وجد بوب غيلدوف، نجم الروك الايرلندي والشخصية الرمزية التي تمثل على مكافحة الفقر في أفريقيا العبارة المناسبة:"يستيقظ غداً 280 مليون أفريقي من دون ان يدينوا لي أو لكم بسنتيم واحد من حمل الدين الذي ينيخ على بلدانهم منذ وقت طويل". وذلك أن وزراء مالية الدول السبع الأكثر ثراء، الى روسيا G8، أعلنوا، في اجتماع تمهيدي لقمة غلين إيغلز سكوتلندا المقرر انعقادها من 6 الى 8 تموز يوليو المقبل، قرارهم الإلغاء الفوري لپ100 في المئة من الدين المتعدد الأطراف لثماني عشرة دولة فقيرة، باهظة المديونية تجاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي. ويبلغ الدين هذا 20 بليون دولار، وهو رقم كبير. وفي الإثني عشر الى ثمانية عشر شهراً الآتية، تستفيد 9 بلدان أخرى من مبادرة مماثلة في شأن مبلغ قدره 11 بليون دولار. وبعدها يستفيد 11 بلداً جديداً من الغاء مبلغ قدره 4 بلايين دولار. إذاً من اليوم الى سنة ونصف، يشمل هذا الاجراء التاريخي 38 بلداً، ويتناول مبلغاً اجمالياً قدره 55 بليون دولار، 44 منها مستحقة للبنك الدولي، و6 لصندوق النقد الدولي، و5 لبنك التنمية الافريقي. وتقتضي المحافظة على موارد عمل المؤسسات الثلاث هذه أن يستبدل كل دولار ألغي. ويشير التقرير الى أن الدول الغنية ستعوّض خسارة الاعفاءات، وتعهدت، تالياً، دفع ما يتوجب علينا. وابتداء، يحمل هذا الاجراء الفاعل انجازاً لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وقد لزمه، لهذه الغاية، أن يقصد البيت الأبيض ليأتي على آخر تحفظات العم سام. والى هذا، يأتي هذا الاتفاق بعد زهاء شهر على تولي بول وولفوفيتز رئاسة البنك الدولي. وكان تعيينه أثار الاضطراب في صفوف الناس جميعاً. وعلى رغم تطمينات"ولفي"المتكررة، وهو أخذ على عاتقه الكفاح في سبيل التنمية والقضاء على الفقر في العالم، لم يغب عن ذهن أحد أن الرجل الثاني في البنتاغون الأميركي هو أحد صقور إدارة بوش، ومن مناصري أحادية القوة الضاربة الرائجة في واشنطن. وهو من مؤيدي الحرب على العراق. فلا ريب أن تحوّل رجل هذا شأنه الى فاعل خير، أمر يصعب تصديقه. واستهلال الولاياتالمتحدة ولاية أحد مواليها بهذا السخاء، وهي ربما فهمت أخيراً أن الفقر هو الآخر سلاح دمار شامل، إنما أرادت منه أن تبعث رسالة واضحة لشركائها وللبلدان الفقيرة. ومن جهة أخرى، وُقع اتفاق لندن، قبل 48 ساعة فقط من بداية جولة بول وولفوفيتز الأفريقية التي تشمل نيجيريا وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا، الى رواندا. وابتداء السيد وولفوفيتز إقامته في بوركينا فاسو بزيارة"بوبوديو لاسو"و"سوفيتكس"على وجه التخصيص وهي أول شركة قطنية في البلد، قبل الوصول الى أوغادوغو، هو في ذاته دليل ساطع: فذلك يتيح له أن يلمس لمس اليد المفاعيل السلبية للمساعدات التي تهبها البلدان الغنية، وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، الى مزارعي القطن فيها، وتهديد هذه المساعدات بقاء عائلات في بوركينا فاسو على قيد الحياة. فالذهب الأبيض مصدر رزق حوالى 2.5 مليون من مواطنينا.... ومن ناحية أخرى، إذا كان أقوياء هذا العالم قبلوا محو لوحة الديون فإنهم لم يلتزموا في المقابل أي التزام يتعلق بمضاعفة المساعدة العامة للتنمية من 50 الى 100 بليون دولار سنوياً. والمعزوفة الأميركية في هذا الصدد معروفة ومكررة:"إنها تجارة، وليست مساعدات". ... ويبقى أن المال الذي كان مخصصاً لخطة الدين يجب أن يستعمل في أغراض أخرى. وبما أن العشرة ملايين بوركينابي لا يستطيعون المجيء والاصطفاف في ساحة الوطن، ليأخذ واحدهم حصته من الغلة وهذه قد تكون الطريقة المضمونة فعلاً للارتواء من المنّ والسلوى غير المتوقعين، فمن الأجدى أن نأمل في صرف هذا المال الى دعم الخدمات الاجتماعية الأساسية، كالتربية والصحة، والمساهمة في مكافحة الفقر. أما بعد، فإن الغاء هذه الديون، وهي كان أمل تسديدها ضئيلاً أصلاً، خالٍ من أي معنى. عن لوبسرفاتور بالغا البوركانيبية بوركينا فاسو، 18/6/2005