التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    هيئة التقييس الخليجية تشارك في أعمال الدورة ال48 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX)    تعليم الطائف يناقش أداء المدارس    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    مصرية حامل ب9 أجنة    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 22 ميدالية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    البرازيل تمدد محادثاتها بشأن قضايا خلافية في قمة المناخ    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    تراجع أسعار الذهب 0.1 %    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    «أفواج جازان» تقبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    نوّه بدعم القيادة لتمكين الاستثمارات.. أمير الشرقية يدشن أكبر مصنع لأغشية تحلية المياه    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    نفذتها "أشرقت" بمؤتمر الحج.. وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    القيادة تعزي الرئيس التركي    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو قراءة مفتوحة وغير مؤدلجة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني
نشر في الحياة يوم 06 - 02 - 2005


Denis Sieffert.
Israel Palestine: Une Passion Francaise.
إسرائيل فلسطين: شعف فرنسي
La Decouverte, Paris.
2004.
270 pages.
قد تكون فرنسا، من بين سائر الدول الغربية، هي الأكثر شغفاً بمسألة"اسرائيل فلسطين".
أولاً، بحكم ماضيها الاستعماري العريق في المنطقة: فمع حملة نابليون المصرية عام 1798 كانت أول دول أوروبية تدشن الفتوحات الكولونيالية للعالم العربي.
وثانياً، لأن فلسطين هي البلد الذي عرفت فيه هزيمتها الأولى في الصراع على مناطق النفوذ مع منافستها الكبرى حينذاك: بريطانيا.
وثالثاً، لأن فرنسا شهدت منذ وقت مبكر، وكنتيجة مباشرة لقضية دريفوس التي هزت المجتمع الفرنسي في السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر، تطور حركة صهيونية ناشطة تجسدت في"الاتحادية الصهيونية الفرنسية"التي تأسست عام 1091.
ورابعاً، لأن فرنسا تضم جاليتين كبيرتين معنيتين مباشرة بالنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني: جالية يهودية من زهاء ستمئة الف نسمة، وجالية اسلامية من زهاء أربعة ملايين نسمة، معظمهم من المهاجرين المغاربة، يضاف اليهم عدة آلاف من المسيحيين العرب.
وخامساً وأخيراً، لأن فرنسا هي بامتياز ومنذ عصر التنوير وثورة 1789،"بلد مثقفين". وبحكم طبيعة النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني بالذات، فإنه مثار لشغف الانتلجنسيا الفرنسية، لا سيما انها تضم في عدداها عدداً كبيراً نسبياً من المثقفين اليهود، بمن فيهم مؤلف هذا الكتاب. وهؤلاء انخرطوا في النزاع انخراطاً يمكن وصفه بلا مغالاة بانه"محموم"، منحازين بصورة شبه اجماعية الى جانب اسرائيل التي قرأوا قيامها على انه انتصار لحركة التحرير القومي للشعب اليهودي، قبل ان يكتشفوا مع مكسيم رودنسون على اثر حرب 1967، ان اسرائيل هي ايضاً"واقعة استعمارية"، وان تحرر الشعب اليهودي تم على حساب استعباد الشعب الفلسطيني. وهو ما أدى الى انقسام في صفوفهم وحوّل خطاب بعضهم من المنافحة اللامشروطة عن اسرائيل الى النقد الحاد للسياسة الاسرائيلية التوسعية الاستيطانية، والى الدفاع الحار عن حق فلسطينيي الأراضي المحتلة، في تأسيس دولة خاصة بهم، تتقاسم مع اسرائيل أرض فلسطين التاريخية.
ويرصد مؤلف"اسرائيل فلسطين: شغف فرنسي"اربعة تطورات كبرى في موقف فرنسا من النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني خلال نصف القرن الذي تلا قيام اسرائيل.
1- فعلى امتداد السنوات العشر الاولى من عمر الدولة اليهودية، وهي السنوات التي تتطابق مع انفراد الاشتراكيين بالحكم سواء في فرنسا ام في اسرائيل، سجلت السياسة الفرنسية انحيازاً تاماً لاسرائيل توجته المشاركة الفرنسية المباشرة في حرب السويس عام 1956. ولا يتردد مؤلف"الشغف الفرنسي"في ان يطلق على تلك الحقبة اسم"العصر الذهبي الفرنسي - الاسرائيلي".
2- مع قيام الجمهورية الخامسة بقيادة ديغول عام 1958 شرعت فرنسا تصحح علاقاتها مع العالم العربي باعترافها باستقلال الجزائر عام 1962، وباعادة العلاقات الديبلوماسية مع مصر عام 1963، ثم كان التحول الاكبر في حرب حزيران يونيو 1967 عندما بادرت اسرائيل - التي صورت نفسها في عواصم الغرب وكأنها مهددة بالموت - الى شن الحرب، فألحقت هزيمة صاعقة بثلاثة جيوش عربية، وتكشف داود الصغير عن انه جليات عملاق. وانما في سياق هذا التحول الاسرائيلي من دور الضحية الى دور المحتل، أدلى ديغول بعد ستة أشهر من حرب 1967 بتصريحه المشهور الذي قلب الأمور في العلاقة مع اسرائيل رأساً على عقب عندما وصف الاسرائيليين بأنهم"شعب نخبوي واثق من نفسه، ومحب للسيطرة". ومع ان بعض الكتّاب اليهود لم يترددوا في حينه في الكلام عن"انبعاث اللاسامية"في فرنسا، فان بعضهم الآخر، ومنهم كلود ليفي شتراوس، لم يترددوا ايضاً في الجهر بأن الدعاية الاسرائيلية قد خدعتهم. ومنذ ذلك الحين، ومع اكتشاف واقعة وجود الشعب الفلسطيني الذي غيّبته السياسة العربية الرسمية، حدث نوع من الانقسام في صفوف الانتلجنسيا اليهودية الفرنسية، وهذا على الرغم من ان الجالية اليهودية الفرنسية مالت اجمالاً الى مزيد من التطرف والى التأييد اللامشروط للسياسات الاسرائيلية، بعد ان انضم اليها عشرات الالوف من يهود تونس والمغرب الذين اضطروا الى النزوح عن أوطانهم الاصلية تحت وطأة تصاعد العداء الشعبي لهم على إثر الهزيمة العربية لعام 1967.
3- المرحلة الميترانية 1982 - 1995: كان فرانسوا ميتران بحكم ميراثه الاشتراكي وعلاقاته العائلية، صديقاً كبيراً لاسرائيل. ولكن هذه الصداقة بالذات هي التي سمحت له ان يكون نقدياً في مواقفه ازاء سياساتها التوسعية، وهذا الى حد جذري أحياناً. فقد كان وعد بأن يكون أول بلد يزوره في حال انتخابه رئيساً للجمهورية هو اسرائيل. لكن ضرب اسرائيل مفاعل تموز الذري العراقي جعله يمتنع عن الوفاء بوعده. ثم لما زار اسرائيل بالفعل في آذار مارس 1982، كان أول رئيس غربي يجرؤ، في خطابه أمام الكنيست، على الكلام عن ضرورة قيام"دولة فلسطينية". وهو لم يكتف باختراق ما كانت اسرائيل تعتبره تابواً لا يجوز التلفظ به، بل انه ذهب، في إدانته لاجتياح اسرائيل للبنان في حزيران 1982، الى حد تشبيه المجزرة التي اقترفها الطيران الاسرائيلي يوم 12 آب اغسطس بتلك التي اقترفها النازيون عام 1944 في بلدة أورادور الفرنسية. ثم قرن القول بالفعل عندما أمر القوات الفرنسية المتواجدة في لبنان بحماية ياسر عرفات من القتل الذي كان شارون مصمماً عليه، ثم بترحيله مع رفاقه الى تونس. ولئن أنقذ ميتران على هذا النحو حياة عرفات، فقد أنقذ أيضاً مستقبله السياسي عندما أقنعه بالاعتراف باسرائيل من خلال البيان الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني المجتمع في الجزائر في تشرين الثاني نوفمبر. ثم كان تكريسه له رئيس دولة بلا دولة عندما استقبله بهذه الصفة في قصر الاليزيه الرئاسي في أيار مايو 1989. وانما في أثناء هذه الزيارة أدلى عرفات بتصريحه الشهير الذي أعلن فيه ان ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان يدعو الى تدمير اسرائيل، قد بات بحكم"المتقادم عليه الزمن". وبديهي ان اسرائيل اعتبرت، على لسان رئيس وزرائها اسحق شامير، ان مبادرة ميتران هذه"تتناقض تناقضاً صارخاً مع الموقف الصديق إزاء اسرائيل". والواقع ان ميتران، كما يعلق دني سيفرت، لم يكف قط عن ان يكون صديقاً لاسرائيل، لكنه كان اكثر اهتماماً بمستقبلها في المنطقة العربية منه بمصالحها الاحتلالية. وبهذا المعنى يمكن القول انه كان نصيراً مستنيراً لها، وليس نصيراً لا مشروطاً على نحو ما كانه الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الفرنسي غي موليه مثلا.
4- المرحلة الشيراكية. ففي ولايته الأولى 1995 - 2002 عمل الرئيس جاك شيراك على تثبيت وتطوير"السياسة العربية لفرنسا"التي كان أول من أرسى أسسها الجنرال ديغول. وهذا ما استتبع من جانب المسؤولين الاسرائيليين، كما من جانب اللوبي اليهودي في فرنسا، اتهامات للعهد الشيراكي بمعاداة الصهيونية، بل حتى بمعاداة السامية. لكن سياسة شيراك العربية، المؤيدة لقيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة، اصطدمت، بدءا من ولايته الثانية، بعقبتين أحاطتاها بالالتباس، بل حكمتا عليها بالشلل: أولاً، عسكرة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وثانياً، اعتداءات 11-9-2001 الارهابية. فالمسلحون الفلسطينيون المقنّعون ما عادوا يحظون من الرأي العام الفرنسي بنفس التعاطف الذي كان يحظى به أطفال الحجارة في الانتفاضة الأولى. كما ان النضال الفلسطيني المشروع من منظور حق الشعوب المحتلة في مقاومة محتليها احتل مكانه، بعد اعتداءات 11-9، في سياق تأويلي جديد، هو سياق"صدام الحضارات"حسب التعبير الذي كرسه كتاب هنتنغتون. فالفلسطينيون ما عادوا فلسطينيين، بل صاروا"اسلاميين"أو"ارهابيين"، وشخصية ياسر عرفات نفسه تداخلت مع شخصية أسامة بن لادن. واسرائيل نفسها لم تعد ملجأ لليهود الناجين من المشواة، بل صارت مخفراً متقدماً للدفاع عن قيم الغرب اليهودي - المسيحي. أو هذه هي، على الأقل، اللعبة الايديولوجية التي ما فتئت تلعبها القيادة الشارونية منذ اعتداءات 11-9، ومن هذا المنظور فإن الفلسطينيين، بعد الضحايا المباشرين لهذه الاعتداءات، هم الذين دفعوا فاتورتها الأغلى. وقد جاءت قضية"الحجاب الاسلامي"، التي تفجرت في 2003، لتزيد الأمور التباساً وتشويشاً. فمن نضال وطني بات النضال الفلسطيني يحتل موقعه، في شعور الكثيرين من الفرنسيين ولا شعورهم معاً، في سياق"حرب أديان". ولا يخفي دني سيفرت، المعادي بعنف للوبي اليهودي، ان مثقفي هذا اللوبي، من أمثال الكسندر أدلر وألان فنكلكروت ودانييل سيبوني واندريه غلوكسمان وكلود لانزمان - ومعهم عدوهم جان ماري لوبن زعيم اليمين المتطرف - يعرفون كيف يصطادون في المياه العكرة لهذا الالتباس. ومن هنا كانت دعوته الى قراءة غير مؤدلجة للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني تحرره من الفخ الذي سقط أو أسقط فيه. وقد تكون هذه هي المهمة الأولى للقيادة الفلسطينية الجديدة التي كتب دني سيفرت كتابه قبل ان يؤول اليها ميراث عرفات بكل إيجابياته وسلبياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.