سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تدمير إسرائيلي منهجي لاقتصاد غزة طوال سني الاحتلال ... وتحديات كثيرة أمام التنمية 5 شكل العلاقة مع إسرائيل وحرية الحركة والأداء الفلسطيني من المحددات الأساسية لنجاح "نموذج غزة" الاقتصادي
أحلام الفلسطينيين كبيرة في ما يتعلق بالتنمية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي الموعود في قطاع غزة، خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي منه. لكن الاحلام شيء والواقع شيء آخر، خصوصاً ان السلطة الفلسطينية ستتسلم أرضا محروقة خرّبها تدمير اسرائيلي منهجي لاقتصاد قطاع غزة طوال سني الاحتلال. لذلك فإن السؤال الاساسي المطروح الآن هو: ما هي محددات التنمية الاقتصادية في القطاع، وأي العوامل هو الاهم في تحديد مستقبل غزة الاقتصادي، وما هي نقاط الضعف ونقاط القوة في اقتصاد غزة؟ بداية، هذه نظرة سريعة على الوضع في قطاع غزة حيث يعيش 1,4 مليون فلسطيني في مساحة 365 كيلومتراً مربعاً هي مساحة القطاع، ما يعني ان 4 آلاف شخص يعيشون في الكيلومتر المربع الواحد، وهي أعلى كثافة سكانية في العالم، ويتوقع ان تتضاعف بحلول عام 2025. ويعاني قطاع غزة فقراً مدقعاً يطاول 65 في المئة من السكان الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر على ما يساوي دولارين يومياً، في حين ان معدل الفقر للغزيين يرتفع الى 88 في المئة اذا ما قورن مع خط الفقر لدى الاسرائيليين. وحسب البنك الدولي، فإن نسبة البطالة تبلغ 35 في المئة نتيجة الحصار الذي يعوق التجارة عبر الحدود وحرية الحركة، في حين يبلغ اجمالي الناتج المحلي بليون دولار، ومعدل دخل الفرد الواحد 722 دولاراً سنوياً. واضافة الى صغر المساحة والكثافة السكانية العالية ومعدلات الفقر والبطالة العالية، يعاني قطاع غزة من ضعف البنية التحتية ومحدودية السوق المحلية وضعف التواصل مع باقي الوطن وشح الموارد وارتفاع مستوى الخسائر والدمار وضعف البناء المؤسسي وضعف البيئة الاستثمارية والضعف النسبي للقدرة التنافسية والتبعية الاقتصادية ومحدودية الشركاء التجاريين. ومع بدء الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، تتكاثف الجهود الدولية والمحلية من اجل اعادة العافية لاقتصاد انهكه الاحتلال، وفي ذهن الجميع ان نجاح تجربة غزة سيكون نموذجاً يحتذى في باقي الاراضي الفلسطينية وسيشجع على تسريع الانسحاب من الضفة الغربية. وفي اطار هذه الآمال، تعهدت قمة الدول الثماني اخيراً بتقديم ثلاثة بلايين دولار لاعادة الاعمار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، فيما تنشط اطراف حكومية ومن القطاع الخاص في وضع خطط للتنمية وتقديم مشاريع لاعادة بناء البنية التحتية التي دمرها الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة. غير ان تنمية قطاع غزة ستواجه تحديات كثيرة وعلى المستويين المحلي الفلسطيني، والخارجي المتعلق باسرائيل ومطامعها وأمنها. محلياً، سيكون على السلطة اقامة جهاز اقتصادي وتبني سياسات اقتصادية فاعلة وتحسين الاداء العام من خلال تأسيس نظام محاسبة واستكمال التشريعات ذات الصلة وسن قوانين للاستثمار، وتحسين آليات انفاق التمويل الخارجي، ومحاربة الفساد والمحسوبيات والفوضى والانفلات الامني. لكن حتى على افتراض انجاز المطلوب على المستوى الداخلي، هل سيكون ذلك ضمانة لنجاح نموذج غزة؟ وهل يمكن وضع خطة اقتصادية للتنمية في وضع غير مكتمل سياسياً خصوصاً ان انسحاب اسرائيل من قطاع غزة لا يعني انتهاء الاحتلال على اعتبار ان الارض الفلسطينية وحدة جغرافية واحدة، وبالتالي فإن وجود الاحتلال في الضفة ستكون له انعكاسات على القطاع، ان كان لجهة عدم الاستقرار او كان لجهة وضع خطط تنموية شاملة يتكامل فيها اقتصاد الضفة مع القطاع؟. بحسب تقديرات خبراء اقتصاديين ومراقبين، فإن اي نجاح لتنمية غزة يعتمد اساساً على شكل العلاقة الاقتصادية التي تريدها اسرائيل مع قطاع غزة، بكل ما يتضمنه ذلك من مستقبل العمالة الفلسطينية في اسرائيل، اضافة الى حرية الحركة للاشخاص والبضائع بين الضفة والقطاع الممر الآمن ومع العالم الخارجي مصير المعابر، وايضا الخطط السياسية الاسرائيلية لمستقبل الضفة. ويعتبر مبعوث اللجنة الرباعية للاشراف على خطة الانسحاب، الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس وولفنسون ان العلاقات الاقتصادية بين غزة واسرائيل هي"المحرك"الذي سيشغل القطاع و"العامل الأهم"في انعاش الاقتصاد الفلسطيني. وكان اعلن في مقابلة مع"الحياة"2005-8-9 انه"يجب الا ننسى انه في ما يتعلق بالاستيراد والتصدير والعمل، العامل الاكبر الوحيد لغزة هو اسرائيل". ويرواح الموقف الاسرائيلي الراهن بالنسبة الى مستقبل العلاقة الاقتصادية مع غزة بين دعوات الى تعزيز هذه العلاقة على اعتبار انها مفيدة للاقتصاد الاسرائيلي، وبين دعوات الى الفصل الاقتصادي انعكست في اعلان مسؤولين انه لن تكون هناك عمالة فلسطينية في اسرائيل عام 2008، علماً ان عدد العمال الفلسطينيين انخفض العام الحالي الى الف عامل بالمقارنة مع ستة الاف عامل العام الماضي. اما بالنسبة الى الاتفاقات القائمة بين اسرائيل والفلسطينيين في شأن الجمارك والضرائب والبريد، فسيستمر العمل بها في الوقت الراهن. وحسب تقرير البنك الدولي الذي صدر عام 2004 بعنوان"خطة الفصل والاقتصاد الفلسطيني والمستوطنات"، فإن المحددات الاساسية لأي خطة انعاش للاقتصاد الفلسطيني"تستند الى اعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل"، و"تعتمد على تخفيف جذري للاغلاقات الداخلية في الضفة، وفتح المعابر الخارجية امام التجارة والبضائع، والمحافظة على تدفق معقول للعمالة الفلسطينية في اسرائيل". ويضيف التقرير:"من دون اصلاح حقيقي لنظام الاغلاق الاسرائيلي، فإن الاقتصاد الفلسطيني لن ينتعش، كما لن يكون ممكناً لاسرائيل الابقاء على مكاسبها الامنية". وما زالت قضية المعابر عالقة، خصوصاً معبر رفح وممر فيلادلفي جنوب قطاع غزة. وكان جرى الحديث عن تسليم المعابر الى الفلسطينيين لادارتها باشراف طرف دولي، لكن مخاوف اسرائيل من تهريب الاسلحة جعلتها تقترح اقامة معبر مصري - فلسطيني - اسرائيلي في منطقة رفح لعبور البضائع والاشخاص، وهي فكرة رفضتها السلطة الفلسطينية. وتلخص"مسودة تقرير استراتيجية التنمية لقطاع غزة"التهديدات التي تواجه التنمية في قطاع غزة بالاشارة الى مسائل عدة اهمها عدم وجود استقرار سياسي، والتدهور الامني الداخلي، وعدم التزام المانحين تعهداتهم، وتعثر جهود الاصلاح، واستمرار السيطرة الاسرائيلية على المعابر، وسوء استغلال المناطق بعد الانسحاب، واستمرار سياسة الغلاف الجمركي الاسرائيلي، وضعف القدرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة، وعدم وفاء اسرائيل التزاماتها في ما يخص التواصل الجغرافي بين الضفة وغزة. في الوقت نفسه، يضيف التقرير ان ثمة فرصا لنجاح خطة تنمية غزة في حال انشاء ميناء يخدم المنطقة بالكامل، واعادة تأهيل وتشغيل المطار لنقل البضائع والركاب، واستقطاب رؤوس الاموال الخارجية، والدعم والتعاطف الدولي، وايجاد نمط زراعي ملائم بعد الانسحاب، وتطوير الصناعة المحلية والمناطق الصناعية والثروة السمكية وتوفر الغاز الطبيعي، وتنويع التجارة والعلاقات العربية وبلورة سياسة تجارية، ونجاح جهود الاصلاح المالي والاداري. ويتوقع ان يؤدي الانسحاب الاسرائيلي الى الاستفادة من البنى التحتية والدفيئات الزراعية في المستوطنات، بما يعزز من مكاسب الاقتصاد المحلي الفلسطيني، الا ان ذلك سيبقى رهناً بمستقبل الوضع السياسي والقضايا العالقة.