قررت الحكومة الفرنسية فرض حظر التجول في المناطق المضطربة بموجب قانون طوارئ يعود لخمسين سنة مضت، أقرّ إبان حرب تحرير الجزائر، وذلك في محاولة لاحتواء الأزمة مع تواصل أعمال العنف لليلة الثانية عشرة على التوالي، وإحراق 1173 سيارة وتوقيف 330 شخصاً. وأعلن وزير الداخلية نيكولا ساركوزي اتخاذ الحكومة هذا"القرار المبدئي"خلال اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وأوضح ساركوزي أن قانون حال الطوارئ الذي وضع عام 1955، يجعل عمليات الدهم ممكنة عند"الاشتباه"بوجود أسلحة في الضواحي. وجدد تأكيد حزم الحكومة في مواجهة العنف، وقال إن السلطات ستراقب تنفيذ هذه الإجراءات بالصورة المطلوبة في أنحاء البلاد. إلا أن رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان رفض تدخل الجيش لوقف الاضطرابات. وقال إنه أمر بنشر تعزيزات إضافية من الشرطة في أنحاء البلاد لاستعادة الأمن. وجاء في آخر حصيلة نشرتها الشرطة امس، أن 12 شرطياً جرحوا في مقابل 34 شرطياً الليلة السابقة. وأعلن دوفيلبان استدعاء 1500 احتياطي من الشرطة والدرك، ما يرفع إلى 9500 عنصر، عدد القوات التي حشدت. وقال:"في ظل هذه الظروف الخطرة للغاية قرر رئيس الجمهورية جاك شيراك دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد وتفعيل ترتيبات قانون العام 1955". وأضاف:"اينما تقتضي الضرورة يمكن لمسؤولي السلطات المحلية تحت سلطة وزير الداخلية فرض حظر التجول إذا اعتبروا ذلك ضرورياً". وعبّر الحزب الاشتراكي عن قلقه من الخطر الذي يشكله هذا الإجراء على"مبادئ الحرية"في حين دان المدافعون عن البيئة"تصعيداً غير مناسب بتاتاً". وأضرم مثيرو الشغب النار في عشرة ابنية تقريباً. وشهد ليل الأحد - الاثنين إحراق 1408 سيارات، غالبيتها في مناطق خارج باريس، وتوقيف 395 شخصاً، وهي اكبر حصيلة منذ 27 تشرين الأول أكتوبر الجاري، مع بدء أعمال الشغب التي امتدت إلى الضواحي الفقيرة للمدن الكبرى حيث يقيم عدد كبير من الشباب الفرنسي المتحدر من اصل أفريقي ومن المغرب العربي. وأودع 83 شخصاً السجن منذ بدء أعمال العنف، ووضع 599 في الحبس على ذمة التحقيق وأحيل 192 إلى المحاكمة على ما أظهرت حصيلة صادرة عن وزارة العدل. وأفادت الأنباء أن معظم المعتقلين خلال هذه الأحداث من المراهقين والقُصّر وجميعهم ذوي أصول عربية وإسلامية. وبينما يؤكد المراقبون أن مشاكل التهميش والتمييز التي تتعرض لها جاليات المهاجرين وبينهم المسلمون كانت سبباً رئيسياً بهذه المواجهات، تصر الحكومة على وصف المحتجين بأنهم عصابات وتجار مخدرات. وقال دو فيلبان إن أعمال العنف لا يمكن تبريرها، متهماً ما وصفها بعصابات الجريمة المنظمة بإذكائها. تواصل العنف وتواصل العنف على رغم الدعوات إلى التهدئة، بينها واحدة صادرة عن محي الدين التون الذي أصيب بحروق بالغة بعد لجوئه إلى غرفة محول كهربائي مع اثنين من رفاقه توفيا داخلها في أول أيام الشغب في كليشي-سو-بوا. ومن ابرز الحوادث في منطقة باريس إلقاء زجاجة حارقة على واجهة مستشفى فيتري- سور- سين في ضاحية فال دو مارن، والاعتداء على صحافيين إيطاليين يعملان لمحطة تلفزيونية في كليشي- سو- بوا، وإحراق مدرسة في سيفران وحافلة في ستين وقاعة رياضة في فيلوبينت. وخارج باريس، أشارت القوى الأمنية إلى إحراق دار حضانة ومكتب للتوظيف في بوردو ودار حضانة في فو- ان- فولان في وسط البلاد وأخرى في الهافر غرباً، وفي بريست حافلة، بعدما أرغم مثيرو الشغب الركاب على الترجل منها في حي رينوري في مدينة تولوز. وأدى حريق في الطابق السفلي لأحد الأبنية إلى إخلائه من السكان في اوكسير، حيث ادخل 15 شخصاً إلى المستشفى لمعاناتهم من صعوبات في التنفس. واضرمت النار في مدرستين دمرت إحداهما كلياً، وفي الكثير من السيارات مساء الاثنين. دعوة الاجانب الى الحذر وطلبت حكومات أجنبية من رعاياها توخي الحذر خلال وجودهم في فرنسا التي تعتبر إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم. وانضمت استراليا واليابان إلى كل من بريطانيا وكندا وروسيا والولايات المتحدة في إصدار نصائح سفر إلى رعاياها. وطلبت الخارجية الأميركية في بيان من السياح الأميركيين في فرنسا توخي الحذر والانتباه وتجنب المناطق التي تقع فيها الصدامات. ونصحت الأميركيين بتجنب ركوب القطار الذي يربط مطار شارل ديغول وسط باريس، وطلبت منهم ركوب الباصات أو سيارات الأجرة. أردوغان يخاطب الأتراك وجدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي يولي اهتماماً كبيراً للمفهوم الأوروبي، دعوة المهاجرين الأتراك المقيمين في أوروبا تجنب التورط في أعمال الشغب. ولم ترد أنباء عن مشاركة الجالية التركية الكبيرة في فرنسا في أعمال العنف، في وقت تجري تركيا مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتحدث اردوغان عن أهمية دراسة أسباب العنف في فرنسا بعناية، وقال إنها"العنصرية والتمييز وتجاهل الدين". وأضاف"لا بد من أن يشارك الأتراك بفاعلية في الحياة الاجتماعية والسياسية للدول التي يعيشون فيها، يجب أن يكونوا جزءاً من المجتمع الأوروبي في وقت يحمون فيه قيمهم الخاصة". ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي دعوته مسلمي فرنسا إلى الهدوء. وأعرب عن أسفه الشديد للأحداث، مطالباً الحكومة الفرنسية بعلاج أسباب العنف. واصدر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا فتوى تحظر المشاركة في أعمال العنف. وجاء في الفتوى انه يحرم على كل مسلم ان يشارك في اي عمل يؤدي الى استهداف الممتلكات العامة والخاصة او تلك التي تهدد حياة الآخرين. وفي تايبه، أصدرت السلطات التايوانية تحذيراً إلى مواطنيها لتوخي الحذر عند السفر إلى فرنسا. بلجيكا في غضون ذلك، أضرمت النار في 5 سيارات خلال الليل في العاصمة البلجيكية بروكسيل، ليرتفع عدد السيارات التي أحرقت في البلاد منذ الأحد إلى 10، فيما وصفه مسؤولون بأنه تقليد للأحداث التي تشهدها فرنسا. وتحدثت السلطات عن حوادث إحراق محدودة في بلدة سينت نيكلاس ومدينة ليغ في شرق بلجيكا. وقلّل المسؤولون من أهمية تلك الحوادث. وقال الناطق باسم إدارة الإطفاء في بروكسيل:"لم تحدث أعمال شغب. كلها حوادث منعزلة. من أضرم النار في السيارات تأثر بالصور التي ينقلها التلفزيون عما يحدث في فرنسا". وفي بلجيكا كما فرنسا عدد كبير من المهاجرين، من بينهم عدد كبير من أصول مغربية وعدد كبير من الشبان العاطلين. لكن بلجيكا والتي لا تطبق بدرجة كبيرة الحكم المركزي، تتبنى أسلوباً متعدد الثقافات لدمج المهاجرين في المجتمع وتحترم الحساسيات العرقية والطائفية.