير أوباميانغ" بالتراضي    آل الشيخ يعلن طرح تذاكر نزال كانيلو وكروفورد على لقب بطولة العالم الموحدة للوزن فوق المتوسط    أرقام رائعة تُميز ديفيد هانكو مدافع النصر المُنتظر    الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يفرضان عقوبات على نفط روسيا    الهلال يدخل سباق التعاقد مع مهاجم نيوكاسل    نيوم يضم لاعب الوحدة    ترامب يوبخ جيروم باول ويدعو مجددًا لخفض الفائدة    للمسؤول … طريق لزمة – الوهابة في انتظار كاميرات ساهر والإنارة    توزيع (3.255) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    2000 ريال تكلفة كتابة السيرة الذاتية للباحثين عن عمل    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    «التعاون الإسلامي» تدين استهداف الكنائس والمقدسات الفلسطينية    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    ميراث المدينة الأولى    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    استقرار أسعار النفط    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على قطاع غزة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    شخصيات الألعاب الإلكترونية.. تجربة تفاعلية لزوار كأس العالم للرياضات الإلكترونية    موسم الرياض يوقّع رعاية شراكة بين"رابطة الدوري الإسباني"و"ثمانية"    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    انطلاق أول تدريبات ⁧‫قدم الدانة‬⁩ للموسم الكروي المقبل    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بقاتل الدكتور عبد الملك بكر قاضي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف السبيل الى تعاقد جديد ؟ مسائل الدين والمجتمع والثقافة في الأفق الحاضر
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2006

في إطار المساعي الحثيثة للخروج من حالة الاستقطاب والإقصاء والعنف القائم بين الجماعات الإسلامية وبين السلطة، عرفت الساحة العربية في العقد ونيف المنصرم أكثر من دعوة الى حلف فضول جديد أو عقد اجتماعي سياسي جديد، من شانه أن يكون فاتحة لعلاقة جديدة، لنقل لعهد ديمقراطي جديد يؤسس للمتعدد والمختلف وقبول الآخر، وذلك انطلاقاً من أن الديمقراطية في أبسط تعاريفها هي القبول بالآخر. في هذا المقال، سأتوقف عند ثلاث من هذه الدعوات التي سعت للخروج من عنق الزجاجة والطريق المسدود.
كان الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، قد دعا في وقت مبكر من عقد التسعينات المنصرم انظر كتابه الحريات العامة في الدولة الإسلامية، 1993 الى"حلف فضول جديد"لنقل معه أيضاً، الى"جبهة ديمقراطية عالمية ضد الاستبداد واغتصاب حريات الشعوب". ولا يخفى على الغنوشي أن الدعوة الى حلف فضول جديد كذلك الحلف التاريخي الذي عرفه العرب قبل الإسلام الذي عقد في دار ابن جدعان والذي أشاد به الرسول صلى الله عليه وسلم، تنطوي على إقرار علني بأن ظلم ذوي القربى قد بلغ حداً تجاوز به كل من سبقه، وأن سيل الاستبداد العربي قد بلغ الزبى، وأن لا مخرج من هذه الحالة إلا بحلف فضول جديد، يضع حداً للظلم ويكون فاتحة لعهد جديد، ودعوة الى"جبهة عالمية ديموقراطية"ضد الاستبداد أياً كان وجهه وجهته، سواء كان استبداد الداخل، أو استبداد واستكبار القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تهدد بأساطيلها بإعادة تدويل العالم العربي واحتلاله. ما يشغل الغنوشي هو الاستبداد من جهة، وتوسيع دائرة التحالف من جهة ثانية، وذلك على مستويين: مستوى الخطاب الإسلامي المشرقي المعني بتجاوز اختناقاته الفكرية والتي تقوم على نفي الآخر، من هنا دعوته الى تجاوز الخطاب القطبي والتأسيس على المستوى الثاني لخطاب إسلامي جديد يضع في أولوياته الاستفادة من تجربة التحديث الغربية وفي مقدمها الديموقراطية، والقيام بعملية نقد جذرية لإيديولوجيا التكفير التي تعشش داخل هذا الخطاب والتي ينقسم العالم بموجبها الى دار إيمان ودار كفر.
الدعوة الثانية جاءت على لسان الباحث المصري حسنين توفيق إبراهيم في كتابه"النظام السياسي والإخوان المسلمون في مصر، من التسامح الى المواجهة، 1998"فمن وجهة نظر حسنين توفيق إبراهيم أن الحاجة ماسة الى"عقد اجتماعي جديد"بين السلطة والأخوان المسلمين بقاعدتهم العريضة التي تفوق حجم قاعدة اكبر حزب معارض في البلاد، عقد يحتوي كافة الضمانات التي تكفل حرية تشكيل التنظيمات السياسية، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، واحترام حقوق الإنسان...الخ وذلك في محاولة للخروج من عنق الزجاجة وسلوك الإقصاء، ولكنه إدراكاً منه بهشاشة الواقع السياسي في مصر وواقع التنظيمات السياسية في مصر، يرى أن لا سبيل الى العقد الجديد إلا بتوافر شرطين: الأول قيام الأخوان المسلمين بعملية تجديد فكري وسياسي يتضمن مراجعة نقدية للكثير من المفاهيم، ولا يعني هذا كما يقول حسنين التخلي عن مرجعيتهم الإسلامية، بل تطوير رؤاها ومواقفها التي تستند الى تلك المرجعية، وبخاصة في ما يتعلق بالأمور والقضايا المتغيرة التي هي محل الاجتهاد، أما الثاني اقتناع النظام الحاكم وقبوله بالإصلاح السياسي.
الدعوة الثالثة ذات طابع جذري، فهي تنكر على الواقع السياسي تحولاته من التسامح الى المواجهة أو بالعكس، فالمواجهة هي القاعدة ما لم نجتث إيديولوجيا التكفير التي تحكم السلوك السياسي والفكري للجماعات الإسلامية بشتى صفوفها، هذا ما يقوله عبد الإله بلقزيز في كتابه"الإسلام والسياسة: دور الحركة الإسلامية في صوغ المجال السياسي،2001" لذلك فهو يدعو الى"حلف اجتماعي سياسي جديد عريض"من قبل سائر القوى المعنية بالدفاع عن الإسلام :عقيدة وثقافة للأمة جمعاء، وعن العقل والاجتهاد، والمعنية بالدفاع عن الوحدة الوطنية والتطور الديموقراطي، وفي ظن بلقزيز أن قيام مثل هذا التحالف ممكن بين سائر القوى المتضررة من أفعال"أزارقة"هذه الأمة والتعبير له، والمقصود بذلك الفروعيين والنصيين من قوى الإسلام الراديكالي، فهو يرفض أن ينعت الإسلاميون بالأصولية، فالأصولية من وجهة نظره درجة تشريف لا تليق بهؤلاء الذين يمكن نعتهم بپ"الفروعية الإسلامية"لأن أدبياتهم السياسية كما تعبر عنها مقالات شيوخهم وأمرائهم هي معارف اقرب الى الفروع منها الى الأصول"، وإلا كيف نفسر تشبثهم بنصوص المودودي وحسن البنا وسيد قطب وقطيعتهم مع الأصول العريقة الممتدة حتى ابن تيمية.
من قراءة بلقزيز يظهر أن الحلف الاجتماعي - السياسي العريض الذي يدعو له، يضم جميع المتضررين من إيديولوجيا التكفير وضحاياه معا، وبلقزيز لا يتركنا نهباً للحيرة في بحثنا عن هؤلاء المتحالفين، فهؤلاء من وجهة نظره هم"العلمانيون المتنورون"الذين يمكن لهم أن يسحبوا البساط من تحت ما سماها بپ"الفروعية الإسلامية".
إن بلقزيز لا يتساءل: لماذا انتكس التنوير؟ ولماذا خبت رايات العلمانية العربية. إنه يجدد الرهان على العلمانية العربية في إعادة صوغ المجال السياسي الديني العربي من جديد، والتأسيس لقبول الآخر واجتثاث إيديولوجيا التكفير، والمشكلة أن بلقزيز الذي يماثل بين سيد قطب ولينين في برنامجهم للثورة والتغيير، يضعنا في مواجهة معادلة مستحيلة الحل، فالتكفير ليس وقفاً على الحركات الإسلامية بمختلف أشكالها وفروعها، بل هو قديم قدم حضارتنا، انه يعود بالتكفير الى فجر الإسلام، بصورة أدق، الى حروب الردة التي قادها الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق، فمن وجهة نظره أن أول وأهم واقعة تاريخية عبرت عن ميلاد فكرة التكفير في الإسلام هي حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق في مطلع عهده، فقد اعتبر الخليفة الراشدي كما يقول بلقزيز، أن الامتناع عن دفع الزكاة ليس تمرداً على السلطة، بل على الدين لأنه يهدم ركناً من أركان الإسلام وهذا كفر، من هنا كما يقول بلقزيز في قراءته العجلى انه يمكن احتساب حروب الردة على أنها أول بيان رسمي يعلن ميلاد التكفير"بهذا يضع بلقزيز على عاتق الحلف الذي يدعو إليه، مهمة من أصعب المهام، وهي الحرب على جبهة التاريخ وليس على فرعه المتأخر ممثلاً بپ"الفروعية الإسلامية"وبما أن التاريخ اعرض من الجبهة العلمانية التي يدعو إليها، فالحل يكمن بجب هذا التاريخ واللحاق بركب تاريخ آخر وحضارة أخرى، فذلك أهون على النفس وأقل مشقة على المثقف العربي الذي لا يجد حرجاً من إدانة تاريخ بأكمله.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.