نجحت كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في مصر على مدى السنوات الأخيرة في أن تجعل من مثل هذه الأيام من كل عام"موسماً"يختلف شكلاً وموضوعاً عن بقية العام سواء الدراسي، أم الهجري، أم الميلادي، وذلك بفضل السياسة التعليمية، التربوية. فمن خلال منظومة التعليم المتشابكة الفروع والمعقدة الملامح، اصبح لموسم امتحانات نهاية العام سلوكيات تميزه عن بقية مواسم العام،"سلوكيات الامتحان"هذه طاولت كل بيت مصري يذاكر فيه أبناؤه وبناته. أول تلك السلوكيات الظاهرة للعيان هو إطلاق الشباب لحاهم، وإهمال الفتيات مظهرن. وعلى رغم أن جانباً من هذا التغيير المظهري مقصود بهدف إعلان حسن النيات وصدقها في ما يخص الإخلاص في المذاكرة والبعد عن كل ملذات الحياة الدنيا، إلا أن هناك من المذاكرين والمذاكرات من يفقد بالفعل كل رغبة في الاعتناء بالشكل تحت ثقل الدروس والحاجة إلى التجميع والتحصيل، وذلك استثماراً لكل دقيقة. مدّ ديني ومع إطلاق الشباب لحاهم، وتوقف الفتيات عن الذهاب الى مصفّف الشعر أو التفنن في ارتداء الملابس"الروشة"، يظهر مد ديني من النوع الموقت، فيلاحظ اكتظاظ المساجد والكنائس بالشبان الذين تبدو علامات المذاكرة واضحة تحت العينين على شكل هالات سود، وعلى الخدين الشاحبين. وقد دأب أئمة المساجد في السنوات الاخيرة على التعليق على هذه الظاهرة في خطبهم، داعين الشبان الى التردد على المساجد قبل الامتحانات واثناءها وبعدها بل بعد ظهور النتيجة كذلك. العلامات الظاهرية الخاصة بالامتحانات تمتد إلى الاوزان كذلك، إذ يشهد شهرا أيار مايو وحزيران يونيو تغيرات عدة في اوزان الطلاب والطالبات لا سيما المراهقين والمراهقات منهم. فهناك من يفقد كيلوغرامات عدة، إما بسبب فقدان الشهية والتوتر والقلق الشديدين، وهناك من يجنح الى اكتساب كيلوغرامات جديدة واكتنازها في اماكن من الجسم بسبب الميل الى مجابهة القلق، بالتركيز على محتويات الثلاجة بعد منتصف الليل. ولليل آثار متعددة على موسم الامتحانات كذلك وسلوكياته. فنسبة كبيرة من الطلاب تفضل مراجعة دروسها في ساعات الليل حتى ساعات الصباح الأولى. وهو ما يعني انتفاخ فاتورة الكهرباء في هذه الايام انتفاخاً يصل إلى حد الفرقعة، في حال وجود اجهزة تكييف تساعد في مناهضة الحرارة الخانقة التي يتصف بها الطقس المصري في هذا الموسم. هذه الزيادة في فاتورة الكهرباء تصحبها زيادة في فاتورة الهواتف الارضية التي تحولت في السنوات الاخيرة بديلاً من جلسات المراجعة الجماعية، سيما للفتيات اللاتي يعارض الاهل خروجهن. وهو ما يعني ساعات طويلة يتوقف خلالها اتصال البيت بالعالم الخارجي بسبب"المذاكرة على التلفون"وهي حجة اكيدة المفعول يلجأ إليها كثيرون في هذا الموسم وتجبر الاهل على التوقف الموقت عن رقابة المكالمات الهاتفية بسبب طولها وتوقيت اجرائها غير المناسب بعد منتصف الليل. هذه المكالمات على أرض الواقع ليست كلها تبادلاً للمعلومات العلمية وتفسيراً للكتب الادبية. لكن البعض يستخدمها لوضع الخطط والتكتيك لسبل"المساعدات الخارجية"و"الوسائل الايضاحية"في حال احتدام الوضع اثناء تأدية الامتحان. هذه المساعدات والايضاحات هي ما كان يطلق عليها قبل سنوات ليست بعيدة"البرشام". و"البرشام"هو نقل صفحات بأكملها من المناهج الدراسية على وريقات صغيرة، يتم لفها بحنكة ودسها في داخل الأقلام أو الملابس. لكن تقنية المعلومات والثورة التكنولوجية طاولت مظاهر الحياة الحديثة، بما في ذلك البرشام. ثورة المعلومات جانب من الطلاب ممن يتمتعون بمستوى معيشي مرتفع نسبياً، يسمح لهم بالاستعانة بثورة المعلومات في تلك الايام على ذاكرة الاجهزة الالكترونية المتناهية الصغر التي تسمح باسترجاعها سراً أثناء الامتحان. أما البعض من أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، لا سيما اولئك الذين تجمع بينهم روح الفريق وحب العمل الجماعي، فيمضون هذه الايام في تقسيم المناهج. فالمجموعة الذين سيجلسون متلاصقين في لجنة واحدة طبقاً للترتيب الابجدي تقسم فصول الكتب الدراسية فيما بينهم، على أن تشهد لجنة الامتحان في اليوم المشهود صورة بينة من صور التبادل المعلوماتي بغرض التكامل. وفي السنوات السابقة، التي تلت انتشار الهواتف المحمولة انتشاراً مذهلاً، دأب الكثيرون من الطلاب والطالبات على استخدامها في الغش، سواء من طريق الاتصال باصدقاء خارج لجان الامتحان للاستفسار عما تعذر من الاسئلة، أو بارسال رسائل قصيرة الى بعضهم البعض. إلا أن اجراءات صارمة اصبحت تعتمد في غالبية اللجان لمنع دخول الهواتف الى اللجان. وتبرز سلوكيات الامتحانات تناقضاً واضحاً في تفكير الطلاب والطالبات. فعلى رغم علمهم بأن الغش غش، سواء كان برشاماً أو محمولاً أو حتى Palm، إلا أن السلوك العام يتجه إلى فرض نوع من الرقابة الذاتية على التصرفات املاً في مكافأة من الله سبحانه وتعالى. ويظهر هذا جلياً في تغير وجهات الاطباق اللاقطة الى"اقرأ"و"الجزيرة"كما تشهد معاكسات الشبان للفتيات انخفاضاً ملحوظاً مصحوباً بميل الى تجنب الجنس الاخر خلال تلك الايام الحرجة. أما القنوات الفضائية الغنائية، فقد اثبتت انها قادرة على التلون طبقاً للظروف والاوضاع. فيبدأ عدد منها في بث اغنية"أمي مسافرة، بس عندي مذاكرة"وذلك بدلاً من"أمي مسافرة، وهاعمل حفلة"وذلك لتكون مواكبة لروح العصر. عموماً ما هي الا اسابيع معدودة، وتنتهي الايام العصيبة وتزول الغمة، وتنقشع سلوكيات المذاكرة وتحل محلها سلوكيات الاجازات التي تختلف شكلاً وموضوعاً عن سلوكيات الامتحانات.