الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    النفط يستقر فوق 88 دولاراً.. وأسهم أمريكا تتراجع    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    في ذكرى انطلاقة الرؤية.. مسيرة طموحة لوطن عظيم    الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج طلبة «كلية الأعمال» في جامعة الفيصل    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل ردّاً على مقتل مدنيين    تهدئة التوتر بين القوتين الاقتصاديتين في العالم    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    "5 ضوابط" جديدة بمحمية "الإمام تركي"    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    أهلاً بالأربعين..    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    النفع الصوري    حياكة الذهب    هلاليون هزموا الزعيم    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    زراعة 2130 شجرةً في طريق الملك فهد بالخبراء    166 مليار ريال سوق الاتصالات والتقنية بالسعودية    مسبح يبتلع عروساً ليلة زفافها    "إكس" تطلق تطبيقاً للتلفاز الذكي    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    اكتشاف بكتيريا قاتلة بمحطة الفضاء الدولية    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    961 مليونا ً لمستفيدي «سكني»    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    دورة تأهيلية ل138 مستفيداً ومستفيدةً من برنامج الإعداد للابتعاث    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    عيدية كرة القدم    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    جاسم أحمد الجاسم عضو اتحاد القدم السابق ل"البلاد": الهلال يغرد خارج السرب.. وحديث المجالس وضع" هجر" في مهب الريح    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هو مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا؟ . كازاخستان تطرح مبادرة لبلورة صيغة جديدة للأمن والتعاون في القارة الآسيوية
نشر في الحياة يوم 29 - 07 - 2005

تعد آسيا أكبر قارات العالم مساحة وأكثر المناطق الجيوسياسية تنوعاً سياسياً وعرقياً، اذ لا تجد مثل هذه التناقضات الواضحة في أي قارة أخرى. ففي القارة ممثلون لكل الديانات الموجودة في العالم من الإسلام والمسيحية والبوذية والكونفوشيوسية وغيرها من الطوائف الأخرى التي تتفرع من هذه الديانات. كما توجد فيها كل أشكال الأنظمة السياسية والاجتماعية التي يعرفها العالم المعاصر: من الأنظمة الملكية المطلقة والملكية الدستورية، الى الأنظمة الجمهورية وأشكال الحكم الشيوعي والديموقراطي وغيرهما.
إلا أن هذه التناقضات لا تقلل من طبيعة وحدة القارة. فالعوامل التي توحد دولها وشعوبها واضحة وضوح الشمس. إذ إضافة إلى العنصر الجغرافي المهم، هناك الصلات التاريخية والعلاقات الاقتصادية والتجارية المتينة وتشابه كبير في الثقافات والعادات علاوة على وجود المنظمات الآسيوية الإقليمية التي تؤدي دورها بنجاح.
لكن أهم ما يوحد الشعوب الآسيوية هو المصير المشترك في عصر العولمة وتحديات العصر الجديدة. ومن هنا اهتمامها المشترك بنشر الاستقرار وإرساء دعائم الأمن والتعاون في هذه القارة الشاسعة. وهذا الاهتمام لم يكن في الماضي مصاغاً في إطار جهود سياسية محددة تسعى الى اقامة آليات لتحقيق هذه الأهداف على رغم أنه كانت هناك حاجة ماسة الى مثل هذا الإجراء. وتزايد هذا المطلب وأصبح أكثر أهمية نظراً الى الآفاق الجديدة التي تفتح ذراعيها للنمو الاقتصادي الآسيوي. فالقرن الواحد والعشرون هو بحق قرن القارة الآسيوية. فالمقدرة السياسية والاقتصادية التي تتمتع بها القارة ليست تنبوءات يتوقع لها أن تحدث فى المستقبل بل هي واقع يشهد به الوقت الحاضر.
والشعوب الآسيوية مهتمة حالياً بالحفاظ على السلام والاستقرار في القارة أكثر من أي وقت مضى كما أنها حريصة على مواجهة التحديات التي تعترض طريق القارة كالقضايا المتعلقة بالصراعات الإقليمية وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والتعصب الديني والنزعات الانفصالية وتهريب المخدرات وغيرها. وتشهد القارة اشتداد الصراعات السياسية مما يمثل بؤراً للتوتر وعدم الاستقرار مثل الصراع العربي - الاسرائيلي والعراق وأفغانستان وإقليم كشمير وشبه القارة الكورية. ومن دون مبالغة يمكننا القول إن أمن العالم واستقراره يرتبطان بتطورات الأوضاع في آسيا.
لاحت فكرة توحيد جهود الدول الآسيوية نحو مد جسور الثقة وتوطيد دعائم الأمن فى القارة منذ زمن بعيد في أفق السياسة الآسيوية. من هنا جاءت كازاخستان، التي لم تحصل على استقلالها سوى عام 1991، لتطرح هذه المبادرة عندما أعلن الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف عن عقد مؤتمر للتفاعل وتدابير بناء الثقة في القارة الآسيوية. كانت المرة الأولى التي أعلن فيها الرئيس الكازاخي عن فكرة إقامة المؤتمر خلال عقد أعمال الدورة ال47 للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول أكتوبر عام 1992، أي بعد عام واحد على حصول كازاخستان على الاستقلال. وتلقى الكثيرون الفكرة بنوع من الارتياب مؤكدين أن القارة الآسيوية، خلافاً للقارة الأوروبية، لم تكن أبداً قارة موحدة كما أن الصراعات التي تشهدها ذات جذور عميقة للغاية. إلا أن كازاخستان والدول التي أيدت فكرتها مع اعتراف بوجود مشكلات كبيرة فى القارة الآسيوية، انطلقت من الآتي:
أولاً: ان المشكلات التي تعاني منها القارة ليست مستعصية ويمكن ايجاد حلول لها.
ثانياً: ان وجود مثل هذه المشكلات يمثل دافعاً لبذل الجهود المشتركة لحلها وليس سبباً لليأس.
ثالثا: ان النموذج الأوروبي يدعو إلى مزيد من التفاؤل أكثر من كونه يزيد الصورة قتامة. إذ ان أوروبا عندما بدأت عملية مد جسور التعاون ونشر الأمن كانت الأوضاع فيها لا تقل صعوبة عما تشهده القارة الآسيوية حالياً. فكانت"الحرب الباردة"في أوجها وكان حلفا"الناتو"و"وارسو"، أكبر كتلتين عسكريتين وسياسيتين عرفهما تاريخ البشرية، يناطحان بعضهما بعضاً، كما كانت هناك أيديولوجيتان تناصبان بعضهما بعضاً العداء إضافة إلى الحربين العالميتين اللتين وقعتا في أرض أوروبا وخلفتا وراءهما جروحاً لم تكن قد التأمت بعد.
وأظهرت تجربة هلسنكي للعالم أجمع فاعلية مثل هذه الآلية من آليات التعاون، وللمرة الأولى لم تعد القارة الأوروبية تشهد نزاعات إقليمية وتأكد مبدأ عدم انتهاك الحدود الحالية. احدثت"عملية هلسنكي"بصفتها واحدة من أعظم إنجازات البشرية في التاريخ المعاصر نوعاً من الإنفراج في العالم وأرست مبادئ التعايش السلمي نموذجاً لما يجب أن يكون عليه المجتمع الدولي. وعلى رغم التغييرات الجذرية والمؤلمة في ما يتعلق بسلامة أراضي الدول والتي شهدتها القارة الأوروبية عقب انهيار النظام الاشتراكي والاتحاد السوفياتي، فإن هلسنكي كان لها الفضل في تجنب حدوث هزات عنيفة وتقويض ما قد يكون سبباً في نشوب صراعات جديدة.
إن المبادرة الخاصة بمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، وعلى رغم أنها لا تهدف فى المستقبل القريب إلى إنشاء منظمة على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبيين، إلا أنها من الممكن أن تصبح أهم مؤسسة لضمان الاستقرار والأمن والتعاون في القارة الآسيوية وهنا تكمن قيمتها وأهميتها، ولذلك سارعت كبرى الدول الآسيوية ذات الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي الى تأييدها، كما رحبت دول كبرى مثل الصين والهند وروسيا بإجراء مشاورات تعقد فى إطار مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة فى القارة الآسيوية.
تدخل في عضوية المؤتمر حالياً 17 دولة آسيوية هي: أفغانستان وأذربيجان والصين ومنغوليا ومصر والهند وإيران وإسرائيل وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وفلسطين وروسيا وطاجيكستان وتايلاند وتركيا وأوزبكستان، كما يشارك عدد من الدول في أعمال المؤتمر بصفة مراقبين أندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وفيتنام علاوة على ثلاث منظمات دولية هي الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي وجامعة الدول العربية.
ويكمن الهدف الرئيس للمؤتمر في تنظيم مؤسسة تشاورية بهدف دعم وتوسيع الاتصالات في المجالات الاقتصادية والإنسانية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية. ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنجد أن منظمة الأمن والتعاون الأوروبيين أطلق عليها فى بادئ الأمر"مؤتمر الأمن والتعاون فى قارة أوروبا". والسمة التي تميز المنتدى أن إنشاءه جاء في مرحلة انتقالية الأمر الذي يؤكد أهميته في هذه الفترة بالذات حيث بدأ العالم مرحلة جديدة من مراحل تطوره بما تشهده من مخاطر وتحديات الألفية الجديدة، وهي مرحلة تتسم بتحول النظام العالمي والانتقال من نظام القطبين إلى عالم متعدد الأقطاب مع كمية هائلة من القضايا المعلقة وأخرى طفت على سطح الأحداث من جديد. ونعني هنا في المقام الأول ما تشهده القارة الآسيوية في الوقت الراهن وهو ما يبرهن من جديد على ضرورة وأهمية هيئة دولية مثل مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا.
وفي ما يأتي الاتجاهات الرئيسة لنشاط المؤتمر:
- العمل المشترك في مواجهة التحديات الجديدة للأمن انتشار أسلحة الدمار الشامل وتهريب المخدرات والسلاح والإرهاب.
- صوغ معاهدة للأمن والتعاون الإقليميين في قارة آسيا تدابير بناء الثقة في مجال نزع السلاح والحد من التسلح على أساس ما توصلت إليه كل من منظمة الأمن والتعاون الأوروبيين ومنظمة شنغهاي للتعاون وكذلك التعاون فى المجال الاقتصادي وحقوق الإنسان والتعاون الثقافي.
- إقامة هيكل تنظيمي لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في قارة آسيا الأمانة العامة، تبادل المعلومات في مجال قضايا الأمن والمجالات العسكرية، والتمويل وصوغ قواعد الإجراءات.
وهناك ست وثائق مهمة تشكل الأساس القانوني الذي يقوم عليه المؤتمر في الوقت الراهن وهي: وثيقة المبادئ المنظمة للعلاقات المتبادلة بين الدول الأعضاء، وإعلان ألما- آتا، ووثيقة مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة الخاصة بالقضاء على الإرهاب وتفعيل الحوار بين الحضارات، وكتالوغ تدابير الثقة، قواعد الإجراءات وثيقة اللقاء الوزاري لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة، ووثيقة المبادئ المنظمة للعلاقات بين الدول الأعضاء والتي وقعت في 14 ايلول سبتمبر 1999 في مدينة ألما- آتا خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالمؤتمر، وعلى هذا النحو وضعت الأسس القانونية للتعاون والتفاعل في إطار المؤتمر.
وفي الرابع من حزيران يونيو عام 2002 شهدت ألما- آتا عقد قمة أولى لرؤساء الدول الأعضاء ووقع على الوثائق الرئيسة، وهي: إعلان ألما- آتا والوثيقة الخاصة بالقضاء على الإرهاب وتفعيل الحوار بين الحضارات. وأشار المشاركون في القمة الى أن الحياة السياسية في قارة آسيا تشهد حدثاً جديداً متمثلاً في منتدى مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة والذي سيكون من شأنه زيادة فرص إجراء حوار متعدد الأطراف وتوسيع التعاون القائم على المساواة بين كل الدول الآسيوية بهدف دعم الأمن والاستقرار وإنماء روح الثقة والتعاون. وأجمع المشاركون على أن إعلان ألما- آتا هو وثيقة تحتوي على مبادئ مبتكرة تعكس مساعي الدول الأعضاء نحو ضمان الأمن في القارة واضعين في الاعتبار خصوصية المنطقة وتعدد جوانبها. وهذا يتعلق في المقام الأول بتحقيق تدابير الثقة وتسوية النزاعات واعطاء الأولوية للقضاء على أسلحة الدمار الشامل وإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في قارة آسيا والالتزام بتعهدات في مجال مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والاتجار بالمخدرات وتجارة السلاح والجريمة الدولية.
إن الوثيقة الخاصة بالقضاء على الإرهاب وتفعيل الحوار بين الحضارات والتي صودق عليها وكانت بمثابة رد فعل على تحديات الإرهاب والتعصب تنطوي على موقف واحد يتبناه المشاركون تجاه هذا الخطر. إذ لم تكتف الدول الأعضاء بمجرد التنديد بنظريات الإرهاب وأعماله بل أشارت أيضاً إلى ضرورة إجراء حوار بين الحضارات كوسيلة يمكن من خلالها القضاء على الأسباب العميقة للإرهاب وتلاشي نشوب صراع بين مختلف الثقافات والشعوب. والسمة التي تميز لقاء القمة هذا دون غيره أنه شهد مشاركة قادة الدول المتصارعة في الوقت الراهن مثل الهند وباكستان وفلسطين وإسرائيل. وعلى هذا النحو أكد المؤتمر المبدأ الذي قام من أجله وهو أن يكون بمثابة منتدى مفتوح للحوار والنقاش بهدف البحث عن حلول وسط لتسوية المشكلات والصراعات.
وشهدت مدينة ألما- آتا في 22 تشرين الأول اكتوبر 2004 عقد الاجتماع الدوري لوزراء خارجية الدول الأعضاء، وصدق على كتالوغ تدابير الثقة وقواعد الإجراءات ووثيقة اللقاء الوزاري للمؤتمر. وتعكس الوثيقة الرؤية المشتركة والموقف الواحد الذي تتمسك به الدول الأعضاء تجاه القضايا الرئيسية الخاصة بأمن المنطقة والأمن الدولي عموماً. واعتبر نص وثيقة اللقاء الوزاري بمثابة وثيقة رسمية صادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن. ويرى العديد من الخبراء أن كتالوغ تدابير الثقة وثيقة شاملة فريدة فى جوهرها تطرح تعاوناً متعدد الجوانب بين الدول حول عدد من القضايا فى مجالي الأمن والاستقرار. ويتميز الكتالوغ بوجود نقاط خاصة تؤكد أهمية مد جسور الثقة ليس فقط في المجالين العسكري والسياسي وإنما أيضاً ضرورة وجود تدابير مشتركة في المجالات الاقتصادية والإنسانية ومجال البيئة.
وتجدر الإشارة إلى طابع التوصية للكتالوغ والى أن تطبيق إجراءات بناء الثقة يتم على أساس طوعي من دون الإضرار بالإجراءات الأخرى وبالاتفاقات الخاصة بالأمن ومن دون المساس بالتعهدات الخاصة بهذه الاتفاقات.
كما ستشمل آلية تبادل المعلومات مجالات النشاط العسكري للدول الأعضاء والتصدي للتهديدات والتحديات الجديدة، والتعاون من أجل النهوض بالتجارة والسياحة والعلاقات الثقافية والعلمية وتقديم المساعدات العاجلة في حالات الطوارئ. وهناك بند خاص يتناول ضرورة تفعيل الحوار بين الحضارات بما في ذلك الحوار بين الأديان.
أما قواعد الإجراءات فهي بلا شك أهم وثيقة قانونية إضافة إلى غيرها من الوثائق الرئيسة وبذلك يمكن القول إن قواعد اللعبة اكتملت وهو الأمر الذي سينعكس حتماً على أداء ونشاط المؤتمر في المستقبل.
شهد المؤتمر في بداياته الأولى تأسيس مجموعات عمل بهدف صوغ الوثائق الرسمية الخاصة به وتشكلت مجموعة العمل الخاصة ومجموعة الاتصال. وتنص قواعد الإجراءات الحالية على عقد لقاء قمة لرؤساء الدول الأعضاء مرة كل أربع سنوات. أما اللقاءات الدورية لوزراء الخارجية فتعقد مرة كل عامين، في حين تقرر إجراء اجتماعات لجنة كبار المسؤولين مرة في العام الواحد على الأقل واجتماعات الوزراء بما في ذلك صوغ مشاريع للوثائق. أما مجموعات العمل الخاصة فتتشكل بقرار من لجنة كبار المسؤولين ولدرس القضايا المتعلقة بمختلف أنشطة المؤتمر وتحقيق الأهداف والمهمات المنوطة بها. وفي الوقت الحالي هناك مجموعة عمل خاصة تعمل على تأسيس أمانة عامة للمؤتمر، ويتوقع أن يتم افتتاح هذه الأمانة رسمياً خلال لقاء القمة الثاني للدول الأعضاء المقرر عقدها عام 2006.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة أن فاعليات المؤتمر تستحوذ على اهتمام متزايد من قبل دول جنوب شرقي آسيا. فقبل عام 2004 بلغ عدد الأعضاء 16 منها ثماني دول وثلاث منظمات دولية. وفي 21 تشرين الأول الماضي وقّع وزير الخارجية التايلاندي على الوثائق الرئيسية للمؤتمر، مؤكداً عضوية بلاده الكاملة في المؤتمر. كما أعلن ممثلو سنغافورة وسريلانكا عزم بلادهم المشاركة في أعمال المؤتمر بصفة مراقبين. وصرح رئيس وفد كوريا الجنوبية بأن سيول تبحث إمكان تقديم طلب لنيل العضوية الكاملة قبل عقد لقاء القمة المقرر السنة المقبلة.
وفي ضوء الاتجاه نحو توسيع نطاق الدول المشاركة في أعمال المؤتمر وفي ظل الاهتمام المتزايد الذي يوليه المجتمع الدولي له فإن مشاركة البلدان العربية في فاعليات المؤتمر هو أمر غاية في الأهمية. إن مصر بصفتها أكبر دولة عربية كانت طليعة البلدان التي بادرت الى انضمام إلى المؤتمر وأسهمت في تأسيسه وشاركت بفاعلية في جميع فاعلياته بهدف صوغ الوثائق الرئيسية الخاصة به. ولمصر دور مهم باعتبارها معبراً عن اهتمامات ومصالح العالم العربي والإسلامي. وإذا أخذنا في الاعتبار مسؤوليتها المعروفة والخاصة في تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي وقضايا الشرق الأوسط الأخرى. فمن هذا المنطلق ترى كازاخستان في مصر شريكاً مهماً وصوت العرب القوي في المؤتمر الذي يعد بدورة قناة مهمة سواء لمصر أو الدول العربية الأخرى لحماية مصالحها في القارة الآسيوية التي يعد الشرق الأوسط أهم منطقة فيها.
ونحن نتفهم تماماً حرص البلدان العربية البالغ على ايجاد حل سريع وعادل لقضية الشرق الأوسط والأزمة العراقية والقضايا الأخرى مثل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، الخ. وإنا لعلى يقين من أن مساعي الدول الآسيوية لا تتعارض مع تحقيق هذه الأهداف بل إنها ستعطي دفعة قوية لجهود بلدان المنطقة نحو حل ناجح لتلك القضايا وكذلك مسائل الأمن الإقليمية الأخرى وذلك من خلال خلق آلية دولية أخرى وهي على مستوى القارة الآسيوية في هذه المرة.
وفي الوقت الراهن يقف المشاركون في المؤتمر في بداية طريق طويل حيث يتم صوغ المبادئ الخاصة بنشاط المؤتمر في المستقبل لا سيما أن السعي السياسي للدول الآسيوية نحو التوحد وحل القضايا الشائكة ومد جسور الثقة بين أرجاء القارة يجعلنا نتحدث عن آفاق جديدة للمؤتمر كهيئة مهمة تفتح قنوات للحوار والنقاش في القارة الآسيوية وكأهم محفل آسيوي من شأنه أن يساهم بفاعلية فى إرساء الأمن والسلام في العالم.
سفير جمهورية كازاخستان في القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.