صار فصل الشتاء منذ نحو أربع سنوات موعداً جديداً يضربه طلاب الثانوية العامة التوجيهي مع نتائج امتحان الفصل الدراسي الأول من الثانوية العامة، بعدما ظل فصل الصيف محتكرا موعد الإعلان عن النتائج لفترة طويلة. من هنا، صار غريباً على العائلات التي تعدى أبناؤها مرحلة المدرسة سماع إطلاق النار ابتهاجاً بنجاح أحد أبناء الجيران أو الأقارب. وما يزيد من غرابة العائلات البعيدة عن هذه الأجواء معرفة أن طالبا لم ينجح في واحدة من مواده التي تقدم للامتحان بها، يستطيع إعادتها في الفصل الثاني. تغيّر الوضع الآن كثيراً عن ذي قبل، وتغيرت الطريقة التي يدرس بها الطلاب موادهم، وصار نظامهم الدراسي قريباً من النظام الجامعي. وسمي نظامهم الجديد نظام "الحُزم" الذي يقضي بأن الطالب يقسم عامه الدراسي إلى فصلين دراسيين، وهذا طبيعي، على أن ينهي مواده في كل فصل على حدة. فإذا نجح في مواده، ينتقل إلى غيرها، وإن لم ينجح فباستطاعته إعادتها من جديد في الفصل الثاني. والمعادلة التي يستنتجها الطالب موسى 18 عاماً هي أن "الكل سينجح. إن لم يتحقق هذا في الشتاء، ففي الصيف سيتحقق بالتأكيد". وموسى طالب "توجيهي" جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فهو يدخل هذه الامتحانات "المصيرية" لأول مرة، وهو طالب "إدارة معلوماتية". وهذا جديد كلياً على طلاب الثانوية العامة الأردنيين، الذين كانوا ينقسمون قبل هذا العام إلى طلاب علمي وأدبي وشرعي ومهني. وللإدارة المعلوماتية حكاية أخرى. فهو تخصص جديد يدرسه طلاب الثانوية العامة إلى جانب العلمي والأدبي والشرعي كتخصصات نظرية. وهي تخوّل الطالب الناجح فيها دخول الكليات الجامعية التي يدخلها طالب التخصص العلمي، ولكن لا يحق له الانتساب إلى كليات الطب والهندسة المدنية. موسى وجد الأمر رائعاً. فهو لن يضطر لدراسة مناهج الرياضيات المعقدة غالباً، ولن يدخل في حسابات اللغة العربية ولا الإنكليزية: "أحب الكومبيوتر، ولا أفهم كثيراً من شؤون الرياضيات ونظريات الفيزياء والكيمياء، ولا أجيد الحفظ في دروس اللغتين العربية والإنكليزية. رأيت أن إدارة المعلوماتية هي الأنسب، فاخترتها تخصصاً لي، وجاءت النتائج باهرة.. حتى لي". موسى سعيد جداً من نتيجته التي استخرجها من أحشاء شبكة الإتنرنت قرب الفجر: "دخلت المواقع التي أعلنت وزارة التربية والتعليم النتائج فيها في حدود الخامسة والنصف صباحاً. كنت ناجحا بعلامات مرتفعة. أنا سعيد جداً، لكن علي الانتظار حتى الصيف لأنجح رسمياً". والنجاح الرسمي لموسى يعني اجتيازه مواد أخرى في الفصل الدراسي الثاني. نجاح موسى ليس مستغرباً في ظل الأرقام التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم للمرحلة الشتوية من امتحان الثانوية العامة. فنسبة النجاح هذا العام فاقت الأعوام السابقة، وبخاصة في التخصص المستحدث "الإدارة المعلوماتية". فرحة موسى تقابل باندفاع أحمد عبدالله 26 عاماً وغضبه من النتائج "الجيدة" للطلاب هذا العام. ويقول: "أنا أعدت الامتحان أربع مرات، أي أربع سنوات. لو أنني عشت في هذه الأيام، لما ضاعت هذه السنين من عمري". لكن اندفاع أحمد يخفت قليلاً، ويضيف بهدوء:" أنا سعيد لهؤلاء الطلبة لأنه يمكنهم إعادة المادة التي لم ينجحوا فيها خلال العام عينه، بدلا من الانتظار عاماً كاملاً. لكني مستاء لأن هذا لم يكن مسموحا في أيامي". لكن الكثير من القوانين والأنظمة تغيرت في هذا العام. امتحان الثانوية العامة كان يقدم في فصلين، ثم صار في فصل واحد، وعاد إلى فصلين بعد ذلك. كما أن الطالب الذي لم يكن ينجح في اجتياز ولو مادة واحدة، فيضطر للانتظار عاماً كاملاً ليعيد ما لم ينجح فيه. ثم تغير الأمر وصار بامكانه إعادة الامتحان في دورة شتوية تجرى خصيصاً للراسبين حتى ينجحوا ويلتحقوا بالجامعات إن مكنهم معدلهم من ذلك. أحمد الذي وجد الآن عملاً لا يحتاج الى شهادة جامعية، يختصر هذه التغييرات الكثيرة التي أدخلتها وزارة التربية والتعليم على أنظمة امتحان الثانوية العامة بالقول إن "امتحان التوجيهي هذه الأيام ليس كأيام زمان. كنّا نتعب وندرس ولا ننجح. أما الآن، فإن الطلبة لا يدرسون ولا يتعبون، وينجحون. لا يعنيني هذا الآن. أساساً ليس التوجيهي هو الشيء الوحيد الذي تغير. حتى أنا تغيرت".